تعتبر التربية العلاجية ركيزة أساسية في علاج الأمراض المزمنة، وبالدرجة الأولى مرض السكري من نوع 1 و2 ، بحيث تهدف إلى تزويد المريض بمهارات وأدوات تمكنه من السيطرة على المرض عن طريق المراقبة، والوقاية، والعلاج، لتخفيض مضاعفات المرض الطبية، والاقتصادية، والاجتماعية. ولتحقيق مسعى تحسين صحة المرضى وتخفيض التكاليف العلاجية يجب على الطبيب المعالج الاستماع، والمواكبة النفسية والاجتماعية، والإدراكية، للشخص المصاب
فمرض السكري يتطلب علاجات معقدة ولمدة طويلة مع تغيير في العادات والسلوك تلزم قدرات تأقلمية لاتستطيع الوصفة الطبية لوحدها النهوض بها. وفي هذا الإطار يطرح سؤال العلاقة التقليدية بين الطبيب والمريض التي يجب أن تتطور إلى علاقة شراكة وتقاسم للمعرفة والتجارب، لتمكين الشخص المريض من الحصول على توازن جديد مع مرضه .وهنا تتجلى أهمية التربية العلاجية والدعم النفسي الاجتماعي لتحفيز المريض على تملك المعرفة والمهارات، لاتخاذ إجراءات وسلوكات مناسبة ضد المرض
تعتبر المنظمة العالمية للصحة التربية العلاجية وسيلة لمساعدة المرضى من الحصول على المهارات اللازمة لتدبير حياتهم مع مرض مزمن، فهي جزء مندمج ومستمر للعلاجات. وتحتوي التربية العلاجية على أنشطة منظمة مع السند النفسي والاجتماعي، بهدف التحسيس والتعريف مع تنظيم العلاجات والسلوكات. تتوخي التربية العلاجية بلوغ المرضى درجة عالية من المعرفة بمرضهم وبالعلاجات الموصفة، والمشاركة مع الفريق الطبي، وتحمل مسؤولية العلاجات كوسيلة لتحسين جودة الحياة. وفي بلادنا يشكل مرض السكري عبئا اجتماعيا واقتصاديا لايستهان به في ظل نقص في التوعية والتحسيس والتربية العلاجية، ويعتبر هذا المرض أولوية صحية يتطلب مواجهة صارمة من الناحية الوقائية والمراقباتية، فمضاعفات مرض السكري جد متواترة في بلادنا، بحيث نشاهد كل يوم في مستشفياتنا المرضى يلجئون إلى التطبيب بعد فوات الأوان، من الضعف الكلوي، أو العمي، أو بتر الأطراف، أو المضاعفات القلبية والشرايينية. بالإضافة إلى هذا الوضع هناك نقص في مرافق القرب الصحية وبعدها عن الساكنة القروية، ونقص كذلك في تكوين الأطباء في مرض السكري، ونقص في وصف العلاج الثنائي والثلاثي للأدوية الفمية المخفضة للسكري في الدم، مع تخوفات غير مبررة عند المريض والطبيب في وصف الأنسولين مبكرا عندما يكون المريض في حاجة إليها
يعتمد علاج مرض السكري على العلاج المعرفي السلوكي الذي يعتمد على الحمية مع التتبع الذاتي لنسبة السكر في الدم عدة مرات في اليوم قبل الأكل وبعده، ة، المشي المطول كل يوم لنقص الوزن ومحاربة السمنة، وكذلك العلاج الدوائي عن طريق الفم، بحيث يشرع الطبيب المعالج بالنسبة لمرض السكري من نوع 2 بوصف دواء «الميتفورمين» حسب نسبة السكري في الدم، وبعد فشل العلاج غير الدوائي مع المراقبة المستمرة الذاتية والبيولوجية يحدد الطبيب المعالج الأهداف العلاجية، والتي تتمحور حول المؤشرات السكرية التي يجب على كل مريض بالسكري أن يرسمها في مذكرته الشخصية وان يحترمها بالمراقبة البيولوجية المستمرة وهي كما يلي ? «الهيموكلوبين كليكي» اقل من 7 ?السكري في الدم قبل الأكل 90-120 ملغ /دسلتر وبعد الأكل اقل من 140?180 الضغط الدموي أقل من 130/80 ملم «مركير ?الكوليسترول ل د ل» اقل من 100 ملغ في الديسلتر- «التريكلسيريد» اقل من 150 ملغ في «الديسيلتر ?الكوليستيرول اش د ل» أكثر من 40 ملغ عند الرجل و 50 ملغ عند المرأة. ويلجئ الطبيب المعالج في غالب الأحيان مع مرور الزمن إلى إضافة دواء ثاني أو ثالث عن طريق الفم إذا لم يفلح في إحراز التوازن المنشود للسكري في الدم. كما تبين الدراسات أن القدرة الإنتاجية للخلايا «بيتا» للبنكرياس من الأنسولين الداخلي تتقلص مع مرور السنين فالعلاج بالأنسولين أمر وارد في مسار مرضى السكري من نوع 2 بحيث يجب تدليل الصعاب النفسية لتسهيل العلاج بالأنسولين عند الحاجة و في وقت مبكر قبل ظهور العواقب الوخيمة لمرض السكري
بالنسبة للعلاج المعرفي السلوكي لمرضى السكري من نوع 1 والتي هي عماد التربية العلاجية لمرضى السكري، فإنني أحيلكم على دراسة أنجزت بمستشفى في حول أطفال مصابين بمرض السكري من نوع 1 ، وبينت نتائج الدراسة أن معدل سن الأطفال تراوح بين 10 و 12 سنة وجميع مفردات العينة في المرحلة الابتدائية تؤهلها للحصول على التعلم والتدريب وتعديل السلوك واكتساب سلوكيات جديدة، ومن حيث نوع المرض فجميع الحالات مشخصة من النوع1 المعتمد على الأنسولين، أما عدد مرات تعاطي حقن الأنسولين يوميا لعينة الدراسة فقد اتضح أن 70 في المائة من العينة تحتاج إلى حقن الأنسولين مرتين يوميا، في حين أن نسبة 30 في المائة من عينة الدراسة تحتاج إلى ثلاث مرات يوميا من جرعة الأنسولين، مما يعكس ضرورة الالتزام اليومي بإجراءات الحقن وأهمية تعلم مهارة سلوكيات الحقن وإزالة المشاعر السلبية التي تسبق هذه العملية، وتوصلت مستخلصات الدراسة إلى إمكانية تطبيق أساليب العلاج المعرفي السلوكي على الأطفال مرضى السكري، لأنها ترتبط بتغيير البنية المعرفية للطفل وتعديل سلوكه. وتعتمد على أساليب تعليمية تناسب المرحلة العمرية (8-12 سنة ) كما اتضحت فاعلية تناول وعلاج مشاكل الأطفال مرضى السكري، من خلال المقابلات الجماعية والأنشطة التعليمية كأدوات لإحداث التعديل في سلوك الطفل بصورة مباشرة ومن حيث المعرفة بالمرض وكيفية التعامل مع نظام العلاج، من خلال الوسائل التوضيحية وأشرطة الفيديو التعليمية لاكتساب السلوك المشاهد، الشرح والتوضيح والمناقشة، من خلال عرض نماذج تعليمية وإرشادية للتعلم الذاتي الموجه لتحديد المهام للممارسات اليومية باستخدام المدعمات الايجابية التدريب التحصيني ضد الضغوط للتعامل مع الضغوط النفسية والاجتماعية نحو متطلبات الالتزام بالعلاج التدعيم والتشجيع والمكافئة على الاستمرار في سلوكيات العلاج المطلوبة وفي المحافظة على نسبة السكري في الدم قريبة من المستوى الطبيعي
كما أكدت الدراسة على أهمية مشاركة الأمهات كعنصر رئيسي في تحقيق أهداف العلاج وفي تنفيذ مسؤولياته والتدريب على تحويل تلك المسؤوليات بالتدريج إلى أطفالهن المرضى. واتضح أن التدخل المهني بتطبيق العلاج المعرفي السلوكي مع الأطفال مرضى السكري لتأهيلهم اجتماعيا يحتاج إلى فترة زمنية لا تقل عن ستة اشهر، وينفذ على فترات متتالية بهدف تتبع الحالات ومساعدتها في الاستمرارية في سلوكيات العلاج وحل المشاكل التي تواجهها
وفي الختام نشدد على أهمية التربية العلاجية في مرض السكري لتخفيض مضاعفاته الاقتصادية والاجتماعية والأسرية على مصابيه والمجتمع