قراءة: أحمد طنيش
تعددت التيمات التي تناولتها الأفلام السينمائية المشاركة، في الدورة 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة والذي انطلق من 18 ويمتد إلى 26 أكتوبر 2024، وفي نفس الوقت تعددت الرؤى والتصورات القريبة والبعيدة من السينما والموازية لها والتي تحمل اسمها مع تحفظ مشروط أو اعتراض مقبول والأخرى التي تفكر في سينما المستقبل من داخل السينما وذلك على عدة مستويات، الأمر الذي تؤكده الخلفية والأداء والطرح الفني والتقني وهنا رهان الإنتاج والتطلع إلى مرحلة الصناعة السينمائية التي يأملها الإنتاج والإبداع المغربي في السينما وغيرها من الفنون والتي بدأت تظهر ملامحها أو قل رهاناتها، سيما ويهاجسنا الذكاء الاصطناعي الذي دخلنا مرحلته، ونحن ملزمين بتجاور مرحلة الشعوذة والتقليدانية والشكلانية بمعنى خلق قطيعة أبستمولوجيا وتقنية مع الاسقاط المشهدي الذي تعد فبركته وتركيبه وفرضه على الجملة السينمائية سرديا وتقنيا، هذا التوجه الذي يتبناه البعض بدعوى الإبداع الفلسفي أو الاختيار الاستيتيقي لمنهج عبثي أو سريالي أو غيره، وهو هروب واضح من المهنية باسم التقنية واختلاف، وسبب وجهة نظري أن السينما أصلا خطاب بتعدد اللغات وبهذا الغنى فالسينما مدعوة للإفصاح والبلاغة والجمال المتعدد والذي يزهر حتى في طرح القبح والمختلف.
وسط هذا التعدد وضمن فرجات البرمجة السينمائية لفعاليات المهرجان الوطني بطنجة، حضرت هناك تجارب استثناء والتي سلكت طريقا آخر مختلفا على كل التيمات وتميزا عنها ونقف هنا عند الفيلم 404.1 بحكاية فيلمية يقودها خطاب من الآن بتيماته المستمدة من الأحداث الاجتماعية التي نعرفها والتي لها علاقة قيادة من المستقبل تحديدا سنة 2047، وهي عملية تكسر المنظومة القيادية الزمنية كون الحاضر ابن الماضي وقراءته تدعونا إلى العودة إلى الوراء، الفيلم 404.1 يصرح بكل جمله الصغرى المتكونة من اللقطات التي خاطبت جوانيتنا بسرد بنى قصته وأسس لخيوط التي قبضت على تلقينا إلى أن أصبحنا مشاركين من خلال أفق الانتظار الذي قاد الفرجة، وحبك الفليم جمل سردية متوسطة متكونة من مشاهد تخيط اللقطات عبر تركيب ساهمت فيه لغات سينمائية أخرى بصرية وسمعية متعنا بها المخرج واستضافنا في فضاءات ليست جمالية فقط بل إيحائية، وصولا إلى الجملة الكبرى لبنية الفيلم السينمائي، يقول لنا طرح يونس الركاب إذا أردت معرفة الحاضر عليك أن تقرؤه بالسفر إلى الأمام على الأقل بعقدين وزيادة وبذلك يكون هذا السفر في الزمن تيمة كرونولوجية لحياة اجتماعية لمجايلة تضم الآباء والأبناء وصولا إلى المجايلة القادمة التي يستحضرها الفيلم الذي حتما يؤرخ لحوار الأزمنة، وهي إشارة أن سيرة حياة اللحظة لها علاقة بقيادة نتيجة مستقبلية؛ إذ ينطلق القادم من الآن وهو السؤال الحاضر حاليا في تطلعات جيل الذكاء الاصطناعي وعالم الروبوات حيث أن هذا المستقبل تتحكم فيه الأرقام والفيزياء والرياضيات التي تتعايش وتتكامل وتخدم وتهاجس البشر إلى درجة التماهي بين دور الآلة ودور الإنسان ومن يقود من ومن يؤثر في الآخر ومسائلة المستقبل البعيد عمن سيحكم ومن سيتحكم، وعليه فنحن في مرحلة “الميتافيرس” الذي يتداخل فيه الواقعي مع الخيالي، بل هي مرحلة مستقبلية سيغيب فيها هذا التصنيف بين الأزمنة كون المستقبل يحضر في الحاضر أما الماضي فهو حاضر أصلا ومولود يسره الآتي، وكأن البشرية تمضي لزمن واحد متداخل في بعد فيزيائي رياضي جديد، وهنا أستحضر في قراءتي الزمن عند “هيكل” الذي يعتبر الزمن يعبر عن نفسه من خلال أشكال من الوعي، من الذاتية المستنيرة زمنيا والتي تجسد نفسها وبالتالي زمنها في العالم. ونضرب نموذجا من الفيلم 404.1 مع شخصية باحث علمي أكاديمي توصل في أطروحة الدكتوراه إلى معادلة 404.1 التي تجاوزته حتى دمرته ودمرت حياة من حوله وعلى رأسها من يحب وعبر مدخل الحب والمهنية والإنسانية تمت مواجهة شعوذة الحاضر وشعوذة المستقبل، ومن تم وجه الخطاب لمدبري الشأن العام الأمني والحياتي والاجتماعي والطبي وغيره مفاده أن يكونوا في مستوى المستقبل الذي يبدأ من الآن ويغير العلاقة مع العالم.
الفيلم فكرة وقصة وإخراج المبدع السينمائي يونس الركاب الذي قدم بمناسبة عرضه في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة وبرمجته يوم الإثنين 21 أكتوبر 2024، في الساعة الرابعة زوالا، بالقاعة الكبرى لفضاء العروض المهرجانية السينمائية، وقد صرح يونس الركاب أن فكرة وهاجس هذا الفيلم صاحبه 6 سنوات واليوم يتم الطلاق وهو الآن ملك للمتلقي، تحققت فكرة يونس الركاب بدء من السيناريو الذي أعده محمد حافظي، تشخيص كل من الممثلة المقتدرة حسناء المومني، والممثلين المبدعين عبد اللطيف شوقي، جليلة التلمسي، عبد النبي بنيوي، ناصر أقباب، في البدء أقدم التحية للكاستينك المتوالف والذكي، حيث أن تمية التشخيص يتقارب عند هذه المجموعة التي تؤدي من الداخل وتنزل الشخصية لتمارس مهمتها وهي الخاصية والميزة التي دعتنا أن نتبناها بوعي منا مدركين أننا أمام فرجة تخاطب الأزمنة من خلال التيمة والحكي والتركيب والتقابل الزمني.