#أخبارفن وثقافة

قصة وفاء للسينما والوفاء بالسينما: قصة فيلم يعلمنا درس الوفاء والوطنية والسينما

أحمد المحمدي
عتبة العنوان:
أسباب اختيار هذا العنوان له مرجعيتين مركزيتين، المرجعية الأولى، لها علاقة بتاريخ وسيرة الطاقم الفني والتقني القادم من مدارس فنية متعددة، وتجارب مختلفة متواصلة العطاء والاحتكاك سيما ومعظمها قطعت على الأقل أو أكثر 3 عقود في مسيرتها الفنية، بمعنى أنها مسؤولة عن اختياراتها ولها التجربة والخبرة لتساهم بها أو بالأحرى تضعها للمكاشفة، لذا فهي ضمنيا وفية للسينما وبالسينما، ولهذا الانتماء شرعية الإبداع. والمرجعية الثانية، الإشارة إلى أنني اقتبست العنوان من تيمة موضوع المقال الترافعي الذي ينتصر للحق في الابداع والحق في اختلاف وجهات النظر والحق في النقد بصفته قراءة تحليلية وآلية لكشف خبايا وأسرار وخلفيات الطرح الإبداعي عموما على المستوى الفني والتقني والتيمي، وليس تصفية حسابات واسقاطات وقراءات مغرضة لا تحترم الإبداع حيث تكتب عنه عن بعد وهو إبداع القرب بل قرب القرب، كون الفيلم المعني بهذا المقال “قصة وفاء” لعلي طاهري وهو فيلم سينمائي يطرح بمناسبة وطنية وهي المهرجان الوطني للفيلم، طنجة، الذي انطلق من 18 أكتوبر وممتد إلى 26 أكتوبر 2024، وعرض ونوقش عقب عرضه ضمن فعاليات هذا المهرجان يوم السبت 21 أكتوبر 2024، في الساعة الرابعة زوالا، بقاعة العروض الكبرى بقصر الفنون والثقافة، تلك المعلمة التي تليق بالأبداع والمبدعين والمهرجان.
الخيط الرابط بين هاتين المرجعيتين، ثلاث نقط مرتبطة بمسألة التلقي، أولها التلقي من وجهات نظر مختلفة، ثانيها تلقي ووجهة نظر النقد والإعلام، ثالثا تلقي ووجهة نظر الجمهور بصفته المعني المباشر بأي اسهام ورسالة إبداعية، وهنا لزاما أن نشير أن المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعتبر سوقا فنيا للتواصل وتبادل الخبرات، وملتقى الأجيال المبدعة للتحاور والجدل الفني المثمر، وجامعة حرة للنقاش وتبادل الخبرات وتلاقحها وحتى تعارضها وجدلها وزعزعة الثابت منها لأن اكسير حياة الفن في جدله، ولعل تقييم الإبداع يبقى وجهة نظر قد نتفق حولها وحتما نختلف وربما قد نتآلف، وهنا يطرح السؤال الإشكالي، كيف وأين ومتى نقبض على السينما؟ ! وأين تتواجد السينما في الفيلم السينمائي؟ وكيف نعرف أو نتوصل أو نلامس أن هذا فليم سينمائي وآخر تلفزي، خارج التعريفات الأكاديمية والتقليدية.
عتبة التلقي، كحق للذات الإبداعية وللآخر في اختلافه:
لأربط القارئ بالموضوع، أحكي له حكاية فيلم “قصة وفاء” الذي أعتبره من وجهة نظر إعلامية أنه خلق الحدث بالجدل الذي حرك حوله وللإشارة فهذا الفيلم تم تحضيره خلال سنتين من العمل ومن الكتابة وإعادة الكتابة والتواصل بين المؤلفين ومعدا السيناريو والمخرج، بل إن الفيلم طرح للتصويب وتأكيد المعطيات على الخبراء في المجال السياسي واللغوي والقانوني وغيره، وقد أشار المخرج في لحظات مناقشة الفيلم بعد عرضه، أنه استشار هو بدوره مع ممثلين من بيئة وفضاء التصوير أثناء التصوير، وكل هذا إحتراما ووفاء للسينما. عبر كل هذا الزخم من الوفاء للسينما وبالسينما، أعد هذه الفيلم بالوفاء وفاء للقضية الوطنية الأولى للوطن “قضية الصحراء المغربية جدورا وثقافة وتواصلا ومستقبلا” فكرة الوفاء الوطنية هذه قادمة من تصور وطني كبير قاده المركز السينمائي المغربي عن طريق الوزارة الوصية، بطلب وترافع من المبدعين والممارسين السينمائيين وغيرهم، فخلق لهاذا الغرض صندوق دعم خاص ولجن عملية، من تم كان انخراط المبدعين في المسألة وعيا بالقضية التي ساهموا فيها برؤاهم وببحتهم وتنقيبهم كل من جانب تخصصه وكان الإبداع الدرامي والوثائقي لسينما عن الصحراء ومن الصحراء واعية بثقافة البيضان، وسيبقى هذا الإرث متواترا للخزانة السينمائية الوطنية ورسالة لأجيال الغد وللعالم، وكما صرح طاقم الوفاء مع قصة وفاء فقد شعروا بثقل المسؤولية وأنهم أمام رهان صعب إذ أنهم يريدون أن يقدموا إبداعا يترافع ولا يسقط في الشعبوية والكيتشية والأخطاء التاريخية والثقافية والفنية، وهذا الإشكال له تعدده الإرهاصي انطلاقا من العملية الإبداعية وصولا إلى الكاستينك المناسب والأداء الذي يستحضر ثقافة الفضاء بيئة ولغة وثقافة وأبعاد جيو سياسية وديبلوماسية، وهي ورطة الإنتاج ومواكبته للعمل قبلا وحينا وبعدا، أي من زمن السيناريو وصولا إلى الروبيراج (اختيار فضاءات وديكورات وفضاءات التصوير، المرتبط بالملابس وزمنياتها وأدوارها ولغتها وكذا الماكياج وغيره تم الأكسسوارت وباقي الوسائل والوسائط) وهي المهام التي قتادها باقتدار ومهنية المصور علي بنجلون، والصوت سفيان حركي، نزولا إلى بلاطوهات التصوير وبرمجته ومطالبه اليومية التي لها رهانات خاصة في بيئة الصحراء، لكون مناخ الصحراء جد متقلب وهو بذلك جد متطلب للتدخلات والإمكانيات، وصولا إلى المونطاج مع المونتور إلياس خماس، ومتطلبات التصوير هو الآخر تقنيا وفنيا ونستحضر هنا الموسيقى، التي أبدعها الفنان عبد الفتاح نكادي، إلى مرحلة إعداد الفيلم للعرض والتي تطلبت تقنيات وفنيات خاصة جدا، هذا وقد تلخص لنا كمتلقين متعددي الانتماء أن الوفاء كان التيمة العامة والخاصية الحابكة للتلقي، وقد اكتشفت ذلك من خلال جلسة النقاش للفيلم بعد عرضه مع طاقم الفيلم، حيث كان التجاوب الكبير الذي حصل مع الطاقم الفني والتقني والجمهور والنقاد والصحفيين بدء من الفرجة وصولا إلى جلسة التجاوب والسؤال ومعرفة خلفية الإبداع.
درس السينما والوطنية:
أعجبني شخصيا رأي أحد طلبة السينما، حينما فتحت معه نقاش حول فيلم “قصة وفاء”، فصرح لي، أنه اعتبر الفيلم درسا في السينما والوطنية، لكون الفيلم يتناول قضية الصحراء من خلال الأثر والجرح، المتمثل في قضية الاختطاف الذي مارسه البوليزاريو، على مواطنين عزل، إذ قبض السيناريو على خلفية سردية تتمثل في حدث اختطاف صاحب إعاقة وهي مخالفة دولية من جانبين الجانب الأول متمثل في قضية الاختطاف المخالفة لكل القوانين سيما وقد جاء هذا الاحتطاف في لحظة زفاف واحتفاء بالذات وتحولت الذات المحتفلة “العريس” إلى رهينة لا تعرف مصيرها ولا قضيتها قرابة 20 سنة والجانب الثاني أن هذا الاختطاف نال أحد دوي الاحتياجات الخاصة كرهينة حرب أو قل همجيته بل إن هذه جريمة تنتمي إلى جرائم المتاجرة في البشر واستعبادهم، إذ سنتعرف من خلال ذلك وعبر المعاق عن قصة الوفاء للوطن الذي يعتبر وفاء للذات وللآخر وللإنسانية، والرسالة الفيلمية السينمائية أن هذا الوفاء يواجهه عدم الوفاء للتاريخ وللحقوق وللإنسانية أساسا، اما درس السينما التي أشار إليه الطالب الشاب كخطاب للمجايلة الفنية، فيبدأ من الكاستينك الرائع لأجيال من الممثلين والتقنيين وكلهم قادمون من المسرح بدء من المخرج إلى كاتبي السيناريو محمد ظهرا وإسماعيل طه، إلى جانب ممثلين كبار في أدوار هامة، أطلق الشاب طالب السينما على هذه المسألة أن أهل الفيلم “قصة وفاء” أهدونا ألبوم ممثلين وكاستينك فعلي بالنسبة لنا كطلبة وللمخرجين الذين يبحثون عن كاراكتير معين، ومن الممكن أن نطلق على هذه العملية الاسهام في إعداد قاموس الممثل، واستدل الطالب برأي مخرج وأحد المشاركين بأفلام داخل المسابقة، خلال مناقشة الفيلم إذ صرح أن الفيلم مغامرة بممثلين معروف عنهم مرجعية الكوميديا وهما محمد ظهرا، البشير واكين، واحمد الشركي وحتى بنعيسى الجراري، وقد قدموا أداء مقنعا خلق القطيعة مع الكاراكتير السابق المعروف عنهم، وهو نجاح ملموس وينوه به، إلى جانب الأداء الكبير للكبير والقائد والقايد، محمد خيي، وأمين الناجي، وعمر العزوزي، وطارق الخالدي، وبوجمعة الجميعي، وهيام لمسيسي.
وهنا نقدم التحية لمحمد ظهرا ككاتب سيناريو ومثل ومنتج، وصاحب الدور المحوري، إذ استحضر رؤية وموقف المخرج علي الطاهري، الذي قال له أن رهان الفيلم بين يديك ممكن أن تنجحه وممكن أن تفشله، وبشهادة الحضور وعبر آلية تقييس نسبة التلقي وفعاليتها ورأيها فقد نجح الرهان، فلا نامت أعين الجبناء هنا وهناك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى