جهاتجهة الدارالبيضاء سطات

في الزمن ” الكورونيالي ” .. الشرفات تستعيد مكانتها

العربي رياض

مع الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا انتبه جميع ساكنة الحواضر إلى أهمية الشرفة ، ودورها الأساسي في الترويح عن النفس ، هذه الشرفات التي أعدمها البعض بفعل الضيق الذي تعرفه المنازل ، وأدمجها في صالون أو مطبخ أو غرفة ، فيما حولها البعض الآخر بفعل الضيق دائما إلى مجرد فضاء لوأد  الأثاث الإضافي الذي لا تحتمله جدران المنزل الداخلية ، أو مستقرا لآلة التصبين أو غيرها .. الآن وفي هذه الفترة  أصبح هذا الفضاء مهما خاصة أنه صلة الوصل الوحيدة مع الفضاءات الخارجية بالنسبة للسكان ، حيث أصبحت الشرفات تشهد حركية دؤوبة وزيارات غير متوقفة ، بعد أن أخليت منها المتراكمان من المؤثثات المنزلية

صلة وصلنا اليوم مع العالم الخارجي ، وهي تنفس عنا ضائقة الجدران تستنطق فينا سياسة ايضا مفهوم السكن وسياسة السكن التي انتهجت منذ سنوات ، فغالبية الشرفات المستحدثة في إطار السكن الجديد خاصة الاقتصادي منه ، لاتتجاوز في طولها مترين أو ثلاثة أمتار ، وصممت أصلا لتكون قمامة المتلاشيات ، فالبناؤون أو المنهشون العقاريون يعلمون  قبلا وهم يضعون التصاميم أن مستقبل الشرفات سيكون مصيره الإتلاف ، كيف لا وهم يرسمون مساكن من غرفتين بئيستين بحجم رسوم ” التلاوة ” ومطبخ يسع وقوف فرد واحد وحمام أصغر من طول جسدك ، فيما يخلو المنزل من مرتبات حائطية وأمكنة خاصة بالمتلاشيات وأخرى خاصة بالضيوف وغيرها ، معظم المغاربة لا يتحدثون في الموضوع وحتى المنظمات الحقوقية التي يستوجب أن تحرص على حق الناس في سكن لائق ، ليس جبنا منها او تقصيرا ولكن لقوة فوهة ” البراباغندا ” المرافقة للعمل البئيس الذي تقوم به المقاولات المختصة في هذا النوع من السكن ، والتي تريد أن تروج لنفسها أنها تقوم بعمل بطولي ، والحال أنها تخلف وراءها للدولة “غيتوات ” بمشاكل متشعبة لا يسمح المجال للتطرق إلى تفاصيلها ، لعل أبرزها التشوه العمراني للمدن وجعل المجال مشاعا لانتشار الإسمنت وخنق البيئة ، هذه المقاولات التي تستفيد من دعم ما أتى الله به من سلطان كاقتناء الأراضي بأثمنة لم تكن متاحة حتى في غابر العصور ، وبصمت غير مفهوم لمعظم الوكالات الحضرية والمجالس المنتخبة المحتضنة لهذه المشاريع ، ومن أجلها شرعت السلطات باب التراخيص الاستثنائية على      مصراعيه ،  فيما غابت المراقبة  لضمان سكن يليق ببني البشر   بما يتطلب ذلك من مرافق صحية وبيئية وثقافية ورياضية وغيرها ، إذ نجد أن معظم المنعشين يحرصون على بناء مساجد في هذه المشاريع ليس بفعل قوة الإيمان ولكن حتى لا يطلب منهم بناء مرافق لن تدر على ” بزاطيمهم ” أموالا إضافية ، فالمسجد يبنى بحوانيته ومحلاته التجارية التي إما تكترى أو تباع ، كذلك هو مرفق يبكم الأفواه فمن سيتجرأ ليرفض بناء مسجد وتعويضه بمركز استشفائي أو مركز ثقافي أو غيره ، الرافض سيسحل في إيمانه وسيتقاسم مع الشيطان كل لعنات الدين والدنيا ، وهذا دكاء من لدن بعض هؤلاء المنعشين ، الذين أوهمونا بتأثيث المنازل بشرفات والحال أنهم ، أسسوا لأنفسهم شرفات شاسعة للسباحة في عالم المال والدوفيز ، وبدون تأويل مرن ترجموا المقولة السائدة التي تعلن فينا بأن البيت قبر الحياة ، وسارعوا إلى قبر أجساد الناس في تكدسات بشرية وأطنان من الخرسانة أظلم من ظلمات المدافن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى