الدكتور رشيد الحضري، أستاذ جامعي تخصص اللسانيات باللغة الفرنسية، درس في معاهد ومؤسسات جامعية مغربية كبرى وانتمى منذ سنة 2001 إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدار البيضاء، مر الأستاذ رشيد الحضري من عدة مسؤوليات ومهام إلى أن تقلد مسؤولية نائب العميد في البحث العلمي وكان له الاسهام الكبير والوازن في ترسيخ مكانة البحث العلمي في هذه الكلية العريقة والحديثة في نفس الآن، حيث واكب الرجل من خلال مساره العلمي كل مراحل تطوير وتطور البحث العلمي في الجامعة المغربية، ويشهد له بذلك من طرف زملائه وطلبته كما يشهد له بالمهنية والجدية والتواصل والحضور الوازن، إلى أن تقلد بجدارة واستحقاق مسؤولية عميد كلية الآداب بنمسيك في ماي من سنة 2023؛ إذ ظهرت بشكل سريع وجلي معالم مشروعه البيداغوجي والعلمي والتربوي والثقافي والإداري، ومازال الأثر بارزا ومشرعا على الآتي وسيظل..
تدشين انطلاقة معالم المشروع البيداغوجي مع المهرجانين الدوليين
(المسرح الجامعي في دورته 35، وفن الفيديو في دورته 29 وسنته الثلاثين)
دشن السيد العميد رشيد الحضري، ظهوره الرسمي كعميد لكلية الآداب بنمسيك بمناسبة الدورة 35 من المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، في الفترة الممتدة من 24 إلى 29 يوليوز 2023، هذا المهرجان الذي عرف خلال دورته الأخيرة تقديم المهرجان وبرنامجه النوعي في الشكل والمضمون وضمنه تقديم العميد الجديد لكلية الآدب بنمسيك للصحافة والعموم، حيث دشن السيد العميد انطلاقته بمهنية عالية في تدبير وتسيير المهرجان من الطالب وإلى الطالب منفتحا على المتلقي والتجارب الإبداعية والفنية المحلية والوطنية والدولية، ومباشرة وبعد أربعة أشهر جاءت الدورة 29 التي احتفت بمرور 30 سنة على انطلاق المهرجان الدولي لفن الفيديو للدار البيضاء، من 7 إلى 11 نونبر 2023، وكانت دورة متميزة وناجحة بامتياز بفضل مهنية الرجل وانفتاحه على الجميع.
خلال الدورتين الأخيرتين من المهرجانين الدوليين الأول للمسرح والثاني لفن الفيديو، ظهرت معالم رغبة تطوير واستثمار مكاسب هذين المهرجانين الدوليين باعتبارهما حدثين متميزين وفرصة تواصل وفرجة لكل طلبة الكلية والأستاذة والموظفين والعموم، وفعلا كان الاحتفاء واضحا على عدة مستويات وكانت عناوين التغيير والتطوير بادية، وعمت الروح الإيجابية في أجواء الكلية من خلال التعبئة العامة والجماعية في اللقاءات الدورية والتواصلية التي أقامها السيد العميد المرحوم مع كل الأطراف ومع الشعب والموظفين ومع باقي مجالس الكلية الجديدة والمتجددة، منذ أن أعلن بأن السيد رشيد الحضري هو العميد الجديد لكلية الآداب بنمسيك حيث ما فتئ الرجل يصرح في لقاءاته واجتماعاته مع مكونات الكلية بأن الكرسي إلى الزوال، وكأن الرجل يعلم سلفا أنه جالس اليوم ومغادر غدا، من تم لم يرتبط بالكرسي ولم يغيره سحره وسلطته، وكأنه رحمه الله كان يقدم وصاياه وتوجيهاته التي تدعوا بالضرورة بأن تعتبرها كلية الآدب بنمسيك وصية بيداغوجية الدائمة..
من الاحتفاء بالشخص والمشروع إلى رثاء الشخص والتشبث بالمشروع
جاءت فاجعة الفقْدِ القاسي، وتوفي السيد العميد في إحدى مصحات الدار البيضاء، إثر إجراء عملية جراحية أقيمت على مستوى القلب، ذلك القلب الذي كان يسعنا جميعا والذي سكت على المشروع المباح في صباح يوم الثلاثاء 26 دجنبر 2023 وفي فبراير 2024، كان التأبين الذي حضرته مكونات جامعية وأطر من جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء بالإضافة إلى أستاذة وطلبة كلية الآداب بنمسيك وغيرها وضمنهم أسرة الفقيد زوجته وأخوته وأخواته وأقاربه، وكان الاجماع في الشهادات وفي الحديث الدائر في فضاء الرثاء على خصال الرجل التي وصفته بالجدية والرزانة والعلمية وجاء تشخيص شامل جامع في المصاب الجلل عبر مرثية أعدها زميل الراحل والأستاذ بكلية الآدب بنمسيك السيد قاسم مرغاطا، وهي كالتالي: كيف لنا أن نرثيَ الراحلَ العزيزَ الكبيرَ، الأستاذ العميد، رشيد الحضري؛ كثيرةُ هي المحطاتُ والمساراتُ الإنسانيَّةُ والمهنيَّةُ التي اقتفيْتَ واكتشفْتَ وعشْتَ. فما الذي أبقتْ لكَ ولنا الأيامُ بعدَ أن نحيا ونعبُرَ في محطاتٍ ومساراتٍ متباينةٍ ومتفاوتةٍ؟
ما قد يبقى يا راحلَنا العزيزَ، ربما، هو ذلك الأثرُ الصغيرُ والخفيفُ في مساحاتنا الإنسانيَّةِ المهملةِ والمتروكةِ إلى حينٍ… مساحات المحبة والسلام والسعيِ إلى الجميلِ والظَّليلِ والنورانيِّ في إنسانيَّةِ الإنسانِ، قد نسعى، جميعاً، وراءَ أحلامٍ صغيرةٍ أو كبيرةٍ، ممكنةٍ أو مستحيلةٍ، وينتهي بنا المسارُ إلى الرحيلِ والاختفاءِ…ما أجملَ الرحيلَ الصّامتَ بدونِ ضوضاء… ما أجملَ العبورَ في المحبةِ والأخوَّةِ والسَّلامِ…ما أطيبَ الغيابَ حين يتركُ المرءُ أثراً إنسانيّاً خالصاً بلا حروبٍ أو رعودٍ أو عويلٍ… ما أحلى الموتَ حين يأتي بلا طولِ انتظارٍ، وبلا مواعيد…رحلتَ يا رشيد خفيفاً وبلا ثقلِ وجودٍ أو وعودٍ أو جحودٍ، وكنت تحملُ وحدكَ ألمكَ ومرضكَ في صمتٍ وشموخٍ..رحلت بعدَ أن جالستَ زملاءَكَ، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، الدار البيضاء، عميداً، وانخرطتَ في تجربةِ السعيِ إلى صياغةِ مشروعٍ جديدٍ للمؤسسةِ؛ مشروع التعدد والاختلاف في الوحدة والتكامل والاعتراف.
يكفينا، اليوم، ذلكَ الصوتُ الساعي والواعدُ، لنسيرَ على خطى الاعترافِ والامتنانِ لكَ ولكلِّ السّاعينَ إلى بناء مؤسساتٍ علميةٍ جامعيةٍ عموميَّةٍ جادةٍ ومسؤولةٍ وشفيفةٍ…نمْ يا فقيدنا قريرَ العينِ، باسمَ الملامحِ، خفيفَ العبورِ، والكلُّ يستحضرُ، بوفاءٍ وإخلاصٍ، أثرَكَ الإنسانيَّ الهادئَ والوديعَ…
لو كان لنا أن نستعيدَ صورتَكَ ولغتَكَ ووجودَكَ، يا رشيد، لما تردَّدنا في حبِّكَ ومودَّتِكَ…كنتَ عزيزاً وكبيراً، وستظلُّ، كذلك، عزيزاً وكبيراً في أعينِ ووجدانِ أحبَّتِكَ وأصدقائِكَ وزملائِكَ…كنتَ شغوفاً بالحياةِ وبالسَّعِي إلى تحقيقِ بعضِ معانيها، وربما، بعد أن حققتَ جزءاً من هذا المعنى رحلتَ واكتفيْتَ…لروحِكَ الجميلةِ، يا رشيد، السلامُ والمحبَّةُ والخلودُ…