الحركة الغيوانية

حكايات من بحر الغيوان : القضية الفلسطينية والعربية في أغاني المجموعات

العربي رياض

لابد هنا أن أذكر حكاية وقعت لي رفقة الصديق الزميل الطيب اهنودة داخل الأراضي الفلسطينية في بحر سنة 2000، في إطار عمل صحفي ، بعد زيارة قام بها الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، عندما كان وزيراً أول، للزعيم الراحل ياسر عرفات، لمشاركة الشعب الفلسطيني في أعياد الميلاد.
كنا في «بيت حانون» وأردنا التوجه إلى بيت المقدس، استقلينا حافلة صغيرة، حين أخذنا مواضعنا وانطلقت الحافلة، وضع السائق شريط أغان ، كانت المفاجأة كبيرة، ونحن نسمع صوت العربي باطما يصدح من الشريط بموال «»يا صاح««:
«يا صاح راني وسط الحملة
ورخيت الشملة وما فاتت الحملة
وإلى تفاجى الضباب
الضاير بنا يا اهلي
وصلاح الوقت…
وسار علامنا واقف على دربنا يا اهلي
يوم نصبغوا دارنا بـ لبيض»
التفت نحو اهنودة، في اندهاش، معبراً له عن »انتصاري« عليه، ذلك أنني واهنودة خلال سفرياتنا داخل أرض الوطن، كنا نتسابق في السيارة على وضع الأشرطة، أنا كنت أضع أشرطة »العيطة« و »الغيوان« و »لمشاهب« و »جيلالة«، وهو كان دائم العشق للفنانة الكبيرة فيروز.
قلت لهنودة، »»تابعينك حتى هنا.. وحتى هنا غلبتك««. وجه اهنودة كلامه إلى سائق الحافلة، بعد أن اقترب منه سائلاً إياه: »ما علاقتك بهذه المجموعة؟«، فأجاب السائق: »هؤلاء هم من يغنون من أجل فلسطين حقاً«، وهناك مجموعات فنية أخرى في المغرب تحمل هم قضيتنا. لم يكن السائق يعلم في الأول أننا مغاربة، عند علمه بذلك، جرنا الحديث عن المغرب وأهل المغرب وأحزابه الوطنية المساندة للقضية الفلسطينية، وذكر المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد والفقيه البصري واليوسفي والجابري..، قبل أن يعرج على دور الملك الراحل الحسن الثاني في ما يخص أمن فلسطين والمكاسب التي حققتها إذاك. عند وصولنا إلى القدس، رفض الرجل أن يأخذ منا واجب التنقل، واكتفى بالقول: »سلموا لي على أهل المغرب«.
تحدثنا أنا واهنودة عن »الغيوان« والقصائد التي تتطرق لموضوع فلسطين والقضايا العربية، وانطلقنا إلى بيت المقدس. حكاية أخرى وقعت لنا، هذه المرة في غزة، عندما دخلنا إلى متجر لاقتناء بعض التذكارات، علم صاحب المتجر أننا من المغرب وكان اسمه »لُؤي«، رحب بنا كثيراً، وجلس يحكي لنا عن المغرب وعن ذكرياته في بلدنا، ليصل إلى قصة طريفة جداً. حكى لنا »لؤي« أنه كان طالباً في المغرب، وفي إحدى المرات، اتجه إلى سوق »الدجايجية« بالدار البيضاء، وبعد أن انتهى من تجواله به، خرج ليجد نفسه وجهاً لوجه أمام لصين أرادا سلبه ما بحوزته من نقود، هدداه بسكين، فأخرج ما بحيبه قبل أن يشعرهما، أنه «أخوهم» من فلسطين، وهنا كانت المفاجأة. فبمجرد ما سمع اللصان أنه من فلسطين، توقفا وعانقاه وطلبا منه الصفح ودعياه إلى «فنجان قهوة»، وقالا له: »أنتم في فلسطين في أمس الحاجة للمساعدة منا. لذا نعتذر لك وللفلسطينيين«، وأخبراه أن يتصل بهما إن كان في حاجة إلى أي شيء.
ذكرت الحكايتين لأبرز عمق القضية الفلسطينية في قلوب المغاربة، ونظرة الفلسطينيين للمغاربة في ما يهم قضيتهم.
كذلك كانت القضية في صلب أغاني »ناس الغيوان« و »جيل جيلالة« و »لمشاهب«، حيث أتحفت هذه المجموعات الساحة الفنية بعشرات الأغاني في هذا الباب، هنا أيضاً لابد أن أعود لتوطئة مهمة جداً.
كان يحز في نفسي، وأنا ابن الشبيبة الاتحادية ومتتبع للمشهد السياسي المغربي من خلال ذلك الموقع، أن منظماتنا غير الحكومية في هذا الأمر، تعاملت بإجحاف مع مجموعاتنا الغنائية. إذ في معظم التظاهرات الخاصة بقضية فلسطين كان التعاطي أكثر مع أغاني مارسيل خليفة، وبعض المجموعات اللبنانية، ولم يكن الاهتمام الكافي بما قدمته مجموعاتنا الغنائية، وظهر مارسيل خليفة وكأنه موضة جديدة، عند اليساريين، إذ كان هناك من ينظر بعين الريبة إلى المجموعات الغنائية المغربية عند بروزها، فهناك من كتب «»احذروا ناس الغيوان««، ليس لشيء إلا لأنهم غنوا أغنية »»يا بني الانسان»«، وهي أغنية تدعو للتآخي ونبذ التناحر، إذ هناك من أعطاها تأويلا آخر واعتبرها تدعو للتطبيع؟!
ولكي لا أكون مجحفاً، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومن خلال شبيبته، احتضن هذه المجموعات، ولعل من جايلوا عبد الهادي خيرات على رأس الشبيبة الاتحادية، يذكرون أنه أخذ برفقته إلى موسكو أعضاء من مجموعة لمشاهب، سي محمد باطما ومحمد سوسدي، خلال إحدى التظاهرات هناك التي شارك فيها عدد من الفنانين المعروفين من بينهم الشيخ إمام، وكان محمد السوسدي قد حاز على جائزة أحسن صوت غنائي في هذه التظاهرة.
أيضاً محمد الساسي، لما كان على رأس الشبيبة الاتحادية، انفتح بشكل كبير على »جيل جيلالة« و »لمشاهب« و »الغيوان« وأحمد السنوسي «بزيز».بالإضافة إلى المنظمات السياسية، كانت جمعية الشعلة كجمعية مهتمة بالشباب والطفولة، منفتحة هي الأخرى بشكل كبير على مجموعاتنا الغنائية.
أذكر أيضاً أن هناك سجالات كثيرة وقعت أثناء نقاشات الشباب حول من الأولى بالتعامل: هل مارسيل وغيره من الفنانين العرب أو »ناس الغيوان« و »جيلالة« و »لمشاهب«؟ رغم أننا كنا نعتبر مارسيل خليفة ليس بالغريب عنا، لكن كان هناك اتجاه يقول بضرورة إبراز الأغنية المغربية المحاربة من طرف الجهات الرسمية. كنت شخصياً مع هذا الاتجاه وكذلك كان مئات الشباب.
خلال تدويني للسيرة الذاتية للمرحوم الفنان عبد الرحمان باكو، اكتشفت في الرجل شيئاً غريباً أدهشني حقيقة. فالكل يعلم أن هذا »»الكناوي« «القادم من الصويرة، كانت له علاقة كبيرة بالفنان العالمي »جيمي هاندريكس«، وكان يشتغل ضمن الفرقة المسرحية العالمية »»ليفينغ تياتر»«. ورغم إطلالته العالمية وهو حديث السن، لم يكن متأثراً بأي شيء. فهو يحكي عن جيمي هاندريكس، وكأنه يتحدث عن أي شخص عاد جداً، وهنا يجب أن يعلم القارىء أن العلاقة الفنية بينهما، كانت تتلخص في حضور جيمي للحضرة التي يقيمها عبد الرحمان باكو، ويعزف إلى جواره بكل ما وجد بين يديه. سألناه عن صورة تجمعه مع مارسيل خليفة في باريس، ولم يتذكر موضوعها إلا في اليوم الموالي، حيث قال هكذا: »هذا الرجل التقينا به في فرنسا في إحدى التظاهرات، وأخبرني العربي باطما أنه يريد أن نقوم سوياً بعمل مشترك. وسألت باطما عن مضمون الأعمال الغنائية لهذا الفنان، فقال لي:عن فلسطين والقضية العربية. فأجبته نحن لنا أيضاً أعمالنا في هذا الباب، ونحن نغني بدارجتنا وهو له دارجته فلا داعي لعمل مشترك«.
هكذا كان هذا الرجل يفهم الأمور، إذ بالنسبة له أن أحسن مغن في العالم و»الكرة الأرضية» هو محمد الحياني، وإذا ما اتغمس الحياني في الفن الكناوي، سيكون أروع مما هو عليه. باختصار، هذا هو مزاج لمعلم الكناوي عبد الرحمان باكو .
من بين الأغاني التي انشغلت من خلالها مجموعة »الغيوان« بالقضية الفلسطينية والقضية العربية ككل، أغنية »»سبحان الله« «،وهي أغنية تراثية لشاعر قديم اسمه «المؤقت « غنت له أيضا مجموعة »جيل جيلالة.« تقول هذه الأغنية:
«سبحان الله صيفنا ولا شتوا
ورجع فصل الربيع
فالبلدان خريف
مضات أيامنا وسرقتنا سهوا
وتخلطت لديان
شلا ليك نصيف
قلت آعجبي حار بين الدين الرخوا
ولى الإيمان عندنا
ف العرب ضعيف
صهيون ف غاية لعلو
دركو سطوا
وقبلنا دلهم وعاد الشرق كفيف
جور الحكام زادنا تعب وقسوا
لا راحة ولعباد
فـ النكد والتعسيف
ولا تلقى عديل تايقبل شكوى
يبلغ ما يخون ما يرضى تكليف
والحاكم تايصول تايقبض الرشوة
والشاهد كايدير فـ الشهادة تحريف
فهم المعنى وعيق
واستفد وروي
هذا سر لكنان
ما راموا تصحيف»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى