أعمدة ضاد24

بيداغوجية المشروع كيف يمكن جعل المتعلم في قلب عملية التعليم؟

رضوان قصور: دكتوراه في ديداكتيك الرياضيات


تجعل “بيداغوجية المشروع” المتعلم في قلب عملية التعليم بحيث يسمح له بتجربة التعلم بشكل كامل من خلال التفاعل مع محيطه، وتجعله يبني معرفته الخاصة، من خلال منهجيات فردية وجماعية داخل فريق، ليتمكن من المعرفة، والحصول عليها وامتلاكها، وهنا تكمن أهمية إشراك المتعلم في العملية التعلمية، يقول فراكلان Fraklin ” أنسى ما تقوله لي، وأتذكر ما تعلمه لي، وأتعلم حين تشركني – في عملية التعليم-“

وتمكن هذه البيداغوجية مجموعة من الأشخاص في وضعية إبداء الآراء، وطرح أسئلة، وحاجيات، ونواقص، وطموحات من أجل البحث عن وسائل للإجابة عنها، وكذا التخطيط الجماعي لتنفيذ المشروع ومعايشته.
إنها عملية لاكتساب المعارف، والمنهجية، والمشاركة العملية. كما هي التخلي عن الخطانية، والتقدم الديداكتيكي الفرداني. والانتقال من منطق التعليم إلى منطق التعلم. وأيضا من أجل تغيير دور المعلمين والمتعلمين.
المتعلم يطور قدراته

تطرق “فرانت”، و”ديوي”، و”ديكرولي” عن الأسس البيداغوجية للمدرسة الحديثة والتي تضع المتعلم في قلب العملية التعلمية التعليمية، تجعله مسؤولا عن تكوينه من خلال مشاركته وإقحامه. يقول ديكرولي “إن المعرفة تكون مدمجة تماما إذا تم اكتشافها من طرف المتعلم وعبر عنها”

يسمى مبدأ البيداغوجية النشيطة التي تجعل المتعلم مشاركا فعالا في بناء المعرفة، وتطوير قدراته، بالبنائية، كما أن بيداغوجية المشروع تجعل المتعلم يرتب أهداف المشروع التي تكون لها أهمية وأولوية قصوى مثل: تعلم –حل مسائل – أخذ قرارات – تخيل – تعاون – تناظر – توقع – تواصل …

أما مهمة المعلم فهي مساعدة المتعلم في تكوينه الشخصي لمجهوده الخاص. وبالتالي ضرورة معرفة حاجياته وانتظاراته واتجاهاته، والأشكال المختلفة لسلوكاته، كما يجب معرفة فكره وطبيعة عقله، ومن من هنا يأتي دور السيكولوجيا. وأيضا يجب معرفة المجتمع والمجموعات التي ينتمي إليها: أسرة، مدرسة، قسم… وهنا يأتي دور السوسيولوجيا. كما ينبغي مساعدة المتعلم من أجل التغلب على العوائق والحواجز التي تعترض وضعيات التعلم من خلال المشروع. وهذا الأخير لا ينبغي أن يكون غاية لذاته، ولكن من أجل بناء مشروع شخصي للمتعلم المستقبلي. من أجل التعلم ينبغي لكل متعلم حشد كل الوضعيات التي يعيشها ويتردد فيها، ويرتكب بها أخطاء، ويطلب المساعدة

المعلم المبدع

يجب عليه إدارة المركب والشك. كما يأخذ بالحاجيات الحقيقية، ومصالح المتعلمين. وأيضا التصرف كوسيط وليس كمالك للمعرفة. وتقويم العمل، والمنهجية، وليس المنتوج (المشروع). وتعليم المتعلم أن يتوقع، وأن يختار. وانتقال من وضعية التعليم إلى وضعية التعلم

وتروم المشاركة النشيطة للتعلمات المكتسبة في الدرس والجمع بين المعرفة والمعرفة العملية في عقلية مبدعة وتجريبية، تطوير جودة التحليل والتركيب الضروريين عند عرض بناء ومناقشة المشروع.
تطوير العمل داخل مجموعة متفاعلة ومتعاونة

مشروع المعلم والمتعلم

يضع المعلم مشروعا انطلاقا من تصنيف الأهداف والمعارف والمعارف العملية التي من المفروض للمتعلمين اكتسابها في فترة زمنية معينة. الإعداد والتخطيط الجيد من شأنه الوصول إلى الأهداف المتوخاة وأيضا التقويم والتقدير لدرجة التمكن من المعارف والمعارف العملية وامتلاكها وبالتالي الحوار، والتكوين، باعتماد التعاقد داخل المشروع للمتعلم بالنسبة إلى المعلم، المشروع هو أفضل وسيلة لتدبير العمل التربوي، ويجعل التعلم ملموسا في خطوات التنفيذ المتبعة للأنشطة المصاحبة للمشروع، كما ينبغي قيادة المشروع بحيطة وحذر عند تحديد الأهداف الواضحة، توقيت محسوب، درجة وتقدير القيادة المناسبة أثناء العمل

عند تحقيق وإنجاز المشروع لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الإيقاعات ومراحل الإنجاز بسرعة أو ببطء، فهي مسؤولية المعلم، وهذا الأخير عليه أن يجعل التوازن بين الممارسة المنطقية، واكتساب المنهجية، والتكوين الثقافي.
أما مشروع المتعلم فيراد به إنتاج شخص جديد يجيب على حاجيات محددة بإدماج المعارف، ويجعل المتعلم مستثمرا لهذه التعلمات والمعارف العملية والمكتسبات أثناء تكوينه

وعلى مستوى المنهجية، يفترض “مشروع المتعلم” أن يأخذ بالاعتبار ما هو عليه في الوقت الراهن حيث يطرح السؤال حول مشروعه الشخصي، وماذا يريد أن يصبح عليه مستقبلا آجلا أم عاجلا، والإمكانيات المتاحة لمختلف البنيات التربوية أو الوظيفية. كما على المتعلم أن يوفق ويوحد معارف التخصصات، وينقل تجاربه المتعددة ويوجه برغبة ذاتية وشخصية. إضافة إلى إعداد وإنجاز مشروع على المدى القصير يهيئ الإنجاز لمشروع واسع الأفق، وهذا ما عبر عنه بطريقة أخرى جوزيف نيتان “الفعل الماضي لا يزال كذلك حاضرا في الفعل الحاضر بفضل ظاهرة التعلم”

وداخل إطار المشروع، على المتعلم أن يمر من المتلقي السلبي المعتمد على محيطه إلى الفاعل المبدع لحياته الشخصية، المعلمون والأسرة والمؤسسة تصبح عناصر وساطة إجماعيه ضرورية للتحول من دينامية لأخرى.
مساعدة المتعلم

كيف يمكننا أن نوجه المتعلمين من أجل طرح أسئلة نابعة منهم وليست تلك التي تشير إلى إجابات متفق عليها مسبقا مع المعلمين؟ ما هي المنهجية الفعالة التي من أجلها يتم تطوير اكتساب المعارف وتضمن استمراريتها؟
لأجل إنجاح هذا المشروع، على المعلم معرفة المتعلمين وضبط العلاقة البيداغوجية أي معرفة تمثلاتهم وقدراتهم وسلوكاتهم وأيضا التعرف وتحديد مكتسباتهم القبلية وتقديرها، مما من شأنه تسهيل اختيار المشروع. ثم وضع المتعلم مصحوبا بمعارفه الأولية وتمثلاته أمام مواجهة وضعيات التعلم وضعية-مسألة، يجعل منه مكتسبا لمعارف جديدة

إن بيداغوجية المشروع تجعل المتعلم ينتقل من الوضعية التي تعتبر التلميذ كأسا فارغة يجب ملؤها (تعليم يجعل الأستاذ ممتلكا للمعرفة وينقلها للتلميذ)، إلى وضعية المعلم الذي يطور مجال الحوار المشترك مع المتعلمين من أجل ضمان نشاط فعال وأمثل مع المتعلمين. هذه الصلة يجب أن تحفز المتعلم، الذي يربط بإدراكه للعمل المنوط به وشخصيته. فالمتعلم المتحفز يبدع صورة إيجابية لمحيطه، وبالتالي مشاركته لاختيار الموضوع في إطار منهجية المشروع

كل ذلك يمر عبر مرحلة “التقويم”، فالتعلم الجماعي التعاوني هو وسيلة لمساعدة المتعلم على التعلم، لهذا يجب أن يكون التقويم على تقدم عمل المجموعة، وتطوير المهارات والكفايات، على حساب إتقان المعارف. لهذا يجب إنشاء شبكات الملاحظة، لوائح المهارات والأنشطة وكل وسيلة من شأنها المساعدة على تقويم الأهداف المنتظرة. كما ينبغي أن يكون التقويم مساعدا للمتعلمين، وينبغي أن يشجع على تسوية وتعديل المواقف، استراتيجيات العمل واختيارات لكفايات جديدة من أجل تطويلها. الإمكانيات المختلفة تتمثل للمعلم من أجل تقويم وظائف مجموعة العمل والفرد

الملاحظة التي يمكنها أن تحقق بشبكات الملاحظة والتي يمكننا وضع علامة عن طريق المتعلم (عدد المهارات التي تم تحقيقها…). والتقويم الذاتي الذي يمكن أن يكون إما “كتابيا” أو “شفاهيا” ينبغي أن يكون عن طريق جدول مزدوج المدخل”

المتعلمون يملؤون الجدول لكل فرد على حدة، بإعطائهم مثالا تطبيقيا ملموسا للمهارة، بالنسبة إلى التعلم وأعضاء الفريق لكل واحد منهم، وبعد ذلك عناصر الفريق يجتمعون لتبادل وتدوين ما سجله كل واحد بالنسبة إلى الآخرين. قبل وضع هذا النشاط، المتعلمون يجب أن يكونوا على علم بالمهارات المطلوب رصدها وملاحظتها في بداية العمل الجماعي

فوائد منتظرة

إن بيداغوجية المشروع لا تجزئ المعرفة، لأن المعرفة مرتبطة بوضعية-مسألة، بينما يكتشف المتعلم الغايات من المحتوى ويوظفها في أنشطة تناسق المحتوى لمختلف المواد الدراسية، التعلم في حياة اجتماعية تضمن امتلاك المعرفة حقيقة

مع ذلك يجب إثارة الانتباه إلى أن العمل يجب أن يكون على المتعة وليس المحتوى. لذلك يجب أن ينخرط المعلم أكثر من المتعلمين في إنجاز المشروع، المشروع يصبح للمعلم وليس للمتعلمين

تبقى الإشارة أيضا إلى أنه من الواجب الانتباه إلى أنه أثناء تنفيذ المشروع يمكن أن تقع انحرافات أساسية من بينها جعل المشروع غاية لذاته (انحراف المنتوج)، فالمشروع ليس غاية لذاته، هو التفاف من أجل وضع المتعلمين أمام حواجز ووضعيات تعليمية. كما قد يقع التخطيط بإفراط (انحراف تقني). أو أن يحتكر المعلم دور قائد المشروع كي لا يصبح المتعلم منفذا لتعليمات صارمة، أو تنفيذ المشروع دون أهداف واضحة يتفق عليها مسبقا بذريعة المبادرة والحرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى