#أخبارفن وثقافة

المهرجان الدولي للسينما المستقلة للدارالبيضاء بالمغرب الفكرة والمرحلة والأبعاد

بقلم: أحمد طنيش

  • استهلال لا بد منه:

لمعرفة السينما المستقلة، أنت لست معني بأن تعرف السينما الغير مستقلة، في ظل هذا الإشكال وفق المجال العلمي أوالمسألة وفق المجال الرياضي أو التيمة وفق باقي مناهج العلوم والآداب أو الحبكة وفق النهج الدرامي، أو وفق كل هذا وزيادة، دعانا المهرجان الدولي للسينما المستقلة للدار البيضاءFICIC لمتابعة فعاليات الدورة الثانية من 2 إلى 7 يونيو 2023، بالدار البيضاء، بأفلامه الطويلة وعددها 12 والقصيرة وعددها16  والتي خصصت لها لجنة تقييم مختصة وفاعلة ونوعية ودولية، وضمن البرمجة تم تنظيم ندوة محورية حول التجربة المزدوجة للأخوين الدرقاوي، ودرس سينمائي مع المخرج مانويل سانشيز، وماستر كلاس مع رئيس لجنة تحكيم الفيلم الطويل المنتجAlain Depardieu ، ومختبر تكويني بشراكة مع “صحرلاب” تحت إشراف المخرج المغربي حكيم بلعباس وذلك لمساعدة المخرجين الشباب لصناعة فيلمهم من الفكرة إلى العرض، وليلة التواصل الشعري مع الشاعر السعودي أحمد الملا..

خلال أسبوع من السينما المستقلة اكتشفنا ماهية السينما المستقلة، التي لا تشبه إلا ذاتها ولا تريد أن تتشبه إلا بالسينما، ولعل الأسئلة المركزية لهذه السينما تدعونا أن نكون ضيوف فرجة وتتبع وفعل سينمائي مستقل للتعرف على أنفسنا كجمهور مستقل لنا حرية الفرجة والنقاش والتنقل بين فضاءات المهرجان المتعددة بمراكز مدينة الدار البيضاء، المركز الثقافي الأمريكي والمركز الفرنسي تم المركب الثقافي محمد زفزاف وضمنه فضاءات مستقلة أخرى مقاهي وساحات عامة وبهو الفضاءات، التي احتوتنا شغفا وتواصلا.. فعلا ما أحوجنا إلى الأفكار والأحداث المستقلة، مع العلم أن مسألة الاستقلالية تبقى نسبية فإن كنت مستقلا عن هذا الاتجاه أو التوجه أو الرؤية فأنت حتما تنتمي لاتجاه آخر له هو الآخر مستقلوه أو المستقلون به ومعه ومن أجله، وهنا يبزغ السؤال الإشكالي ما هي الاستقلالية الجمعية أو قل الاستقلالية الحقيقية أو النموذج أو الاستقلالية داخل الاستقلالية وقد تكون خارجها؟ا فحينما أكون مستقلا بالضرورة أن يكون الآخر مستقلا، والآخر حينما يواجه استقلاليتي لايهمل استقلاليته، وبذلك نصبح جميعا منتمين بالضرورة والحرية والإبداع إلى جماعة المستقلين..

  • العتبة الأولى لولوج عالم المستقلين سينمائيا:

كانت العتبة الأولى للدخول إلى عالم السينما المستقلة، ملصق مختلف في الرؤية والتصور ومستقل بدوره عن باقي الملصقات المعتادة والنمطية من إبداع الأستاذ خالد بن الضو، الذي استقبل أفق انتظارنا وتطلعنا بملصق يحتوي على شجرة يجلس فوقهاStalker  الشخصية المؤنسنة التي تطارد الجمال والإبداع والفن التي تمثلنا جميعا في التلقي واللقاء وتمثل حتى الجهة المنظمة، وبفضاء الملصق هناك أدرج متعددة ممكن أن نقرأ بها المراحل المتحولة للسينما عبر الأزمنة وتتوزع على تلك الأدرج “اسطلاكيون” قادمون متنقلون ممكناعتبارهم أتباعStalker لهم وجهات واتجاهات متعددة لعلهم الجمهور أوالمبدعون والسينمائيون الآتون إلى المهرجان من كل صوب وحدب، ومن أعينStalker تبعث إضاءة البث السينمائي تلك الغاية من هذا الحبور والحضور القادم إلى السينما، هذا البث الذي يستحضر التلقي السينمائي حيث ننظر إلى الأعلى والبث يأتي من الأعلى ويعتبر هذا النظر إلى الأعلى نظرا صوفيا وروحانيا يحملنا من تلقي أفقي أو عمودي إلى تلقي ينظر إلى الأفق ويستقبل صوره من الأفق نحو أثر يسموا بنا إلى الأفق، من هنا نعتبر حضور الشجرة رمزا وجوديا، كون الشجرة حاضرة في كل الحضارات والديانات وحتى في الأسطورة والأثنولوجيا، فالشجرة توالد وحياة كاملة، تكون بدرة ومنها يخرج الجذع ولها جذور بمكان لامنتاهي تابث في الأرض مستقل متوسع، وعندما تتقدم الشجرة في النمو يعطي الجذع فروعا مستقلة، ومنها تخرج الأغصان، ومن هذه الأغصان تظهر أوراق مورقة مستقلة تعطي أزهارا مستقلة، لكي تصبح ثمارا ومن ليس لها ثمارا تنتج بذورا، ويستمر التوالد والانتاج مع جميع أنواع الأشجار. للشجرة عدة أدوار في المثن الشعبي وعند الكثير من الشعوب والثقافات وللشجرة علاقات وتعالقات بكل الكائنات كما للشجرة ارتباط بمكونات الحياة بالماء والنور والنار والهواء والأرض والسماء، وللشجرة علاقة جدلية مع الطبيعة والثقافة والموطن منها تصنع معظم الأدوات ومنها الورق والبرديات وكل سيرة التدوين، فهناك الشجرة الطيبة وشجرة الجنة التي تنتج اللذة والذوق وما دونهما وقد تنتج الخطيئة، لذا فحضور الشجرة في السينما المستقلة ليس أمرا اعتباطيا أو تأثيثا عابرا بل خاصية لها أبعاد الولادة والتوالد والحياة والاستمرارية تم الشمولية في الرؤية.

  • العتبة الثانية المعلنة عن ختام دورة واستقبال أخرى:

يدشن المبدع خالد بن الضو بسبق تاريخي وإبداعي في تاريخ الملصقات فكرة تنبني على تخصيص ملصق للافتتاح وآخر للاختتام، وملصقات وسطى لباقي فعاليات المهرجان، ونركز هنا على ملصق الافتتاح والاختتام، والتي لهما معا وحدة الموضوع وحركية التفاعل بين البداية والختام، وكأنهما فيلم قصير بدلالات كبرى ويبقى التأويل مشرعا لكل عين ولكل متلق ولكل متواصل، تعرفنا على ملصق الدورة الثانية من المهرجان الدولي للسينما المستقلة للدار البيضاء قبل الافتتاح وفي زمن الافتتاح ورافقنا خلال أيام المهرجان وتواصلنا معStalker  الجالس فوق الشجرة كما تواصلنا بصريا مع المتحلقون بفضاء الملصق وكأننا نفرٌ منهم، لكن المفاجئة كانت صبيحة يوم الاختتام، نزالStalker  أخيرا من فوق الشجرة سيما وقد قبع فوقها طيلة الأسبوع كما انفض الجمع المتحلق حول فضاء الملصق وكأنهم أخذوا كفايتهم، وانطلقStalker يمشي وحده وظله يرافقه رصدا للزمن، نزل Stalker الذي قد نعتبره المنظم أو المتفرج أو الفاعل السينمائي أو قل ممثل الجهة الصانعة لفرجة السينما المستقلة أو قل هو السينما المستقلة شخصيا، ليأخذ طريقه عبر تلك الأدرج التي غطاها الثلج، يمضي الرجل لوحده وورائه ظله وأثره ورؤيته تتطلع لمكان وأفق آخرين يمكن أن تكون شجرة أخرى لدورة أخرى ثالثة تعدنا بمقترحاتها الإبداعية لسينما مستقلة بنا ومعنا ومن أجلنا، وقد أعلن هنها أنها ستكون في أواخر يونيو من سنة 2024..

  • العتبة الثالثة أيقونة المهرجان:

رسخ المبدع، خالد بن الضو، الهوية البصرية لمهرجان السينما المستقلة للدار البيضاء، من خلال أيقونة تقدم التشابك الذي يشخص من أغصان الشجرة السينمائية، لكون تشكيل الشجرة يعطينا تلك الخيوط المتداخلة في مثنها وجسدها الذي يبرز مساحات ضوء يرسل من بين ثناياها، كما التشكيل الذي تحدته الجذور المتشابكة ويتصدر هذا الشكل والتشكيل أيقونة المهرجان “التروفي” المستحضر بقوة المنجز أيقونة الدار البيضاء تكريما لتنصيب قديم احتفى بالبيضاء في السبعينيات من القرن، “الكرة الأرضية” المتواجدة بوسط المدينة في فضاء استراتيجي مطل على أمكنة تاريخية للبيضاء وأعلامها وأهم فضاءاتها وأحيائها كما بحرها ومواقعها الإستراتيجي؛ لذا استوحى المبدع، خالد بن الضو كينونة البيضاء “الكرة الأرضية” وهو رمز لعالمية المدينة التي تعايشت فيها الأديان والملل والنحل والثقافات، وعليه اقتبس المبذع الكبير خالد بن الضو تشكيل ذاك الفضاء وترجمه في تلك الأيقونة والهوية البصرية للمهرجان..

  • لحظة الاختتام والنتائج والتتويج:

السينما تطهير وقد عشنا ستة أيام من التطهير الفني الروحي الذي سمى بنا إلى ملكوت الإبداع من مدخل الصورة التي سافرت بنا في عوالمها بدء من فيلم الافتتاح داخل المسابقة “لو كان يطيحو الحيوط”، للمخرج حكيم بلعباس، وصولا إلى فيلم حفل الاختتام خارج المسابقة “الطريق” للمخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد، وبينهما كان التداول المهرجاني أفلاما سينمائية طويلة بلجنتها وأفلام سينمائية قصيرة بلجنتها وبينهم لقاءات مع مبدعين ودروس في السينما ويوم للشعر، مهرجان حضره40  فيلما من مختلف أنحاء العالم، والتي تم انتقاء برمجتها بعناية فائقة من طرف لجنة متخصصة، وفقا لسلسلة من المعايير السينمائية الصرفة والتي تواصلت فرجة وإبداعا وتبارت على جوائز المهرجان، وكان عدد الدولة 16 وهي: فرنسا، إسبانيا، ألمانيا، كندا، جورجيا، روسيا، البرتغال، إيران، قطر، السعودية، البحرين، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين والمغرب الدولة المنظمة..

كل المشاركين متواطئون كون الجائزة الكبرى لكل الأفلام هو ذاك التواصل المستقل مع جمهور مستقل وبذلك تنافست 12 فيلما على المسابقة الروائية والوثائقية الطويلة والتي خصص 7 جوائز هي: الجائز الكبرى، المسماة جائزة أنفا الذهبية للفيلم الطويل وجائزة لجنة التحكيم الخاصة وجائزة الإخراج وجائزة السيناريو وجائزة التشخيص ذكورا وإناثا، خصصت لها اللجنة برئاسة المنتج الفرنسي ألان ديبارديو Alain Depardieu بمساعدة السينمائية الألمانية كارينشيل، والمخرج الفرنسي مانويل سانشيز، والكاتبة المغربية غيثة الخياط، والمخرج المغربي لحسن زينون، كما تبارى على الجائزة الكبرى للأفلام القصيرة 16 فيلما للحصول على جائزة أنفا الذهبية وجائزة السينماتوغرافيا، لجنة التحكيم للأفلام القصيرة تقودها المخرجة المغربية خولة أسباب بنعمر، بمساعدة الناقدة جوديث سيرس، والفنانة سناء أسيف.

  • لحظة التتويج المستقل، النتائج والجوائز:
  • الأفلام الطويلة: عادت الجائزة الكبرى أنفا:للفيلم السينمائي التحفة “لو كان يطيحو الحيوط”، للمخرج حكيم بلعباس، وجائزة لجنة التحكيم، التنويه للممثلة مهربان درويش عن دورها في فيلم life and life للمخرج الإيراني علي غافيتان، وجائزة أحسن ممثلة لأنابيلا موريرا عن دوره في الفيلم البرتغالي the last bath للمخرج دافيد بونفيل وجائزة أحسن ممثل لفيان تدياشفيلي عن دوره في فيلم Brighton 4th للمخرج البرتعالي دافيد بونفيل وجائزة الإخراج للمخرج الجورجي ليفان كوغاشفيلي عن فيلهBrighton 4thوجائزة لجنة التحكيم للفيلم الإيراني  life and life للمخرج الإيراني علي غافيتان  ..
  • الأفلام القصيرة: الجائزة الكبرى أنفا الذهبية “أيامالربيع لعماد بادي، التنويه لفيلم “زوال” للمخرج السعودي مجتبي سعيد، الإخراج، لوليد مسناوي عن فيله NO KEY..
  • الجمهور المستقل:

في ضيافة الاستقلالية الإبداعية والسينمائية تحديدا تجاوب معنا المهرجان بأفلامه وبرمجته النوعية في الشكل والمضمون، وبذلك عشنا أسبوعا من السينما ونحن مستقلين عنا وفينا ومعنا، والفضل لهذا الاختيار الفرجوي والإبداعي وأفق انتظاره يعود لقائد الاستقلالية السينمائية والمنتمي للسينيفيليا وهو ناقد سينمائي في الأصل من داخل الإبداع، الأستاذ حمادي كيروم، تعرفت على الرجل في أواخر الثمانينات وبداية التسعينيات من القرن الماضي بنادي العمل السينمائي بالدار البيضاء، المغرب ومعه عشنا فرجات سينمائية من العالم في إطار أفلام الأسبوع وأسابيع السينما تمثل سينما العالم تم تظاهرات سينمائية محورية أخرى السينما وحقوق الإنسان السينما والتربية السينما والرواية، قبل مرحلة المهرجانات الوطنية للسينما، والتي ترأس ذ.حمادي كيروم بعض لجنها وكان عضوا في أخرى كما ترأس تظاهرات تمثل السينما الآخرى المغايرة مثل سينما المؤلف.

لماذا هذا الطرح والتقديم والتحية لحمادي كيروم؟ لأن الرجل قال لهم بالفعل والتفاعل والمنجز، أن الناقد يقود المرحلة ويوجهها وليس مؤثث المهرجانات وضيف لسياحة ثقافية أو مبدع مع وقف التنفيذ كما يقال عن بعض النقاد، مع الرجل بدأنا نرى توجهات أخرى للسينما بالمغرب بدأنا نرى مطلب تدريس السينما بالجامعة المغربية بدأنا نرى معاهد سينمائية خاصة وأخرى تابعة للدولة وصولا إلى مرحلة فوضى المهرجانات وهي مسألة صحية إذا إرتبطت بالتقنين، وعبرها تقييمها سنلامس الغث من السمين، وفعلا نستطيع أن نصرح كما الانتاج السينمائي لقد خرجنا من مرحلة الكم إلى الكيف، لأن التاريخ لن يحتفظ في متحفه إلا بما يمثل التاريخ..

في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي كنا رواد نادي العمل السينمائي بقيادة الكبيرين الناقدين عرابي السينما المغربية وبوصلتها، الأستاذين حمادي كيروم ومصطفى العلواني، كانت اللقاءات أسبوعية وفي كل يوم أحد هناك فرجة سينمائية تتم مناقشتها وكأننا في أكاديمية تكوين مستقلة، من تم بدأنا نلج مرحلة مابعد الفرجة وسرنا على الدرب ولدينا في هذا الجانب ذكريات كبرى، إذ ربطنا علاقات مع بعضنا البعض وأصبحنا نتبادل الكتب والأفلام والتجارب ونستضيف بعضنا البعض في المناسبات وفق تخصصات رواد النادي مابين التعليم والصحة ومهن أخرى، وحاربنا بالأساس الأمية البصرية وتعلمنا فك طلاسيم حروف الصورة، فكان منا المخرج والمؤلف والناقد والفنان التشكيلي والممثل والأستاذ والمواطن والمتلقي الهادف، وسارت بنا السبل لنلتقي مرة أخرى مع مهرجان السينما المستقلة لتأسيس تجربة مختلفة لها فكرها ومرحلتها وأبعادها..

عبر هذه السيرورة والتأسيس والاستمرارية أفهم الاستقلالية والانتماء إليها، وأفهم الانتماء إلى جماعة المستقلين والسير على الطريق بأدوات متجددة تواكب التطور والحداثة التي تتجدد بدورها مع المجايلة الفنية والإبداعية، ومن تم أعتبر مهرجان السينما المستقلة بالدار البيضاء المغرب مرحلة جديدة للفكر السينمائي نحو سينما مغايرة وسينما أخرى ليست مستقلة إنتاجا وتصويرا فقط بل بالأساس مستقلة فكرا وإبداعا ورؤية وكما أنتجت السينما المستقلة جمهورا مستقلا بالضرورة ستنتج نقادا مستقلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى