العربي رياض
بكل التقدير والاحترام الذي نكنه للمبدعين الكبيرين سي محمد الدرهم ومولاي عبدالعزيز الطاهري ، اللذان يعتبران من صناع الأغنية المجموعاتية إلى جانب بوجميع وباطما دون نسيان مستواهما الإبداعي في العديد من الألوان الفنية ، لابد وأن يزداد تقديرك لهما وأنت ترى الرجلين خلال المهرجان الغيواني التراثي الذي نظمته جهة الدارالبيضاء سطات ، يسرعان إلى رفيق دربهما داخل مجموعة جيل جيلالة الفنان عبدالكريم القسبيجي ، وهو يغادر الخشبة بعد انتهاء عرضه ، ليشجعا الرجل على كفاحه في جعل أغاني جيل جيلالة مستمرة تجلجل في سماء الساحة الفنية الوطنية . الرجلان لم يتوقفا ها هنا بل توجها إلى أعضاء الفرقة التي تعمل رفقة عبدالكريم وتحمل معه ذات الهم ، ليثنيا عليهم ويمطرانهم بالنصائح والتوجيه
كل المتتبعين للحركة الغيوانية يعرفون جيدا القيمة الفنية والإبداعية سواء للحاج محمد الدرهم أو مولاي عبدالعزيز الطاهري ، ويعرفون بأن الرجلين لا يرميان الورود في غير محلها ولا يمكن بحال أن يتساهلا وهما يقومان بالنقد لأي عمل إبداعي ، فما بالك وهما بصدد مجموعة شابة تغني ما أبدعاه وألفاه من أعمال منذ السبعينات وواجها المعارك لإصداره وإنتاجه وإقناع المتلقي به ، في زمن كان فيه الإقناع الفني غير متاح إلا للمتمكن الحقيقي من أصول الفنون ، ثم لا ننسى أن الدرهم والطاهري كمبدعين ينتميان لطينة الكبار لن يسمحا بأن تتم الإساءة لموروثهما الرائع الذي يتغنى به الوطن برمته ، كما يعلمان أن أعمالهما لن يعيدها ويقلدها إلا المتمرس الصلب في عوالم الإيقاعات والأنغام التراثية الوازنة والنوعية التي يتطلب تطويعها التصاقا صادقا بالتراب ومعرفة حقيقية بالموسيقى ، لأنها أعمال تستدعي السفر في المقامات وحين نتحدث عن المقامات فإننا نعي أن مغامرة الرقص معها يتطلب أصواتا ذات قوة وجمالية وتتمتع بنفس طويل كما كان عليه الحال أيام أوج مجموعة جيل جيلالة بكامل أفرادها ، سكينة الصفدي محمد شهرمان ومحمود السعدي ومولاي الطاهر الأصبهاني وعبدالكريم القسبيجي ومحمد مجد وحسن مفتاح ولمعلم مصطفى باقبو وحميد الزوغي بالإضافة بطبيعة الحال للمبدعين الطاهري والدرهم
شخصيا سررت بمبادرة الرجلين وثنائهما لمجموعة جيل جيلالة ” نادي الفنون الشعبية ” ، لأنني كمتتبع وعاشق للحركة الغيوانية أعلم بأنه من النادر أن تجد من يقلد أو له القدرة الإبداعية للتعاطي مع أغاني جيل جيلالة ، ثم إني كنت ومازلت معجبا بالفنانين جعفر الزيات الذي واكبت عزفه وأداءه قبل الالتحاق الرسمي بجيل جيلالة في سنة 2005 أي منذ أن كان يعزف كبديل عن المرحوم حسن مفتاح عندما كان لا يسمح له المرض بالعزف أضف إلى ذلك أنه يتمتع بصوت رخيم وقرار جميل يشد الذواقين ، كما يعجبني كثيرا رفيقه سعيد لحلاوا عازف السنتير المبهر الذي هو اليوم على أبواب أن يحصل على لقب ” معلم كناوي ” رغم حداثة سنه لأنه من جهة عازف نقي ومن جهة أخرى مجتهد مثابر في دهاليز الطقوس الكناوية وتفاصيل ” الدردبة ” بالإضافة إلى تشربه للصنعة على يد فرقة محترفة كمجموعة جيل جيلالة ، دون أن ننسى أن سعيد يتمتع بصوت جميل حاد يذكرك بعبدالكريم وما أدراك ما صوت عبدالكريم الذي سارت بدكرجمال صوته ركبان العاشقين للفنون الأصيلة .. يشدني كذلك سي محمد التمسماني عازف الإيقاع المتمكن من الإيقاعات الصعبة ومن ميزان الأغاني مهما التوت منعرجاتها وتضاريس تقاسمها ، دون إغفال شساعة صوته المتنقل من الحاد إلى الرخيم بسلاسة الكبار .. سررت أيضا لأن التفاتة الطاهري والدرهم لها وقع خاص على هذه المجموعة التي تختلف عن سواها لأن بحر جيلالة لن يغوص في أعماقه إلا الراسخون في فن العوم
هذا الثلاثي كان ضمن مجموعة محترمة جدا، وهي مجموعة خلود الجيل التي كانت تضم أيضا أسماء فنية لها اعتبارها ومكانتها كعبدالسلام احلالم الذي اختار الاستقرار في بلاد المهجر ومحمد ولاد شعايب ، وأيضا المبدع سعيد الزميت عازف فرقة أطفال الغيوان التي تبقى اليوم من أبدع التجارب داخل الحركة الغيوانية ، لأنها متكونة من مبدعين أطفال وتمزج بين الآلات العتيقة والعصرية ، وبتوزيع موسيقي مبهر لأغاني الغيوان وجيلالة ولمشاهب ، وهي بذلك من الناحية التربوية تجعل الفن الغيواني راسخا في أذهان الناشئة وفي نفس الوقت تعطيه الإشعاع الذي يستحق وسط الأجيال حتى لا يعتريه النسيان ، مع إضفاء الصبغة العصرية الحالية ليكون سهل الاستيعاب دون الخدش أو المساس بالروح الأصلية ، تماما كما فعلت جيلالة بالملحون
الثلاثي التمسماني وجعفر وسعيد لم يفاجئني عطاؤهم لسبب بسيط لأنهم ينتمون لأهل الشمال والعارف بالخريطة يعلم أن عتاة الموسيقيين والمبدعين ، ينتمون لهذه المنطقة إذ لا يمكن ان تخرج للعلن كموسيقي أو مبدع هناك إن لم تتوفر فيك كل الشروط المطلوبة لأنك وأنت ، تقدم على هذه الخطوة تضع نصب عينيك القامات المحيطة بك في تلك الجغرافية من المملكة ، اضف إلى ذلك أن اهل الشمال يعدون من أبرز المحتضنين للأغنية الغيوانية عموما ، لأنهم بالإضافة إلى كونهم من عشاقها فهم كانوا من الفاعلين ضمنها من خلال إشعاع أعمالها سواء داخل المغرب أو خارجه … ونحن بصدد الكلام عن هذا الثلاثي المبدع لابد ان أشير إلى أن ما يشدك إليهم أكثر هو سمو الأخلاق ، ونكران الذات إذ رغم مسارهم الغني لن تسمع من أفواههم حرف تفاخر أو تباهي يبدعون فقط ويمضون وكأنهم لم يكونوا قط ، يجيدون لغة الصمت بل ويتفننون فيها و يذكرونك بأن لا كلام يعلو على الإبداع .. هم بذلك منسجمون مع الحضرة التي هم فيها وهي حضرة جيلالة التي يقودها أستاذ الصمت المغرد الصداح عبدالكريم القسبيجي ، الذي حمل على عاتقه مشاق التحليق بإبداعات فرقته إلى ما لا نهاية ، أو لم يكن هو الشحنة التي أسعفت جيلالة أيام مجدها وزاد رونقا للحركة الغيوانية ككل بكل صمت لكن بصوت طروب فوق جعل بوجميع يثني عليه حتى قبل انضمامه إلى جيلالة أي أيام نواس الحمراء ؟ هذا الطروب لا يمكن إلا أن نرفع له القبعة وهو يفتح الركح لمبدعين يرى أن الجمهور في حاجة إلى إبداعهم الأصيل وأنغامهم الراقية
أقرأ التالي
8 أغسطس، 2024
مركز المؤتمرات الصحفية للدورة 14 لمهرجان المسرح العربي، ببغداد، في كتاب
10 يوليو، 2024
نجاح رهانات المسرح والجنون بعقلانية الإبداع المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء
5 يوليو، 2024
مشتل المسرح الجامعي في المغرب، يكرم في أرض المغرس
زر الذهاب إلى الأعلى