أن يكون هناك قانون يؤكد على الحق في المعلومة، أن تحرص وزارة الداخلية في العديد من مراسلاتها على التذكير بضرورة توفير المعلومات للجميع بكل شفافية، أن تتم دعوة الجماعات الترابية للسير على هذا النهج، أن ينفتح العالم بأسره على محيطه، ويكون من حق الصحافي ومن حق المواطن بشكل عام الحصول على ما يرغب من معطيات، فهذا لن يغير من طبيعة تعامل بعض المسؤولين في بلادنا الذين لا يؤمنون إلا بزمن الصمت حتى تمر الأشياء، بشكل عاصف أو هادئ لا يهم، لأن الأهمّ بالنسبة لهم هو مرور الوقت بأي شكل من الأشكال.
صمت، بات “عقيدة” يعتنقها عدد من المسؤولين بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، رغم أن هذه الوزارة لا تجد أدنى حرج وهي تعرض تقاريرها، سواء في زمن الكوفيد أو غيره، وتثني وتشيد من خلالها بطريقة التواصل التي تتبعها، والذي يبدو على أنه تواصل لا يفقه في تفاصيله إلا هذه الوزارة ومصالحها، ينطلق من نقطة ويعود إليها، تواصل في اتجاه واحد ووحيد، يستجيب لضروراتها هي لا لغيرها.
ولعلّ أحد العاضّين بالنواجذ على “عقيدة” الصمت، الخاضعين لها خضوعا تاما، الأوفياء لها وفاء كاملا، المدير الجهوي لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية بجهة الدارالبيضاء سطات، فالرجل يكتفي فقط بقراءة الرسائل التي تصل، والإطلالة على تلك التي تليها مستفسرة عن مآل الأولى، ولا يكلّف نفسه كتابة بضعة أحرف للرّد، سواء بالتفاعل الإيجابي مع مضمون هذه الرسائل أو الاعتذار بمبرر من المبررات، رافعا شعار “كم حاجة قضيناها بتركها”؟
المدير الجهوي القادم من “عوالم” العاصمة الإدارية، كاتبناه بخصوص الوضعية الوبائية ووضعية مهنيي الصحة سابقا، واختار ألا يردّ، ثم كاتبناه لاحقا بخصوص موضوع آخر له راهنيته، ومرّة أخرى لم يجب. كنت قد اعتقد أن هذا المسؤول لديه مشكل مع شخصي أو مع الجريدة، وهو أمر غير مقبول بتاتا من شخص يدبر شأنان عاما، قبل أن يخبرني أحد الزملاء في منبر آخر، أنه اتصل به هو أيضا هاتفيا من أجل إعداد مقال معين، فطلب منه المدير أن يكتب له رسالة يستعرض فيها الموضوع الذي يريد توضيحات بخصوصه، وعندما قام الصحافي بذلك لم يتوصل بأي جواب، وأسئلته عرفت نفس مصير أسئلتي.
هذا هو حال المسؤول الأول عن الصحة والحماية الاجتماعية في أكبر جهة في المغرب، التي تعيش مخاضا صحيا في كل لحظة، وتحتاج إلى التواصل الدائم، خاصة في زمن ورش الحماية الاجتماعية، لكن المعني بالأمر له فلسفته الصامتة، وإذا ما تكلم فهناك رؤية أخرى تكون دافعا لحديثه المبني على الانتقاء، ولكل في ذلك عقيدته.
وضع جعلني أتذكر مسؤولين مروا من هنا، يقام ويقعد لهم، ويحسب لهم ألف حساب، كفاءة وأخلاقا وتدبيرا وتواصلا، من أمثال الدكاترة عمر المنزهي، مصطفى الردادي، رشيد مولكي، وحتى نبيلة الرميلي، ورغم كل الملاحظات، إلا أنها كانت تحافظ على صلة الوصل.
فهل الوزارة باتت ترفق قرارات تعيين مسؤوليها بتعليمات شفوية تدعوهم إلى إغلاق أفواههم وترك باب الإشاعات مشرّعا رغم كل التبعات التي قد تترتّب عن ذلك؟ سؤال سيبقى مطروحا ومفتوحا إلى أجل غير مسمى لأن الجواب عنه نعيشه كل يوم ومنذ سنوات منذ أن تم تعيين آيت الطالب على رأس هذه الوزارة…