من منا لم يتعرض لما يكفي من الابتزاز من طرف مصحات يوهمونه أن مريضا قريبا منه أبوه أو أمه أو زوجته أو أحد ابنائه أو أخواته سيشفى، والأطباء يكتفون فقط بوصله بأجهزة التنفس الاصطناعية أو بحقنه بأدوية فعالة.
من منا لم يتعذب لآلاف المرات لأن مريضا أو مريضة عزيز إلى قلبه يتعذب دون توقف ليل نهار ولا يجد له حلا ولا شفاء بل وحتى لا قدرة على رعايته ليل نهار.
من منا لم يفاجئه مريض أن يطلب من الله أن يأخذ روحه لا يرتاح وأن الله لم يستجب بعد.
ألسنا نحن أنفسنا كثيرا ما نطلب في استحياء أن “الله يشوف من حالة بعض المرضى وياخدو عندو”.
ماذا يقصد بعض الأطباء عندما يعلمون أهل مريض بأنهم “غير يخودوه ويدعاو معاه”؟
أليس هذا تلميحا ضمنيا بأن “اتركوه يموت”؟
شخصيا عرفت حالات لمصابين بأمراض قاتلة يتمنون من الله أن يأخذ أرواحهم لأنهم يتعذبون ولم يعودوا قادرين على تحمل الألم الكبير لطول المدة (مؤخرا إطلعت عبر إحدى الإذاعات على حالة مريض امتنع في آخر أيامه كليا عن تناول الأدوية للألم الذي تسببه له رغم امتناع أهله و إرغامه على تناولها).
في مثل هاته الحالات يصح أن نطرح هاته الأسئلة:
- هل نحس فعلا حجم الألم الذي يحسه المريض بمرض مستعصي كالسرطان أو الالتهاب الكبدي أو أمراض الكلي المتطورة أو فقدان المناعة المعقد؟
— عندما يعبر المريض عن رغبته الشخصية في أن “الله ياخذ روحه”، فهل يحق لنا أن نقف ضد رغبته خصوصا وأنه يتحمل مسؤوليته كاملة بشكل إرادي؟
- وحتى عندما نتخذ قرار مداواته وعلاجه رغم علمنا بأن نسب شفائه ونجاته منعدمة، لنكن واضحين، ألا نكون في تلك اللحظة نرضي جهات خارجية لا علاقة لها كليا بألم المريض وربما لا علم لها بمرضه أو قد لا تتعاطف معه ومنها من تتشفى في مرضه؟
- عندما نضطر لبيع كثير من الأشياء وإلى الاستلاف والاستدانة وطلب دعم الناس، وبغض النظر عن محبتنا وحبنا الخالص للمريض أبا أو أما أو زوجا أو ولدا أو أخا أو أختا أو صديقا، أليس البعض منا يكون مضغوطا بما يمكن أن يقوله الناس “إلى مدارش جهدو” رغم علم الجميع مسبقا بانعدام فرص النجاة والشفاء.
لقد سمعت هذه الجملة مرارا “راحنا درنا الجهد باش الناس ميعيبوش علينا يكولوا مدرناش الجهد مع المريض”.
- ما الذي يعنيه المغاربة بقولهم “الله يعطينا تهريسة القلوش” و”الله يعطينا شي موتة مستورة”،
ألا يعني موتا لا يكون فيه ألم ولا مصاريف ولا عذاب؟ - ماذا يريد الدين بموت التؤدة و “نعوذ بالله من موت الفجأة”؟
إننا في الحقيقة أمام إشكالية حضارية وثقافية ودينية واجتماعية وسياسية واقتصادية وعلمية معقدة لا بد أن تطرح للنقاش، ومثلما تطرح قضايا الثروة والسلطة وحقوق الإنسان والإجهاض والحريات الفردية، لا بد على المثقفين والمفكرين والإطارات الحقوقية والمجتمع المدني من طرح هذا الموضوع للنقاش وتحمل مسؤولية الطرح والنقاش.
1- التعريف والإطار القانوني
الموت الرحيم أو القتل الرحيم هو موافقة المريض الذي تصل آلامه وعذاباته من المرض درجات لا تستحمل، أو يعجز أهله كليا عن تحمل مرضه وقد يمرضون هم أنفسهم كما في حالات الأمراض العقلية.
يميز في الموت الرحيم بين القتل الرحيم الطوعي الذي يكون بقرار من المريض نفسه، والقتل الرحيم غير الطوعي الذي يقرر فيه الطبيب المعالج أو أحد أفراد العائلة، والقتل الرحيم بالإكراه بعد أن يكون مرض المريض مهددا لآخرين.
كما يميز فيه بين قتل رحيم نشط وقتل رحيم سلبي، الأول يقوم فيه الطبيب المعالج أو أحد أفراد العائلة بالإذن بزيادة جرعات مهدئات أو مسكنات، والثاني يتم فيه نزع أجهزة التنفس الاصطناعي أو وقف الأدوية الفعالة جدا.
أول دولة رخصت للقتل الرحيم هي سويسرا سنة 1937، ثم أمريكا وكولومبيا في 2009، ثم فنلندا وألمانيا ودولا أخرى في 2012 ويصل عدد الدول التي تسمح سواء بالقتل الرحيم النشط أو السلبي إلى حوالي 20 دولة.
إن الهدف من طرح موضوع القتل الرحيم هو فتح النقاش حول ثلاث مسائل كبرى:
1- مبدأ الحق في الحياة والذي بقدر تقديسه تحول إلى “ديكتاتورية” تمارس على الجميع من طرف الجميع دون أن تنتبه “للأقليات”، مما يجعله مبدأ غير ديمقراطي.
2- الانتباه إلى الموضوع ليس من طرف الحكم العام السائد سواء كان باسم الدين أو القانون أو المجتمع أو العادات والتقاليد أو الذوق العام، ولكن من وجهة نظر المعنيين أنفسهم، المرضى الذين وصلوا درجة من الألم لم يعودوا يتحملون فلجأوا إلى الانتحار. أو من طرف ذويهم الذين كثير منهم أصيبوا بالاكتئاب وأمراض نفسية خطيرة جعلتهم يرتكبون جرائم.
3- الانتباه للمصاريف المالية للأسر والدولة.
4- الانتباه لجشع المصحات والمستشفيات الخاصة وتلاعبها بأهالي المرضى.
و تبقى مجرد مسائل للنقاش