العربي رياض
في بداية التسعينات من القرن الماضي، سيفاجأ المسؤول الترابي بمدينة ورزازات، بإرسالية قادمة من وزارة الداخلية، تطلب منه توفير كل الظروف الملائمة والمساعدة اللازمة للفرقة الغنائية “أشباكن”، المسؤول الترابي ظل “متسمرا” أمام هذه الإرسالية للحظات وهو يحاول أن يتذكر هذه الفرقة ومن يكون أفرادها.. فهو المسؤول عن المنطقة وله عيون متوزعة في كل أطرافها، وهو في الأول والأخير، عين “أم الوزارات”، وعلى تقاريره تعتمد، وكيف لها أن تعلم مالايعلم في منطقته.
بطبيعة الحال، لم يقو على بعث إرسالية رد، ويعلم وزير الداخلية آنذاك والرجل القوي ادريس البصري، بأن ليست في منطقته فرقة غنائية اسمها “أشباكن” لأنه يعلم أكثر من غيره أن الداخلية عادة لاتخطيء.
ارتبك الرجل وزاد ارتباكه، كون الإرسالة تقول بأن هذه الفرقة ستذهب للمشاركة في مهرجان الفنون الشعبية الدولي، الذي سيقام في مارسيليا بفرنسا وستكون هي ممثلة المغرب.
اهتدى المسؤول الترابي في الأخير إلى الاستعانة بأعوانه، فالأعوان لايخطئون، ولا يخفى عليهم شيء، اجتمع بهم وسألهم عن هذه الفرقة الغنائية، فنفى الجميع معرفته بها، قبل أن يذكره أحدهم بأن “اشباكن” أو هذا الاسم، يطلق على دوار يوجد في السفح الجنوبي للأطلس الكبير، وبالضبط الجماعة الترابية أمنولان.
هذا الدوار يوجد في منطقة نائية جدا وكانت حتى الطريق لم تصله في تلك الحقبة، والمسالك إليه وعرة.
فطلب المسؤول الترابي، من العون، أن يذهب إلى الدوار، ويسأل عساه يجد جوابا يمكنه من هوية الفرقة الغنائية.
كذلك كان، حيث ذهب العون إلى الدوار، وجلس مع سكانه اللطفاء، وسألهم عن الفرقة الغنائية، فأخبروه بأن ليست لهم فرقة غنائية، لكنهم أي أفراد من السكان نساءا ورجالا، كلما كانت مناسبة، يقومون بترديد أغاني تراثية مع القيام برقصات فولكلورية معبرة، وبأن هذه العملية تسري في دمهم، وهي عادة في المنطقة توارثوها على مر الزمن.
رغم ذلك، ظل العون مشوشا، فكيف لوزارة الداخلية أن تعرف ومن أين أتاها خبر الفرقة الغنائية، إذا كان فقط أفراد من الدوار هم من يقومون بهذا الفعل الفني، في إطار الترويح عن النفس فقط؟
ظل يستقصي، ويسأل، إلى أن أخبرهم أحد السكان بأن دوارا شهد عرسا قبل أسابيع أدت فيه نساء ورجال من الدوار أهازيج ورقصات فولكلورية كالعادة، ولكن هذا العرس حضره بعض الأجانب، لهم معرفة بأحد أبناء الدوار.
حمل العون الخبر على وجه السرعة إلى المسؤول الترابي بورزازات، وأعلمه بما سمع، فدخل المسؤول في بحث آخر، يتعلق هذه المرة بالأجانب الذين حضرو العرس في هذا الدوار، ليكتشف بأن الضيوف الأجانب، كان ضمنهم صحفية فرنسية معروفة، نشرت بعد عودتها إلى ديارها، مقالا مطولا بجريدة “لوفيكارو” تتحدث فيه عن فرقة فولكلورية تسمى “أشباكن” حيث اعتبرتها فرقة فنية فولكلورية مدهشة، وصفت خلاله آداء النساء وأصواتهن وصيحات الرجال وهم يؤدون الرقصات وكيف ينقرون الإيقاع، في تناغم رائع، وعبرت عن اندهاشها من الحلي والإكسسوارات المستعملة في آداء الوصلة الفنية للمجموعة.
في الحقيقة، كانت الضيفة قد أخذت اسم الدوار واعتبرته اسم “الفرقة”، أي الأفراد الذين تقدموا بالوصلة الفولكلورية في تلك المناسبة التي حضرتها.
وزارة الثقافة الفرنسية وبعد اطلاعها على هذا المقال، قررت أن تدعو الفرقة التي تحدثت عنها الصحفية، لتعطي قيمة مضافة لمهرجانها في مارسيليا، فتقدمت بطلب إلى وزارة الداخلية المغربية، كي تبعث لها بهذه الفرقة المدهشة، وكانت وزارة الداخلية، نفسها، تعتقد أن الأمر يتعلق بفرقة حقيقية متواجدة على أرض الواقع. وأظن أن ادريس البصري، رحل إلى دار البقاء، وفي ظنه أن أن هذه الفرقة متواجدة فعلا. لماذا هذا الاعتقاد؟ لأن المسؤول الترابي، لم يخبر الوزارة بشيء. بل كلف من ينتقي من أفراد الدوار الأعضاء والنساء الأكثر قوة فنية، وترك اسم “أشباكن” وقدم كل المساعدة الممكنة لها، كي تسافر للمشاركة في هذه التظاهرة الدولية، لتشريف المغرب. ليكون هذا المسؤول، وبفعل الخوف من الداخلية، قد صنع فرقة احترافية جديدة، لتصبح ممثلة للمغرب في مختلف التظاهرات.
وردنا قصة فرقة “أشباكن” الفولكلورية، لأستحضر كل فرقنا التراثية الفولكلورية : أحواش، الركبة، عبيدات الرمى وكل الفرق التي هي بالمئات والمنتشرة بكل تراب هذا الوطن انطلاقا من الجنوب إلى الشمال. والتي مازالت تحافظ على هويتنا وموروثنا. فكل هذه الفرق، وهي التي تعيش من الفن، وقليلا من حرفة إن وجدت أو فلاحة مستعصية. ولايحق لها الاستفادة من بطاقة الفنان. أو ليست هذه الفرق هي المسوق الحقيقي لتربة وطننا دوليا؟ لانلجأ لهذه الفرق لاستقبال الوفود الأجنبية بالمطارات والفنادق والساحات، ألانقدمها للعالم على أنها التجسيد الحقيقي لعمق حضارة وطننا؟
أستغرب أحيانا، وأنا أرى وزارة الثقافة لاتقدم لفنان بجامع الفناء بطاقة فنان، رغم أنه “كايشطح الحنش” هل يقوى أي موظف بوزارة الثقافة وغيرها حتى المرور في منطقة يوجد فيها الثعبان؟
إذا كنت أحجم عن تقديم بطاقة الفنان لعازف يدفع الأفعى للرقص فلمن سأقدم هذه البطاقة؟
إن هذه الفرق الفولكلورية ومعها مبدعو جامع الفناء بمراكش، يمارسون الفن على دوام دقائق اليوم، هم نقطة جذب للسياح، بمعنى أن هؤلاء يسهمون في الفعل السياحي، أكثر مما تسهم فيه الوزارة المعنية بهذا القطاع.
فكيف نحرمهم من تعويضات سواء من طرف وزارة السياحة وغيرها من الوزارات المعنية، وكيف تحرمها وزارة الثقافة من بطاقة تستحقها في الوقت الذي يجب أن نناشدها للحصول عليها لسبب بسيط وهو أن هذه الفرق كانت ولازالت عنوان هوية بلد