عزيز الحلاج
عندما زارنا الفنان كمال كاضمي في الجريدة يوم الخميس ثاني يونيو، كان بشوشا متواضعا،تواضع الكبار،هو الذي غمرنا وصغارنا بالفرحة،خاصة في سلسلة حديدان..السلسلة التراثية التي نالت إعجابا ، بإشراف من المخرجة فاطمة بوبكدي، ومن بعدُ بإشراف مخرج ومنتج أفلام هو إبراهيم الشكيري، في عمل جديد غرائبي :”احديدان في كليز”.والعمل يذكرني بعمل آخر، قام به الفنان سعيد الناصري سنة 2006،يمازج فيه الكوميديا بالخيال.فإذا كان الناصري سافر عبر آلة الزمن إلى الماضي حيث العهد الموحدي،فإن الفنان كمال كاضمي سافر من الماضي إلى المستقبل/الحاضر،مراكش اليوم، وتحديدا منطقة كليز..وكلا العملين مثير ويبعث على الدهشة والفكاهة.
ولقد انتبه بعض المخرجين إلى أن هذا النوع، من الأعمال التي تتناول التراث، حيث الأمثال و”مقالب فيكس” أو “جحا” أو “احديدان”،أو التي تشغل خيال المشاهد.. يحلق به بعيدا نحو واقع مفارق جديد،نحو اللامعقول، نحوو عوالم تبعث على الدهشة والإثارة والتوتر،وتحقق لذة التفرج والمشاهدة.
والملاحظ، أنه كلما تعلق الأمر بتقديم عمل تلفزيوني، يتناول ما هو تراثي أو عجائبي، فإن الرهان يكون على ممثلين محسوبين على رؤوس الأصابع،يتمتعون بمصداقية لدى المشاهد،على شاكلة كمال كاضمي،الذي لم تكن الشنعة بالنسبة إليه هي المرمى والمبتغى.فمن حي شعبي بسيط نبع كمال،وحَدَته رغبة جامحة في أن يكوّن نفسه بالاحتكاك والمواكبة والمطالعة.وبفضل عصاميته، استطاع أن يؤكد وجوده بموهبة فذة وعزم راسخ على تقديم نفسه كإضافة جديدة في عالم التمثيل والمسرح..في مجال التراث والعجائبي.
عهد المخرجون للفنان كمال كاظمي بأدوار طلائعية ستبقى خالدة في الذاكرة الفردية والجمعية، فالرجل فنان بحقه وكفايته،خلق له أسلوبا آخر غير مقلد،تجلى في نبرات صوته التي يتحكم فيها حسب مواقف ومواقع تفرضها الأدوار المنوطة به، يوجهها إلى المتلقي ليحرك وجدانه ودواخله.فالصوت أداة تعبير خطيرة وحركات الأعين مؤثرة وقسمات الوجه مهمة..والحركات والسكنات.. كل ذلك آلة لإيصال حالات نفسية معينة حسب مواقف معينة للآخر. على خلاف بعض الممثلين الذين، يتحركون..يتمتعون بنبرات صوت جذابة، لكنهم يستخدمونها في غير مواضعها،وبالتالي يجعلون المشاهد ينظر إليهم بذهول أو باستخفاف.
تابعتُ كاضمي في المسرح بصوته الحاد، والجهوري..مضمخا في نص درامي أو تراجيدي بكل مشاعره، بل شاهدناه جميعا في التليفزيون يؤدي الفن الرفيع،واضعا –باستمرار- الجمهور نصب عينيه ،لايلهث وراء الكسب والمال حتى يجازف في دور ما، بسمعته ومصداقيته ووزنه.همه كل همه، أن يتقدم بإضافة جديدة في كل مشاركاته في عمل فني/ثقافي،تنم عن أنه اغترف من مناهل تمتح من ثقافة رباها باليدين، ولو على حساب صحته،وكلنا فيي هذا الصدد يعلم مدى الجهد الذي بذله فناننا من أجل إخراج صوت بنبرات حادة مثيرة بشكل أثر على حبالهه الصوتية..كل هذا من أجل إتحافنا وإمتاع صغارنا ،الذين قام بعضهم بتقليده،وهو يقدم ألغازا في هاته المسابقة أو أمثالا سائرة في تلك السلسلة..
ولئن كان البعض ممن يريد أن ينتقد لأجل أن ينتقد،يرى في برنامج”ستانداب” و”احديدان” ابتذالا وسخافة، وفي السيتكوم”الخاوة” تطاولا على مدينة آسفي،التاريخ والحضارة،حيث الفخار والعيوط.. فإنه يتعين أن نقول إن هذه الأعمال قد استنفدت جهودا على مستوى الاعداد والاخراج والتمثيل..وفوق هذا حصلت على موافقة رسمية من لجنة تتمتع بمصداقية،وتضع الجمهور في الحسبان.
وإذا كان مسعى النقد هو المضي بالعمل قدما والتنبيه إلى ما يجب اعتماده أو تلافيه،فإن ما وجه ضد سلسلة “الخاوة”،كان الهدم والتبخيس ،الشيئ الذي حز في نفوس من عمل على إعداد هذا المنتوج. إن هذا العمل الكوميدي ليس مسا بمدينة كآسفي،لا بتاريخها المجيد ولا بشموخ أشياخها وشيخاتها وعيوطها.فهو يطرح موضوعات مختلفة مثل موضوعة الكراهية والحب والغيرة والطيش والأمل..وصراع الأجيال،حيث يتباهى الكبار بالعيوط، على عكس شبابهم الذين بحاجة إلى فهم ثقافة وفن أصيل أكثر.بل بالعكس،فالسلسلة فرصة يتوجب اغتنامها لإفهام وتحبيب وتقريب هذا الفن من النشء،وإماطة اللثام عن أشياخ آسفي الذين خدموا الأغنية الشعبية المغربية،وإنصافهم.إن النقد البنّاء الوجيه ،هو الذي يوجه،من غيرتسرع أوأحكام مسبقة،أو محاسبة عمل بقضه وقضيضه بسبب سحنة ممثل او لكنته أو قوامه أو نوايا مبيتة تتغيا تبخيس العمل وضربه في الصميم.