العربي رياض
معلومة لا بد ان أسجلها وأشير إليها قبل الدخول في صلب موضوع عنوان الحلقة ، ويتعلق الأمر بأغنية ” قطتي صغيرة ” ، فهذه المقطوعة كان يرددها عمر السيد قبل تأسيس مجموعة الغيوان وفي أول مرة غناها عمر السيد كان أمام الملك الراحل الحسن الثاني ، لوجده بدون حضور الغيوان بل كان ضمن فرقة مسرحية ، يقول باعمر : أول مرة غنيت فيها قطعة ” قطتي صغيرة ” كانت أمام الملك المرحوم الحسن الثاني إذ أدكر أني كنت بمعية بوجميع ومولاي عبدالعزيز الطاهري ، في أحد شوارع مدينة الرباط حين وقفت علينا سيارة تابعة للدرك الملكي نزل منها بعض رجال الدرك ، توجهوا إلي مباشرة وسألوني إن كنت أنا هو عمر السيد ؟ فأجبت بالإيجاب فردوا علي ” إنهم يريدونك في القصر لتمثل مع للاغنو “، بالفعل في تلك الفترة كنت مازلت أمثل مع الفنانة القديرة الشعيبية العدراوي تمثيلية ” للا غنوا ” التي يتدكرها المغاربة جيدا وهي تمثيلية أحبها الناس ولقيت نجاحا واسعا ، وكنت ألعب فيها دور ” عمي لحسن ” وكانت التمثيلية من تأليف وإخراج الفنان يسري شاكر ، التفت عند بوجميع ومولاي عبدالعزيز وقلت لها أن ينتظراني في أحد الفنادق إلى أن أنتهي ، وأن يتناولا ما يريدان إلى حين عودتي فهما لم يكن لديهما ريال واحد ،امتطيت سيارة الدرك وانطلقنا في اتجاه القصر ، كانت هذه هي المرة الثانية التي سارى فيها الحسن الثاني مباشرة ، بعد ان رأيته في المرة الأولى في سنة 1963 قرب سينما الريف بالدارالبيضاء يتجول بدون حرس ، داخل القصر وجدت عددا من الفنانين منهم أحمد القدميري ، سعدالله عزيز ، الحاج بوجمعة وجود ، محمد بلقاس ، أحمد الصعري ، محمد الحريشي ، محمد مجد وعبدالرؤوف …وغيرهم ، لاحظت تواجد مجموعة من الأطفال تشاهد أيضا مايقدمه الفنانون الحاضرون ، فاقترحت على سي محمد بلقاس بأن أغني اغنية قطتي الصغيرة لن بلقاس هو المكلف بتقديم فقرات العروض ، فأوصل طلبي إلى الملك وعندما قبل به ، أخدت في التمرين مع بعض الزملاء الفنانين لأداء الغنية أمام الملك وضيوفه ، لما صعدت لتأديتها معلقا أي ” نازلا من فوق ” على الطريقة القديمة فوقفت بعيدا عنه إلى حد ما ، بلقاس لم يفهم سبب توقفي في المكان الذي وقفت فيه ، فأخد يدفعني من جهة الظهر كي أقترب أكثروهو بذلك يظن أنه يساعدني من خلال دفعي الى التقدم أكثر إلى الامام ، إلا إن الملك تدخل وقال له “خليه آبلقاس الرجل راه عارف آش كايدير”، الفسحة والمسافة التي أخذتها من الميكروفون ، ساعدتني على الأداء بشكل أفضل كما ردد معي الفنانون اللازمة ، وقد أعجبت الملك وفهمت ذلك من ملامح وجهه ، كما صفق لها ضيوفه والعائلة ، في الواقع لم أفهم ساعتها كيف أعجب الملك بهذه الأغنية ، إلى أن أخبرني الكاتب أحمد الزيادي بعد مرور 30 سنة إلى أن مبدع هذه القطعة هو أمير الشعراء أحمد شوقي
لعل ما كان يزعج أفراد مجموعة ناس الغيوان ، هو أن لا أحد تعامل معهم كما هم بل تم إلباسهم ما أثقلهم ، ففي بداية مشوار المجموعة هناك من اعتبرها في الداخل مجموعة تميل غلى الصوفية والغيبية ، دون الحديث عمن اعتبرها مجموعة هداوة بالمعنى القدحي للكلمة ، وفي الخارج اعتبرت حركة غير بريئة بل هي موجة سياسية يسارية ..قليلا ما عوملوا على أنهم مجموعة فنية تود أن تعبر عن مكنوناتها الذاتية والجماعية ، عبر إحساسات صادقة .. هذا الأمر يؤكده عمر بالقول : عدة جهات كانت تتعامل معنا وفق مخيلتها وقد عانينا من هذا الأمر كثيرا ، دون أدنى اعتبار لخوالجنا التي تعد أساس إبداعنا ، فغذا كان بوجميع قد أبدع ماهموني غير الرجال إلى ضاعو ، وهو لم يتجاوز بعد 24 سنة ، ويبدع العربي رائعته واش حنا هما حنا في سن العشرين فليس لأنهما ينتميان لحركة سياسية ، بل لأنهما يتغنيان بأشياء يحسان بها لذا نحن كنا نطلب ” التسليم ” دائما لأننا نعي أننا نغني أشياء كلاما اكبر منا ، وهو الأمر الذي خلق لنا الكثير من المتاعب تعودنا على تدبير سراديبها ، حتى أحيانا كنا نضطر للشرح والتفسير والتوضيح لرفع اللبس ، وهنا تحضرني حكاية طريفة وقعت لنا في الثمانينات ونحن على أهبة السفر إلى فرنسا للمشاركة في حفل فني كبير ، ولان جواز سفر علال كان قد استوفى مدته القانونية ، ذهبت رفقته للعمالة التي يقطن بنفوذ ترابها ،بغية تجديده ، بطبيعة الحال وضعنا كل الوثائق المطلوبة ، إلا أن المصلحة المكلفة تأخرت في منحه جوازه ، اضطررت كمسؤول عن المجموعة إلى الانتقال للعمالة من جديد لمعرفة أسباب التأخير خصوصا وأن موعد السفر قد اقترب ، لما وصلت قصدت مكتب المسؤول لستفسره عن سبب التأخير ، ليخبرني بأن العمالة لن تجدد جواز سفر علال ، لأن ناس الغيوان تجرأت وغنت في حفلة نظمتها ذات العمالة أغنية ” سبحان الله صيفنا ولى شتوى ” وذلك أمام العامل وبدون احترام لتواجده ؟؟؟ وجدتني مضطرا لشرح الأغنية لهذا المسؤول عساه يمنحنا وثيقتنا التي هي من حقنا ، أوضحت له بأن هذه الغنية هي من صميم الثراث المغربي وبأن من كتبها هو العلامة عبدالله الموقيت المراكشي رحمة الله عليه ، الذي كتب الكثير من النصوص منها الجفرية ونصوص اخرى تتحدث عن القضية العربية والفلسطينية ، وابلغته بأن هذه الأغنية غنيناها أمام الملك ، ولم يبد بشأنها أي ملاحظة سلبية ، وأنا أوضح ظل هو صامتا لايظهر ما يضمر وانا أشرح وأنتظر قراره الأخير ، فجأة ظهر الكاتب العام للعمالة آنذاك السيد الحاج بوشعيب فوقار الرجل المثقف وابن الدرب الذي يعرف الغيوان حق المعرفة ، ليوقف عبث ذلك المسؤول بابتسامة ساخرة قالت كل شيء وجعلت المسؤول يقف وينفذ تعليمات جملة مقتضبة خرجت من فم فوقار أعقبت ابتسامته الساخرة ” نوض عطي للناس شغلهم”
مثل هذه الحكايات في مسارنا لا تحصى ولا تعد خصوصا مع السلطة ولم نكن نعيرها اهتماما ، لأنها تقع للناس يوميا خصوصا في الفترة التي نتحدث عنها .. مرة طرق باب منزل أخي السي محمد ، مجموعة من عناصر الأمن الوطني ولما فتح الباب سمعتهم يقولون بأنهم جاؤوا لإلقاء القبض على عمر السيد بتهمة القتل ، مضيفين فحديثهم لعائلتي ، بأنني متزوج من امرأة أخرى أنجبت مني طفلا ، قمت بقتله ودفنه تحت ” الخابية ” ، كان طبيعيا أن ينزل الخبر كالصاعقة على أفراد العائلة خصة وأن من يخبرهم القصة هم رجال الأمن ” والمخزن ماكايغلطش والى قال شي حاجة راه هي الحقيقة ” تركتهم ينصتون لما يحكى لهم واطلقت سيقاني للفرار قاصدا سطوح منازل الجيران رغم أني كنت أرتدي ” فوقية ” ولم أتوقف إلا عند بلوغي مدينة الرباط ، صوب المديرية العامة للأمن الوطني لمقابلة حسن الصفريوي الذي كان مسؤولا رفيعا وصديقا للفنانين ، وعرضت عليه الحكاية فاتصل بالدائرة الأمنية المشرفة على البحث في القضية التي اتهمت فيها ، فأشعروه بانهم اكتشفوا أن الخبر هو مجرد إشاعة كاذبة جاءت عن طريق رسالة مجهولة .. ساكتشف خلال مسارنا أن الجمهور كان هو الرقم ستة في المجموعة فقد حمانا كثيرا بحبه لنا ، أدكر أننا كنا مشاركين في نهاية الثمانينات في حفل سيقام بساحة كبيرة بمدينة القنيطرة ، فوجئنا ونحن نتفقد المعدات والخشبة قبل العرض أن المنظمين قاموا بوضع كراسي كثيرة أمامنا مخصصة للضيوف من أعيان المدينة ورجال السلطة وعائلاتهم بينما وضعوا مجموعة من الحواجز تفصل عموم الجمهور عن الخشبة بأمتار عديدة ، نبهت المسؤول عن التنظيم وأوضحت له بأن التقسيم الذي تم اعتماده غير سليم ، وبأن الجمهور الذي أعرفه حق المعرفة سوف يقوم باختراق الحواجز فور انطلاق الحفل ، خاصة وأن مكبرات الصوت ليست قوية بما يكفي لتصل إلى مسامعه الأغاني وهو في مكانه البعيد عن الخشبة ، رد علي المسؤول بعبارة واجدة هي ” هادشي للي عطا الله كان علي نسق معك من قبل الله يحفظ وصافي ” ، حين صعدنا الى الخشبة قلت للعربي الله يخرج هاد الليلة بسلام ، بعد دقائق معدودة من بداية العرض حدث ما نبهت إليه ، الحواجز بدأت تتساقط ، الارتباك أضحى سيد الموقف ، هيجان الجمهور غير متوقف فهو يريد معانقتنا ويجدب إلى جانبنا ، عمت الفوضى وواصبح من الصعب إتمام الحفل ..وسط اجواء الفوضى تلك وبسبب تدفق الجمهور في اتجاهنا تدخل رجال الامن من باب الحماية وحملونا على متن سيارة الأمن ” فاركونيط ” ،لنقلنا لأحد الفنادق ، المصيبة هي أن من عاينوا المشهد اعتقدوا أن رجال الأمن ألقوا القبض علينا ، فتوجهوا نحو السيارة وأخدوا يرفعونها محاولين فتح أبوابها لإخراجنا ، وبقينا نحن نهتز داخلها ، الى ان جاء الدعم ، لتنطلق السيارة نحو الفندق ، وشاع خبر اعتقال ناس الغيوان بالمدينة ، وقد حكي لي فيما بعد أن القنيطرة عرفت تلك الليلة أجواء شبيهة بحاة انتفاضة شعبية من أجل إطلاق سراحنا …هذا هو العنصر الذي فهمن إنه الجمهور أحباب الغيوان معهم عشنا وبهم وصلت المجموعة الى ما وصلت إليه