إلى جانب زميلىي جلال كندالي كان لي شرف دباجة سلسلة حوارية من 30 حلقة مع صديقي الفنان الكبير المرحوم مصطفى سلمات في صيف 2003 ، ارتايت أن أشاطركم جوانب منها كما كتبت قبل 17 سنة وفاء لعطائه الفني وأيضا للاطلاع على جزء من مسار المسرح المغربي والكاريزما التي كان يتمتع بها الفنان..
البدايات الأولى مع الطيب الصديقي•••
العربي رياض
حين عدنا إلى المغرب، من مهرجان قرطاج، كان الموسم حافلا بالأعمال والتداريب بالنسبة إليَّ، قمت بتداريب عدة سواء في صفوف الشبيبة والرياضة وغيرها••• في تلك الفترة فكَّرت مليّضا، هل سأنقطع عن الدراسة بصفة نهائية وأتفرغ للمسرح، أم أَلتحق بالتوجيهي، وبالتالي بمدرسة تكوين المعلمين أو بكلية الحقوق، لكن والِداي لم يقبلا فكرة مغادرتي لمدينة الدار البيضاء،إذ كنت وحيدهما بمعية شقيقتي• بقيت في حيرة من أمري، خصوصا وأن المسرح في تلك الفترة لم يكن يشكل هاجسا أساسيا بالنسبة إليَّ، بل كان مجرد هواية• بدأتُ أطرح مع نفسي ما العمل بالنسبة للمستقبل؟ وللإجابة عن هذا السؤال الوجودي، استعنت ببعض معارفي، حيث قمت بشبه امتحان في صفوف “الخطوط الملكية المغربية ” في أكتوبر 1965، وقد اجتزت هذه المباراة بنجاح، وبعد أن تم قبولي بقيت أنتظر تاريخ موعد الالتحاق•••
قبل هذا التاريخ، صادفت الطيب الصديقي بعين الذئاب، وبالضبط بفضاء اسمه “الليدو”، كان يرتاده الطيب لممارسة لعبة كرة السلة، سلمت عليه فسألني أين “اختفيت؟”، وبعد دردشة افترقنا على أساس أن نلتقي فيما بعد
مرت فترة زمنية على هذا اللقاء، وقبل التحاقي بالخطوط الملكية المغربية بيوم واحد، كنت مارا بجانب قاعة المسرح، حيث كان هناك الصديقي، وتساءلت مع نفسي لماذا لا ألتقي به، بالفعل دخلت “المسرح” فسألني الطيب الصديقي ماذا أنوي فعله، فحكيت له كل شيء، إذ ذاك طلب مني الالتحاق بالمسرح، علي أساس أن أكون متدربا في البداية
ورغم هذا العرض، بقيتُ في حيرة من أمري، إذ كنتُ بين خيارين اثنين : إما مزاولة المسرح أو الانخراط كلية في العمل الوظيفي في الخطوط الملكية الجوية• كان الخيار صعبا، فإما أن أقنع والدي بعدم الجدوى من هذه الوظيفة، التي بفضل تدخّل بعض معارفي، وبالتالي التضحية بعالم المسرح، وإما أن أقبل عرض الطيب
وفي اليوم الذي كان مقررا فيه الْتحاقي بالوظيفة، أيقظتني والدتي مبكرا، وهيأت لي وجبة الفطور داعية لي بالقبول، ذهبت إلى مكان الحافلة التابعة لشركة الخطوط الملكية، لكي تقلّني الى المطار• وحين وصلتْ الحافلة، انتباني شعور غريب، وتراجعتُ بسرعة عن فكرة التوظيف الذي علق عليه والداي آمالا كبيرة، وتوجهت عند الطيب الصديقي الذي سألني ماذا فعلت، فقلت له: “الكار مشى”، من تلك اللحظة انخرطت معه كمتمرن• في تلك الفترة، كانت مجموعة من الأسماء التي تشتغل بمعية الصديقي منهم مصطفى با خالق رحمه الله، وسعد الذي يوجد الآن بفرنسا، في تلك المرحلة كانت الاستعدادات جارية على قدم وساق لإنجاز مسرحية “مدينة النحاس” التي كتبها عزيز الصديقي، وقد أدى أدوارها مسرحيون محترفون آنذاك أمثال: عبد القادر مطاع، نعيمة المشرقي، الشعيبة العذراوي، محمد الحبشي، صلاح الدين بنموسى، الطيب الصديقي، ومصطفى باخالق الذي سبق أن انضم للمشاركة في ملحمة المغرب واحد بمعية محمد مفتاح
في هذه المسرحية ارتديت وزرة زرقاء بحكم أنني كنت أشتغل تقنيا مع تقنيين محترفين، من ضمنهم من التحق بهذا العمل منذ أن افتتح المسرح البلدي سنة 1928• وقد استفدتُ من هذه المرحلة بشكل إ يجابي بحكم طبيعة التكوين الذي كان آنذاك، والذي يعتبر تكوينا حقيقيا بكل المقاييس• وبحكم وظيفتي كتقني آنذاك، كنت أحضر العروض الخاصة “بالباليهات” والأوبرا لفرق أوربية محترفة، لأن المسرح البلدي كان يعرف حركية قوية في هذا المجال طول السنة• كما كانت تقام على هامش كل عمل ندوة خاصة بالأعمال المسرحية المعروضة، في الوقت الذي كانت فيه الفرقة تتمرن على مسرحية “مدينة النحاس”، أَوْكل لي الطيب الصديقي دوره “البوهالي”، بحكم انشغالاته كمدير للمسرح، وهكذا بدأت أتمرن على هذا الدورالذي كان كبيرا ومهما بالنسبة إلي خاصة أمام عمالقة آنذاك، فقلت للطيب الصديقي سأحاول أداء هذا الدور، فرد علي: “ما كاينش المحاولة”
انخرطت في التداريب: “وسهل الله”••• وفي أحد الأيام صرحتْ الشعيبية العذراوي، التي كانت تؤدي دور “عشيقة” “البوهالي” كيف “نْتَّعْشَقْ في برهوش” في إشارة إلى الدور الذي كنت أؤديه وأنا صغير السن•••
تحكي مسرحية “مدينة النحاس”، عن مدينة “الفايزة” التي تهدمت فالتجأ إليها عاملان كانا يشتغلان بالمدينة، وتحكي أيضا أن أحد العاملين كان يطالب بحقوقه كاملة بينما الآخر يتملكه الخوف والوجل، وغير قادر على التعبير عما يخالج صدره من ظلم وجور، حين يتم الوصول إلى هذه المدينة، يكتشف العاملان وجود رجل مُعاق بمعية ابنته، تقٌوده خادمته على كرسي متحرك، ورجل آخر “بوهالي”، فأصرّ العاملان على اكتشاف أسرار هذين الرجلين، وهُنا يبدأ الصراع على أشده ما بين “البورجوازية” و”الطبقة الكادحة”
“فالبُوهالي” في الأصل هو صاحب الأرض، وقد تمّ انتزاعها منه غصبا، في حين أن الرجل المعاق يحيل على البورجوازي الذي لايقدِر على الحركة إلا إذا كان هناك من يساعده