عصام البيض
تعرفني هذه الأزقة الضيقة والجامع الكبير والمدارس، تعلم بوجودي المقاهي والمجالس وحدائق الإنتظار، تنفست الحياة ها هنا بين الستائر والخيام، دخلت فصول العلم والمرق في محفظتي، كم لعبنا ونحن جياع في الساحات، كم تناولنا من سيجارة بها سموم، وسمعنا لناس الغيوان وثملنا، والمعرفة تعرفنا وأبناء الحي متحضرون، شربوا من أنهار أجدادهم ونهلوا المكارم، كان هذا الحي محطة كبرى ومحجا للملوك، زادنا فخرا والممثل على المسرح جاري العزيز، الأسياد منا قد تبوأوا المناصب وارتقوا في السماء، جميلة ليالي السمر مع نجوم السمر، عساس الأمس رجل أمين شريف، عساس اليوم كلب مسعور تستعمله النساء، وإفترقنا بعدما كبرنا وعدنا وإلتقينا، نسائل جدران الملاعب وكراسي السينما، نستفسر عنها تلك العجائز لا العاهرات، خالتي فرنسا تدرك مواقع الفحول، إنما نحن أبناء الوطن والسماء تشهد، المركز نحن واللاحقون بنا لاجئون أعراب، فروا من الجوع ومن هول الفيافي، زاحمونا في المدارس والمكاتب وفي الأسرة، ولا يلدون إلى سحتا أو طائر ظلام، ليسوا يشبهوننا أبدا مهما حاول الغراب، إنما نحن الأصل وما تبقى تقليد، تبا له من تقليد…ولدت هنا والرفيسة والحلاق الشهير، حتى مخافر الشرطة تذكرني، كم شربنا من ماء الحياة وأحببنا الحياة، من قبل غزو الجراد من أرض الجراد، قد تغير الحال وتحكم فينا المنحط والقحبة، ولست غريبا وما كنت من اللاجئين، فالوطن للجميع والعار للاحقين…تحية عطرة تطوي تحتها كل المعاني، يفقها إبن الحي المحمدي لا سواه