كمال وابران
كثيرة هي المغالطات التي تتهم بها الفلسفة في كل زمان ومكان. وفي كثير من الاحيان ما نسمع جماعة من الناس ترشق شخصا ما بأنه يتفلسف وهم يقصدون بهذا المعنى أنه كثير الكلام والفهم. وهذه شبهة وتهمة قديمة قدم الفكر الفلسفي نفسه. حيث نجد من بين التهم التي اتهم بها سقراط ضحية الفلسفة الاولى. بالاضافة الى إفساد عقول شباب أثينا. انه ينظر في أمور تقع فوق السماء. وأخرى تحت الارض. وقد حكم عليه بمجموع هذه التهم بالموت. هكذا نجد أن حقل الفلسفة وفعل التفلسف مليء بالمخاطر قد يلف حبل المشنعة حول صاحبها. وضحايا العقل والتنوير هم كثير عبر التاريخ. فهناك كوربرينكوس الذي نادى بكرونة الارض في القرن السادس عشر والذي حكمت عليه الكنيسة بالإعدام على هذا فالفلسفة مرفوضة من قبل السواد الاعظم من الناس والانظمة كذلك
يعود أصل هذه الحكمة (الفلسفة) الى الاغريق على الرغم من ان افلاطون قال بانه بحث ولم يجد لها جدر في اللغة اليونانية وانما هي وافدة من القبائل البربرية المجاورة لليونان. وهي تعني محبة الحكمة. فالحكمة في نظر الاغريق من اختصاص الالهة فقط نظرا لصفاء ذهنها وتفكيرها المتعالي عن المادة. بخلاف العقل البشري المشوش بالحواس وبهواجس النفس وتقلباتها على هذا فالفيلسوف يكفيه ان يكون محبا للحكمة يدور في فلكها مقتبسا من نورها
والفلسفة كما جاء في كثير من التعاريف هي طرح التساؤلات ومحاولة الوصول الى الماهياة. وللحقائق العقلية المجردة. فالعقل المختلط بالاسطورة والخرافة كهف مظلم مأوى ومرتع للخفافيش على اختلاف أشكالها وأنواعها. فهناك خفافيش الاخلاق وخفافيش السياسة ووطاويط الدين والمعرفة. وفي شتي مجالات الحياة والوجود هناك دهليز مظلم مليء بالارواح الشريرة تجتهم على الإرادة وتخنق القدرة على بلوغ الانسانية لكن هل من دور للفلسفة اليوم قد يسأل سائل وسط هذ الكم اللامتناهي من الاختراعات الابتكارات. للاجابة على هذا السؤال يكفي النظر الى حجم وكمية النفايات التي تنتجها هذه الحضارة. حضارة القرن الواحد والعشرين. حضارة الاستهلاك واإنتاج النفايات بامتياز. حيث على الفرد أن لا يتوقف عن الركض حتى لا يجد نفس في سلة المهملات
من تم في مكب النفايات فبعد ان ابتكر الانسان التقنية لم يعد يسيطر عليها بل أصبح تابعا خاضعا لها. هذا الذي خصص له الفيلسوف الالماني هيدغر نقاشا والذي يعتبر مرجعا مهما في موضوع ماهية التقنية التي أدت الى ابتعاد الانسان عن الوجود وبالتالي فقد ماهيته وسعادته وتصالحه مع ذاته. ذلك الوجود الذي انطلق معه فعل التفلسف الاول مع طاليس الذي قال بوحدة الوجود وأن أصله مادة واحدة هي الماء على الرغم من أنها فكرة بسيطة غير أنها خطوة عملاقة في مواجهة غول الخرافة والاسطورة
على هذا فالفلسفة سراج العقل ومصباحه الذي يستنير به في مواجهة الجانب المظلم من الوجود والذي يكلفه الكثير إذا ما سيطر عليه