#أخبارفن وثقافة

نجاح رهانات المسرح والجنون بعقلانية الإبداع المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء

  • أحمد طنيش

الحدث زمانا وأمكنة وأرقاما:

عاشت الدار البيضاء في الفترة الممتدة من 1 إلى 7 يوليوز 2024، برعاية سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، لحظات ابدع وفن وتواصل شبيبة العالم وتلاقح الثقافات، من خلال المسرح والمحترفات التكوينية في مهن وفنون المسرح بتأطير فعاليات وطنية ودولية، بمناسبة المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء، برئاسة: د. إبراهيم فدادي، عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بن مسيك، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، حيث تحولت المدينة في هذه الفترة الزمنية وخلال أسبوع إلى عاصمة المسرح الجامعي ومؤتمرا ثقافيا ومسرحيا فوق العادة شعاره “المسرح والجنون”، وهي التيمة التي طرحها المسرح بجنون إبداعه لمحاورة العقل والعقلانية من وجهة نظر وإطلالة أخرى مخالفة، وقد جاء اختيار هذا الشعار احتفاء بالدورة 36 التي استحضرت جناح بمستشفى ابن رشد المتماثل في المخيال البيضاويين باسم نزلائه من الفئات التي تعاني إشكاليات نفسية وعقلية، وقد عرف المهرجان عروض مسرحية طلابية قدمتها الفرق الجامعية الدولية والمغربية من خلال مبدعين شباب يقارب عددهم 130 طالبة وطالب، ونظم المهرجان مائدة مستديرة شخصت وبحثت في العلاقة الجدلية بين المسرح والجنون شارك فيها 10 فعاليات من عالم الفكر والبحث الأكاديمي وممارسين للفعل المسرحي والطب النفسي، من داخل المغرب وخارجه.

تتبع فقرات المهرجان جمهور متنوع يقدر بـ 3000 آلاف متلقي وأكثر من ضمنهم المهرجانيين وعموم الجمهور، كما وزعت العروض المسرحية وأنشطة المهرجان على جغرافية  موسعة عبر الدار البيضاء وجهتها، وقد عرفت هذه الدورة انفتاحا، على مدينة بنسليمان، ومدينة الجديدة، ولأول مرة كان الانفتاح على السجن المحلي عين السبع 1، حيث قدم عرض مسرحي لصالح نزيلاته، ونسجل بفخر وبشكل إيجابي أهمية تنويع فضاءات على أحياء شعبية وأخرى متوسطة وغيرها: المركب الثقافي مولاي رشيد، فضاء عبد الله العروي بكلية الآداب بنمسيك، مسرح محمد السادس، المسرح الكبير ببن مسيك، استوديو الفنون الحية، مسرح بن سليمان، مسرح عفيفي بالجديدة، ومسرح سجن عين السبع 1، للنساء، وتشرف المركب الثقافي مولاي رشيد الفضاء التاريخي للمهرجان، بحفلي الافتتاح والاختتام، وكأن المنظمين ضربوا موعدا بهذا الفضاء يوم حفل الافتتاح الإثنين 1 يوليوز 2024 لإعلان الحدث وعادو في حفل الاختتام السبت 6 يوليوز 2024، إلى نفس الفضاء للاحتفاء به والتصريح للمهرجانيين وعموم المتلقين، أن المهرجان كان وفيا لما صرح به وها هو في الاختتام الدورة 36 يحتفي بالمسرح وشبابه وأهله ويعلن عن استمراريته وعن الدورة المقبلة وعدها سيصل إلى 37 سنة في خدمة المسرح الجامعي للتنزيل الفعلي للشعار المؤسس تلاقح الثقافات وحوار شبيبة العالم بالفن والإبداع، ويواصل المهرجان تاريخه ليكون يوم الأحد 7 يوليوز 2024، الاحتفاء بالذات والموضوع والخروج في زيارة سياحية للمدينة واكتشاف البيضاء التي تسكن المخيال الوطني والدولي من خلال الديبلوماسية الموازية التي لعبها تاريخ البيضاء وما زال يواصل الرسالة، والمهرجان ينخرط في هذا المنحى، بدعم من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، ومجلس جهة الدار البيضاءـ سطات.

تقييم لجنة التحكيم:

صرحت لجنة التحكيم، المتكونة من فعاليات متعددة التخصصات بين الممارس والممثل والباحث والأكاديمي برئاسة، يوجينا كانو، وعضوية كل من: حياة زيراري، سناء عاصف، وآلان شوفاليي وخالد لحلو، أنها استشعرت قيمة هذا الحدث على عدة مستويات فنية وإنسانية وثقافية، واعتبرت هذا المهرجان تجربة إيجابية ومثمرة، تتيح التبادل والتلاقح بين الثقافات والحضارات والشعوب من خلال المسرح. كما تتيح اللقاء مع الجمهور المتنوع، مكونا من طلبة وأساتذة وفنانين وموظفين وجمهور عام، وعاشقين للمسرح لاكتشاف واستكشاف تجارب مسرحية مختلفة، والتفاعل مع إبداعات متنوعة لكون المسرح هو قبل كل شيء مناسبة اللقاء والتجمع والحوار، وإرساء وتعزيز العلاقات الإنسانية وحيوية الحياة.

كما صرحت اللجنة أنها على مدى خمسة أيام، تابعت عن كثب العروض المسرحية من مصر وإندونيسيا وألمانيا وإسبانيا وكوريا الجنوبية، وأرمينيا، ومن كليات مغربية  وحرصت على تقييمها بناءً على معايير نقدية، مسلطة الضوء على تميز الأعمال المتنافسة للدورة ولاحظت أن العروض المسرحية المشاركة في هذه الدورة السادسة والثلاثين عرفت تفاوتا ملحوظا في المستويات الفنية والإبداعية، وعكست فارقًا واضحًا في مستوى إتقان آليات العرض والمشاهدة المسرحيين. ومع ذلك وبصدق كانت بعض العروض المسرحية ذات قيمة جمالية عالية حيث تم تلبية شروط المتعة والبناء الدرامي الجاد، من تم نوهت اللجنة بكل المشاركين واعتبرهم  فائزين مسبقا من خلال شرف المشاركة، حيث بذلوا جهودًا ملموسة لبناء عروضهم المسرحية وتقديمها للجمهور بحب وتطوع وإيمان بالرسالة النبيلة لهذا الفن العظيم في هذه الدورة التي تعكس بوضوح أشكال متعددة للمسرح الجامعي على مستوى العالم ، مع اختلاف شروط الإنتاج والإبداع التي تختلف من دولة إلى أخرى ومن جامعة إلى أخرى، ومن مجموعة إلى أخرى، هذا التنوع الذي يؤخذ في لحظات التقييم بعين الاعتبار.. بناء على هذا التشخيص قدمت لجنة التحكيم توصياتها في ثلاث نقط مركزية هي كالتالي:

ـ ضرورة دعم اللجنة بملف عن الفرق المسرحية الجامعية وشروط الإنتاج والإبداع؛

ـ العودة إلى تنظيم اللقاءات التفاعلية بين الفريق الفني للعرض والجمهور مباشرة بعد كل عرض؛

ـ الإشارة إلى أن المسرح فن يدافع عن القيم الكونية التي تشمل احترام كرامة الإنسان؛ لذا لا يبرر العنف ضد النساء، التي عرفتها بعض العروض المسرحية.

لحظات الاحتفاء بالذات والحدث:

قدم حفل الاختتام من طرف المهرجانيين والطلبة وكل من استفاد من المحترفات التكوينية، لوحات فنية تعبيرية جماعية بتركيب جمالي وتعبيري واحتفائي بكل اللغات والثقافات والمرجعيات، باعتبار ذلك منجزا وتتويجا للمتكونين، وتحية للمؤطرين، وفرحة بنجاح المهرجان وكسب الرهان.

وتشرف الحفل بلحظة اعتراف وامتنان بجائزة المرحوم، رشيد الحضري: العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك، والذي وافته المنية وهو عميد، وعليه قررت زوجته منح جائزة سنوية باسمه تجاوبت معها اللجنة المنظمة والسيد عميد الكلية رئيس المهرجان الأستاذ إبراهيم فدادي، وكان التوافق أن تهدى هذه الجائزة المالية والاعتبارية باسم المرحوم لعرض مسرحي مغربي، فكانت من نصيب عرض لفرقة كلية الآداب المحمدية، المغرب، عنوان العرض المسرحي: “ملجأ” افتتح به المهرجان حفله الافتتاحي الإثنين 1 يوليوز 2024.

نتائج لجنة التحكيم: لحظات تتويج:

أكدت لجنة التحكيم أن الإبداع يشكل معيارا هاما في اختيار الفائزين، باعتبار أن هذا المهرجان مخصص للطاقات المسرحية الشابة التي يجب أن تتميز بالبحث عن التجديد والابتكار والخروج عن الأفكار النمطية، وهو توجيه ضمني نقدي موجه للمباشرية التي عرفتها بعض العروض، ومن الملاحظ أن الجسد الأوروبي وجسد الفرق الأجنبية فك طلاسيم لغاته في حين مازال الجسد المغربي تحديدا في بعض عروضه التي قدمت في المهرجان، غير متحرر وكأن العازف ما زال لم يتوافق بعد مع آلته، من تم أتت نغمته شيء ما غير مكتملة، ناهيك عن المواضيع ومطلب انخراط العرض المسرحي الجامعي في مرحلة ما بعد الدراما التي تغزوا الآن العروض المسرحية التجريبية عبر العالم، لكون المسرح الجامعي مطالب بأن يكون تجريبيا ومطالب بأن يقدم رؤاه وجديده وتصوراته الاستشرافية للآتي، وعليه جاءت النتائج كالتالي:

ـ جائزة السينوغرافيا: عادت لجامعة عين شمس،  دولة مصرـ عن عرضها المسرحي: سالب صفر

ـ أحسن دور نسائي: لدولة أندونسيا، للممثل أرفيزياتو رحمي، عن العرض المسرحي: الفلك الذي يظل صامتا.

ـ كان أحسن دور نسائي مناصفة: للممثلة إيمي مع دولة أرمينياـ عن عرضها المسرحي: مخاطرة

ـ أحسن دور رجال ومناصفة: لممثلين شاهر ومحمود توفيق من دولة مصر، عن عرضهم المسرحي: سالب صفر

ـ أحسن إخراج: للمخرجة هانا كيم كوريا الجنوبية، عن عرضها المسرحي: أي إيون، جنون الحب.

ـ جائزة لجنة التحكيم: ألمانيا، عن عرضها المسرحي: والديمقراطية، اللعنة.

ـ الجائزة الكبرى: عادت لدولة مصر، عن عرضها المسرحي المتميز والذي أبانت فيه الفرقة الجامعية من عين شمس عن قدرة كبيرة على المستوى الفني وإبداعي وتشخيصي وتعبيري، ويشار أن مسرحية “سالب صفر” لمصر نالت قناعة لجنة التحكيم والجمهور.

“سالب الصفر”، كسر المعادلة وكان الكاسب لأهم جوائز المهرجان وللجائزة الكبرى:

توفقت مسرحية “سالب صفر” لفرقة جامعة عين شمس المصرية من إخراج إسلام خالد، بأن تبعث انشتاين والخوازرمي من جديد في المهرجان الدولي للمسرح الجامعي للدار البيضاء في الدورة 36 “المسرح والجنون”، هذا العرض المسرحي الذي ناقش إشكالية ﺍﻻﻛﺘﺌﺎﺏ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻮﺍﺯﻥ ﺍﻟﻨﻔﺴﻲ ﻟﻠﺬﺍﺕ والآخرين، عن طريق عالم الفيزياء والعلوم الطبيعة، الذي توصل بشكل عبقري إلى اكتشاف شريحة يمكنها أن تزرع بداخل الإنسان لتتحكم في مشاعره وأخلاقه وتوجيهها نحو الأفضل،  اختراق الاختراع وكانت المساومة في مرحلة سريته وكان الرفض سيما وسيتحول الإنسان بسبب ذلك إلى فأر التجارب.

الصفر هو منطلق وتفسير وتأويل، انطلقت العلوم الحقة به وأجاب عن أسئلة وجودية ورياضية وغيرها، فالصفر هو الحد الفاصل بين الأعداد الموجبة والسالبة، الأكبر من الصفر والأصغر منه، وبذلك يدعونا رقم صفر إلى التفكير فى سيرته قبل اكتشافه وحينها وبعدها، يعتبره البعض مدمرا للنفس، اكتشفه بعض العلوم ومنحته المعنى، للصفر تاريخ وجدود في الأرقام الهندية، وفي القرن الثامن ميلادي أعطاه معناه الملازم لنا وللحضارة والتحول العلمي، العالم المسلم والعربي الخوارزمي، حيث جعله مضاعفا لعدد 10، وحقق بذلك منازلة العشرات والمئات والألف وما بعدها، قبل 4 أو 5 ألاف سنة كان الصفر حاضرا في ثقافة السومريين تم انتقل إلى البابليين سنة 300 قبل الميلاد، وعبر عنه البابليون بفراغ بين الأرقام، وبقي هذا الرقم ينتظر اكتشافه وتطويره وقد عرف خصومات كثيرة من إيديولوجيات وثقافات مختلفة وتم الاعتراف به مع الخوارزمي، ليأتي دور انشتاين، وفتوحات العلم والعلماء، هذا الصفر كان ضيف الدورة 36 للمهرجان الدولي للمسرح الجامعي وكسبت معادلة المهرجان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى