من جديد يجد مسرح البدوي نفسه مضطرا إلى مقاطعة فعاليات مهرجان المسرح العربي، الذي يبلغ هذه السنة محطته الثالثة عشر، بعدما سبق له أن اتخذ نفس القرار سنة 2015.
وجاء قرار مقاطعة هذه الدورة، التي انطلقت يوم الثلاثاء 10 يناير 2023، احتجاجا على السياسة الاقصائية التي تصر مديرية الفنون بوزارة الثقافة، الجهة الموكول إليها أمر تنظيم هذه الدورة التي يحتضنها المغرب، على التعامل بها مع مسرح البدوي، ضاربة عرض الحائط كل الجهود والإنجازات التي بصم عليها مع مؤسسه، الأستاذ عبد القادر البدوي رحمة الله عليه، ومازال عطاؤه متواصلا تحث قيادة الجيل الجديد لهذا المسرح، الذي يحتفل هذه السنة بالذكرى السبعين لتأسيسه.
إن مسرح البدوي يستنكر هذا الحيف الذي يتعرض له من طرف مديرية الفنون بوزارة الثقافة، التي لا تدخر جهدا في تغييبه عن كل الأنشطة التي تنظمها، وكأنه لا يضم في صفوفه أطرا ذات تكوين أكاديمي عالي المستوى، أطر تركت بصمتها في الدول التي تكونت فيها، وحرصت على وضع خبرتها المجالية والأكاديمية في خدمة المسرح المغربي، رغم الإغراءات التي وضعت بين أيديها في الخارج، لكن غيرتها الوطنية، جعلتها ترفض وتختار العودة إلى بلد الجذور والأصل.
إن مسرح البدوي يرفض أن يتحول إلى مجرد كومبارس لتأثيث الفضاء، ويصر على أخذ المكانة التي يستحقها، كفرقة محترفة ذات مرجعية نضالية، تصنف حاليا ضمن التراث اللامادي الوطني، ويرفض أن يصنف ضمن فئة المطبلين والمصفقين للسياسة الثقافية المعاكسة التي تتبناها مديرية الفنون، ويرفض حرمانه من المشاركة، ليس في هذا المهرجان فقط، وإنما في جميع التظاهرات الفنية والثقافية والمسرحية.
ويستغرب مسرح البدوي إقصاء أطره من تمثيل المغرب في أي حدث مسرحي وثقافي خارج المغرب، رغم تاريخه الكبير وعطائه الوفير، حيث بات يشكل جزءا من الذاكرة الثقافية الوطنية والعربية والإفريقية، من خلال فكر مؤسسه عميد المسرح المغربي الأستاذ عبد القادر البدوي، الذي تصر مديرية الفنون بوزارة الثقافة على الاحتفاظ باسمه في مقدمة لائحة المنع، حتى بعد رحيله!.
لقد سبق لمديرية الفنون أن رفضت مشاركة الأستاذ عبد القادر البدوي في ندوة فكرية خلال دورة سابقة لمهرجان المسرح العربي في المغرب سنة 2015 ، احتفاء بمئوية المسرح المغربي، الأمر الذي دفعه رحمه الله، إلى رفض تكريم المهرجان، وقاطعه مثلما قاطع غيره من التكريمات الباهتة، لأنه كان يرى أن تكريم الرواد أكبر من الأغلفة المالية، وأن التكريم الحقيقي لهؤلاء الرواد يتحقق بنشر فكرهم وصيانة ذاكرتهم الثقافية والفنية في متاحف وطنية، ما يؤدي إلى التعريف بعطائهم وتحقيق الامتداد الحضاري بتواصل الأجيال، وليس عبر القطيعة مع الجذور والتراث ومسخ الهوية وطمسها، لأن نهضة الشعوب تتأسس على القراءة الجيدة للتاريخ، أو كما قال عميد المسرح المغربي عبد القادر البدوي، رحمة الله عليه، في كتابه سيرة نضال “من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له “.
إن مديرية الفنون بوزارة الثقافة، وهي تستبعد مسرح البدوي من المشاركة بعرض مسرحي ضمن العروض المسرحية المغربية المشاركة خلال هذه الدورة من مهرجان المسرح العربي، وإصرارها على إقصائنا كفنانين محترفين وكأطر فنية أكاديمية عليا، تخرجت من كبريات الجامعات المسرحية العالمية والعربية، من المشاركة في الندوات الفكرية كأساتذة ومتخصصين في هذا المجال، وحرماننا من تقديم ورشات متخصصة ضمن فعاليات المهرجان هو حصار فكري، غايته منعنا من التواصل مع الفنانين والمفكرين العرب، وخلق جسور التلاقح الفكري، لما فيه مصلحة أبي الفنون وطنيا وعربيا، ومنعنا من التواصل مع الفنانين الشباب، الذين بات معظمهم يجهل تاريخه الثقافي والفكري والمسرحي، فكيف سينفتح على العالم ويخلق حوارا حضاريا مع الآخر، ناهيك عن استبعاد آخر إصدار لفقيد المسرح المغربي، الأستاذ عبد القادر البدوي “سيرة نضال” من أي حفل توقيع بالمهرجان، وهو كتاب ذو قيمة علمية كبيرة.
وختاما، ينبه مسرح البدوي إلى أن مديرية الفنون، وهي مؤسسة عمومية تمول من المال العام، ما فئت تمارس جميع وسائل محو ذاكرة وتراث عميد المسرح المغربي عبدالقادر البدوي وتغييب فكره حيا و ميتا عن كل التظاهرات المسرحية الوطنية والعربية والدولية، آخرها المهرجان الوطني للمسرح بتطوان حيث تعمدت عدم الاحتفاء بعبد القادر البدوي، وإطلاق اسمه على هذه الدورة، لأنه قبل أن يكون أحد اعلام الثقافة و المسرح المغربي، هو فنان مغربي ابن طنجة والحسيمة، مكرسة بذلك منطق توريث التهميش والإقصاء، الذي مورس على عبد القادر البدوي، ويطال حاليا ابنتيه الفنانتين حسناء البدوي، خريجة جامعة هانتر كاليدج بالولايات المتحدة الأمريكية قسم دراما نيويورك رئيسة مسرح البدوي حاليا وكريمة البدوي، خريجة أكاديمية الفنون بمصر المديرة الفنية لمسرح البدوي، لأنهما تحملان اسم “رجل لازال فكره مزعجا للبعض”، مع العلم بأنهما، قبل أن يكونا بنتا عبدالقادر البدوي، هما بنتا الشعب، درستا في التعليم العمومي وكافحتا من أجل متابعة دراستهما في الخارج، على غرار جيل من الأطر المغربية، وعادتا إلى أرض الوطن بدعوة ملكية، كي تساهما في رسم السياسة الثقافية والارتقاء بالمشهد الفني والثقافي والمسرحي المغربي، كقيادات ثقافية وطنية ذات خبرة أكاديمية ومهنية في إدارة القطاع الثقافي والفني.