وحيد مبارك
مرت 9 أيام على آخر اجتماع عقدته السيد الوالي في مقر الولاية الفسيح، بحضور وزيرين وعدد من المسؤولين الممثلين لقطاع الصحة من مستويات مختلفة، على إثر البلاغ الحكومي الذي قضى بسنّ ترتيبات جديدة من أجل مواجهة المدّ التصاعدي للجائحة الوبائية بجهة الدارالبيضاء سطات، وتحديدا بعمالة الدارالبيضاء، إن على مستوى الإصابات أو الوفيات.
اجتماع، تم خلاله التعهد والإعلان عن تسطير جملة من التدابير لمواجهة واحتواء الوضع. فما الذي تغير ونحن نقترب من انتهاء المدة التي سطّرتها الحكومة المتمثلة في 14 يوما؟ هل تم فعلا تفعيل تلك الإجراءات الوقائية التي تم الإعلان عنها بحذافيرها في مدينة تشهد تسجيل إصابة أكثر من 50 حالة لكل 100 ألف نسمة، وهو أعلى معدل؟ هل تراجعت أعداد الحالات المؤكدة الجديدة، ومعامل الانتشار يرتفع؟ هل تقلّص عدد الوفيات ونسبتها المهولة، إذا ما تم الاحتساب الفعلي باعتماد النسبة من بين مجموع الحالات الخطيرة؟ هل تنفّس مهنيو الصحة الصعداء؟ هل تراجعت نسبة ملء أسرّة الإنعاش؟ هل تم التكفل المبكر فعلا بالمرضى؟
الأكيد أنه لم يتغير أي شيء، ولم يلمس البيضاويون والبيضاويات أي تحسن، فأرقام الجهة الوبائية في ارتفاع متواصل، مرضا ووفاة، وخاصة في العاصمة الاقتصادية، وأغلب وسائل النقل لم تحترم العمل بنصف الحمولة، وعدد كبير لا يضعون الكمامة بشكل سليم، أو أنهم يتركونها بشكل كلي، ومجموعة من فضاءات التجارة تعج بالمتبضعين إلى وقت متأخر، والتنقل الليلي لم يعرف أي حظر، والأزقة والدروب ظلت مكتظة، واستمرت التجمعات وتواصل معها انتشار الفيروس.
إنه الواقع القاتم الأليم والمرير، الذي تؤكده الدموع التي يذرفها مواطنون لم يجدوا لقريب لهم سريرا في مستشفى، ولم يتمكنوا من الخضوع لاختبارات الكشف عن الفيروس باعتبارهم مخالطين، وعددهم كبير، وترسخّه دموع مهنيي الصحة الشرفاء الذين أبلوا البلاء الحسن في المؤسسات الصحية، لكنهم رفعوا في نهاية المطاف الراية البيضاء معلنين عن انهزامهم أمام هذا الوضع المستفحل يوما عن يوم. مهنيون يتألمون في صمت خلف الأضواء وبعيدا عن المجالس الرسمية، وانضافت إليهم ممثلة المديرية الجهوية التي لم تقدم أي نقطة ضوء أو فسحة أمل وهي تذرف الدموع كذلك، في دورة رسمية، التي تغني عن أي تعليق أو تعبير أو شهادة، وتقدم خلاصة ما تعيشه المنظومة الصحية اليوم من ترهّل!
خلال هذه المدة القصيرة، أستاذان جامعيان فارقا الحياة بكل من كلية عين الشق وبن امسيك، بسبب الفيروس، وهناك بكل أسف من يتشبث بإجراء امتحانات حضورية معرَّضا أستاذة وأطرا وطلبة وأسرهم للخطر المحتمل والموت الوشيك بسبب الفيروس.
خلال الأسبوعين الأخيرين، تعرض العديد من المدراء والأساتذة والمعلمين بالدارالبيضاء للإصابة بالفيروس، الذي تتسع دائرته بالوسط التعليمي ويتسلل في صمت بين الأسرة التربوية.
خلال هذه الأيام القليلة، سقط أطباء وممرضون وتقنيون للصحة بعدد من مستشفيات العاصمة الاقتصادية ضحايا للفيروس، تاركين زملاء لهم لوحدهم في ساحة المعركة، في مواجهة المزيد من الأعباء والضغوط.
في هذه الظرفية، أصيب حراس للأمن الخاص بعدد من المؤسسات والإدارات، وهم يواجهون ويتعاملون مع المرتفقين ومع أفواج المواطنين، ومع الفيروس المحتمل قدومه من أبسط السلوكات ونقلوه لغيرهم.
مرضى هنا وهناك، موتى هنا وهناك، ولم نر ولم نسمع وقعا وأثرا لأية استراتيجية فعلية. المستشفيات باتت تتخلص من اختصاصات طبية أخرى، على حساب مرضى آخرين، لكي تواجه الجائحة ومخلّفاتها، وهو ما يعني التسبب في مضاعفات صحية وخيمة للغير وفي وفيات إضافية. يتم الحديث عن أسرّة وأجهزة، ولا أحد يتحدث عن الموارد البشرية التي ستشرف عليها وستتكفل بتتبع الوضعية الصحية للمرضى، توظيف الخريجين العاطلين غير وارد، الأطباء العامون بالقطاع الخاص خارج دائرة الدعم والمساندة، الموارد البشرية الخاصة أعلنت تكفلها بمرضى يعانون من أمراض أخرى، دون أن توضح وزارة الصحة من خلال مديريتها الكيفية والمسطرة التي يجب اتباعها، الصيدليات رغم حضورها في كل الأحياء لم تتم الاستفادة من خبراتها وتجربتها، المراكز الصحية تعيش الفوضى وغياب مسارات تفصل بين الراغبين في تلقيح أطفالهم والمستفيدين من برامج صحية مختلفة ومرضى السكري وغيرهم وبين المحتمل إصابتهم بالكوفيد، وحتى الاختبارات السريعة التي يتم القيام بها، والتي تكشف عن إصابة البعض وتعافيهم دون علمهم بذلك، لم يتم تقديم أية معطيات رقمية بشأنها، للوصول ولو إلى تصور نسبي عن النسبة الممكنة لانتشار العدوى، ومدى حضورها جغرافيا من منطقة إلى أخرى، شأنها في ذلك شأن المعطيات الرقمية المتعلقة بالوفيات، التي تظل مجرد أرقاما جافة؟
إنها حقيقة الوضع الوبائي المأساوي، الذي تزداد هوّته اتساعا، ويعزز المرضى في وضعية خطيرة قائمة المصابين به يوميا، والذي يحتاج إلى دينامية حقيقية وتفعيل عملي للتدابير الوقائية، المتمثلة في منع كل أشكال التجمعات، والتنقل إلا للضرورة الأكيدة، وتطبيق حظر حقيقي للتجوال في مواعيد معينة، والحث على العمل عن بعد لمن يمكنهم ذلك، في الإدارات العمومية وفضاءات العمل المختلفة، لأن تطبيقا صارما من هذا القبيل لمدة 14 يوما، أهون من مشاهدة الجثث يوما عن يوم، وأرحم من لوعة فراق الأقارب، ودموع الثكالى واليتامى، فكل المؤشرات الرقمية تؤكد على أن الولوج إلى العلاج لم يعد بالأمر الهيّن والسلس، وبأن منطق الاختيار أو وضع مرضى بغرف تفتقد للتجهيزات التي يحتاجون إليها، بات أمرا واقعا، في انتظار موت حتمي.
السيد والي جهة الدارالبيضاء سطات، الدارالبيضاء تحتل الصدارة في لائحة سوداء، لائحة المرض والموت، المحمدية تسجل أرقاما مرتفعة هي الأخرى مقارنة بتعداد سكانها، سطات تعرف تفشّيا للفيروس، الجديدة، برشيد وغيرها… سائر تراب الجهة يئن، المواطنون يترقبون الفرج، ينتظرون تواصلا يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات هذه المناطق واختلافاتها السلوكية، مهنيو الصحة يتعلّقون بقشّة أمل، المجتمع المدني ينتظر أن يكون شريكا فعليا في مواجهة الجائحة والتحسيس والتوعية، بعيدا عن منطق توزيع كمّامة. الكل يترقب إجراءات واقعية ملموسة، لتطويق الجائحة والتقليص من نسب الإصابات والوفيات، وضمان استمرار الحياة والدينامية الاجتماعية والاقتصادية بشكل عقلاني، بما يسمح بدوران عجلة الإنتاج لكن مع الحرص على التدابير الحاجزية الفعلية لتقليص احتمالات انتشار العدوى.
السيد الوالي، إن المسؤولية في كل المستويات، ترابيا، صحيا، تربويا وتعليميا، اقتصاديا، تقتضي التدخل العقلاني والعاجل، لأنه ليس من الطبيعي أن ينظر أحد لما يقع من تدهور للوضعية الوبائية بعين الرضا، أو برؤية المتخوف المتوجس، أو بمنطق المرؤوس الذي ينتظر تعليمات الرئيس، بل يجب الاجتهاد في تقديم الحلول، وهي ممكنة، فما نجحنا فيه بالأمس يمكننا أن ننجح فيه اليوم، فقط نحتاج إلى إرادة فعلية. فهل تتخذون تدابير جديدة فعلية أقوى لحماية المواطنين والجهة، من سيناريوهات تتبعناها جميعا بعد أن عاشتها دول أخرى، ولا نريد بأي شكل من الأشكال أن نعيشها في بلادنا؟