وحيد مبارك
قد يشكّل “علي” للبعض رقما، إلى جانب أرقام أخرى، لضحايا تسبب فيروس كوفيد 19 في وفاتهم، لكنه بالنسبة للبعض الآخر، هو إنسان كان من الممكن أن يعيش وأن يتم إنقاذه وأن يتجاوز محنته. “علي” الذي ظل دوما متسلحا بالأمل متشبثا بالحياة، رغم إصابته بالقصور الكلوي المزمن الذي أنهكه والذي كان يفرض عليه مصاحبة آلات التصفية، ومع ذلك كان يشقّ طريق الحياة بإصرار، مستعينا في ذلك برفيقة دربه وشريكة عمره، ويمنحه حب ودفء أسرته الصغيرة الأمل لكي يظل إلى جانبهم.
منذ حلول الجائحة، ظلت أسرة “علي” وفيّة لكل التدابير الحاجزية الوقائية، حريصة على التقيد بحذافيرها، لأن عوامل الاختطار متوفرة تحت سقف البيت، ولم تكن مغادرته تتم إلا للضرورة القصوى، مع وضع الكمّامات واحترام التباعد الجسدي، لكن رغم كل الحرص الشديد، تسلل الفيروس في غفلة ما إلى داخل المنزل وأصاب الزوجة المناضلة، التي تم نقلها إلى مؤسسة صحية بالدارالبيضاء، يوم الأربعاء الفارط، وبعد يومين اثنين ارتفعت درجة حرارة “علي” وأصيب بالإنهاك، وظهرت عليه جلّ علامات الفيروس اللعين، فتم ربط الاتصال بكل الأرقام المتاحة والمصالح الممكنة، للتكفل به وقائيا بشكل مبكر، لكن كان الجواب أنه يجب التريث وانتظار نتيجة اختبار الكشف بـ rtPCR، وظل المريض على حالته إلى غاية صباح الإثنين، أي لمدة 3 أيام أخرى بعد ظهور الأعراض، ولا أحد يدري كم استغرق الفيروس في جسمه دون أن يفصح عن تواجده، دون دواء أو القيام بأي إجراء؟
خلال تلك الفترة غاب “علي” عن الوعي مرات عديدة، وجرى نقله يوم الإثنين إلى مستشفى بوافي ثم السقاط، مرفوقا بفلذات أكباده، الذين كانوا يطبعون ابتسامة على محيّاهم ضدا عن ألمهم الشديد حتى يمنحوه الأمل، وهم في أمسّ الحاجة إلى البصيص منه، خاصة حين كان يقع من بين أيديهم أرضا. ظل “علي” على تلك الحال لساعات طوال النهار، إلى أن أجرى فحص تخطيط القلب وفحوصات أخرى وتم إرجاعه إلى مستشفى السقاط بعين الشق، وهناك ظل ينتظر خارجا، على أمل أن يتم العثور على سرير بمصلحة للإنعاش، إلى غاية غروب الشمس، دون أن تتحقق “الأمنية”، فتقرر الاحتفاظ به في المستشفى رفقة إبنته المصابة هي الأخرى بالعدوى.
دخل “علي” الغرفة بعد تعقيمها، وهو يرجو أن يتجاوز محنته، وكل أفراد أسرته يمنّون النفس بأن تظل إرادة الانتصار حاضرة لديه، وأن يتسلح من جديد بالقوة الروحية والمعنوية في مواجهة المرض، لكن وضعيته تدهورت، فانتقلت زوجته من المستشفى الذي تتواجد فيه إلى مكانه لكي تتكفل به، لغياب من يقوم بهذا الدور، إلى أن فارق الحياة بين يديها؟
غاب “علي” وغابت ابتسامته وقفشاته وغابت الروح المرحة، ودّعت روحه الدنيا التي كان من الممكن أن تواصل استقرارها في جسده لو تم التكفل به مبكرا، لو تم التعامل مع وضعه بقليل من المسؤولية والجدية، وتمت إحالته على مصلحة للإنعاش والعناية المركزة لبذل ما يمكن بذله في حال وقوع انتكاسة صحية، لكن للأسف غادر الدنيا كما غادرها مريض آخر مصاب بالقصور الكلوي هو أيضا بمستشفى الحسني يوم الإثنين الفارط، وقد يغادرها كل مصاب بمرض مزمن، خاصة في ظل الظرفية الحالية بسبب نسبة ملء أسرّة الإنعاش والعناية المركزة، التي لم يتم الإفصاح عنها بعد، والخصاص فيهما، أو بسبب التهاون أو غيرها من الأسباب الأخرى؟
رحم الله “علي” ورحم كل شهداء كوفيد 19، ورزق ذويهم الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون