لحسن العسبي
ودعت دنيا الأحياء منذ يومين السيدة الفاضلة الحاجة “زروالة مروان”، والدة الإخوة والأصدقاء الأفاضل سي محمد والعربي وهشام رياض، في ما يشبه انطفاء فجائيا للوميض. فقد كانت دوما وميض حياة فعلي، سادرة في هدوء الأمهات المغربيات، البيضاويات الأصيلات. فهذه السيدة، هي نتاج كامل لمعنى تشكل ما يمكن وصفه ب “الهوية البيضاوية”، كونها تنحدر من أصول واحدة من أعرق قبائل مدينة آنفا القديمة (قبائل أولاد حدو الأمازيغية، ذات البأس التليد في التاريخ، الممتزج بين بورغواطة وصنهاجة. وهناك اختارت أن تدفن في مقبرة سيدي مسعود قريبا من عروق روح الآباء والأجداد)
كان أبناؤها الكثر الذين لم تلدهم في حي بورنازيل ينادونها دوما ب “مي مليكة” (من أين اختاروا لها هذا الإسم الشخصي وتركوا إسمها الأصلي البهي “زروالة” التي تعني ذات العيون الزرق؟ هل لأنهم اختاروا لا إراديا أن يتوجوها دوما ملكة في مملكة محبتهم لها؟)، وكانت هي تبسم أكيد في داخلها من تلك الهوية الجديدة التي يطوقونها بها. كانت أما هادئة وسادرة في الكثير من الصبر، ذاك الذي يكون للأنفس الهنية الشبعانة في روحها
توزعت حياتها بين ربى حقول أولاد حدو الخصبة والغنية على ضفاف وادي بوسكورة الشهير، وبين حي فيردان (حين كان الحي ترجمانا لمعنى مديني أصيل في نهاية الأربعينات والخمسينات والستينات)، وبين شقتها الوارفة الواسعة رفقة زوجها الفاضل وأبنائهما في حي بورنازيل
بالتالي، كانت دوما ابنة أصيلة للمدينة، وشاهدة أصيلة أيضا على تراجع قيم المدينة في الدار البيضاء، فكان أن انزوت في ما يشبه صمت الخيبة وهي تعايش توسع البدونة في مدينتها. وكان أثرها التربوي يظهر في أبنائها الذين كبروا على معنى للإعتزاز بثقافتهم “البيضاوية” (من لم يستوعب ذلك لا يمكنه أبدا أن يفهم معنى ما تشكله الدار البيضاء لابنها العربي رياض مثلا من موقع مهنته صحفيا مهووسا بالشأن البيضاوي على مستوى التسيير وعلى مستوى الإنتاج الفني الغيواني والسينمائي والمسرحي)
وداعا زروالة مروان، كنت سيدة فاضلة وستبقين. كنت معنى بيضاويا أصيلا وستظلين.. كنت أما لنا جميعا كقيمة سلوكية وفي خيمتك الرمزية سنظل دوما مستضلين بوافر رطب نخلتك السامقة.. نامي قريرة العين فقد عشت كريمة ومت كريمة