متى تفكر الجهات المعنية في تخصيص ممرات للدراجات عند التصميم والتخطيط للشوارع؟
الأربعاء18 فبراير، كان هو اليوم الوطني للسلامة الطرقية.وتجري العادة فيه أن نستعرض حصيلَ الحملة التحسيسية التي مر عليها حول،لنقيّم تأثيرها ونتائجها
ويساعدنا المخطط البياني في رصد ظاهرة «حرب الطرقات» وتتبع تداعياتها، أهي في تناقص أم في تصاعد، ما يعطينا – آخر المطاف – فكرة عن مدى جدية واستماتة مديرية النقل عبر الطرق والسلامة الطرقية في القضاء على هذه الظاهرة التي تحرم 4 آلاف شخص كل سنة من حق الحياة، وتخلف رضوضا مكلِّفة وعاهات مستديمة، تستدعي نقلها الفوري إلى مستشفياتنا المدنية والعسكرية، أو إلى مستشفيات خارج ربوع الوطن
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه عند كل مناسبة خاصة ب»حرب الطرق»، هو: لماذا ما انفكت بلادنا، تعتلي مرتبة غير مشرِّفة على المستوى العالمي بخصوص التصدي ل»حرب الطرق»، رغم الإمكانات المتاحة، والإرادة المزعومة والدراسات المنجزة والموائد المستديرة والمستطيلة
هل استعصاء ظاهرة «حرب الشوارع» على الحل، مرده إلى سيكولوجية الإنسان المغربي، أم إلى نقص في الثقافة المرورية أم إلى واقع البنية التحتية..من حفر وتزفيت وممرات الراجلين وممرات للدراجات..؟؟؟
عزيز الحلاج
لقد ركزت الحملات التحسيسية دوما، على الحالة الميكانيكية للسيارات (الفرامل-والعجلات والأضواء..)، وحالة السائق (هل هو في حالة تخدير، هل يتكلم في الهاتف..هل يحمل سيجارة، ما يشوش على تركيزه.. هل إلى جواره طفل صغير..هل يستخدم حزام السلامة؟؟؟؟) وكذا على سلوك كثير من المارة الطائشين، الذين يقطعون الطريق من أي موقع شاءوا، غير مكترثين بممر أو جسر خاص بالعبور، باعتقاد خاطئ أن الأسبقية لهم في جميع الأحوال، والمسؤولية كاملة على عاتق السائقين، كما ركزت على مشكلة الحفر التي تؤثث الشوارع بسبب زفت مغشوش تكشف عنه الأمطار كلما هطلت، فاضحة مدى العبث بالمال العام.وفات هاته الحملات، أن تركز أيضا على أن أي وسيلة نقل فردي أو جماعي، يتوجب أن تدخل الشارع برخصة سياقة ولا تساهلَ ولا غضّ بصر،أعني الدراجات النارية، التي يسوقها قاصرون، من غير التوفر على شرط السن القانوني بعلم وتفويض وتشجيع من آبائهم، وعدم اكتراث المسؤولين
إنه لمن المنطقي، أن نتعامل مع «حرب الطرقات» على أنها إشكالية يقتضي حلها حلَّ مجموعة من المشاكل، فقبل أن نسائل السائقين عن مسلكياتهم، وننتقد حالات المركبات الميكانيكية (سيارات-كامييوات)، ونعيب الشوارع التي تطفح ب»ضوضانات»، ما لبث الناس يستفهمون عن الحكمة في أن تكون منثورة بها، عِوض أن تتركز بالشوارع القريبة من المدارس والمستشفيات والمستعجلات، من أجل التخفيف من السرعة والحذر من إصابة أحد، أن نتنبه إلى أن هناك-في غمرة هذه الحلول التي تُقَدم لإيقاف الحوادث- إغفالا تاما لعنصر بالغ الأهمية،أقصد ممرات الدراجات و«التريبورتورات»
فصباح مساء، وبعد كل ظهيرة، وفي أوقات الذروة بوجه خاص، نلاحظ تسابقا بين المركبات والدراجات النارية والتريبورتورات: ضجيج حاد بفعل هدير وكلاكسونات وسائل النقل.الكل يتخذ من الطريق حلبة سباق.. الكل يعاند ويتعنّت لاسيما لما تُعطى إشارة الضوء الأخضر، وبسرعة جنونية، تتسلل وتتخلل الدراجاتُ على اختلافها وسائلَ النقل الأخرى، غير مبالية بأن تكسر مراياها الجانبية أو صدمها من الخلف، دونما احترام لمسافة الأمان أو خدشها، ولايستطيع صاحبها-بطبيعة الحال- أن يتوقف وسط الطريق للاحتجاج، بل من أصحاب هاته الدراجات من يصعد فوق الرصيف، وهو يردف زوجته الحامل وطفلا في الخامسة من العمر مثلا ، مهددا سلامة الراجلين، ويعود بسرعة برق، يُخيل إليه أنه»كوبوي»، ليدخُل الشارع من جديد لاستكمال سيره من غير استعمال منبه أو إشارة ضوئية رغبةَ في الانعطاف. وهناك من أصحاب الدراجات من يقوم صاحبها بحركات بهلوانية مخيفة تحبس أنفاس المارة وسائقي المركبات، ولا خوذةَ ولا وثائقَ،وإنما سماعات ونظارات سوداء وجاكيط «كوير» في الأغلب الأعم..وتهور فاضح لشباب، لا يلتزمون أقصى اليمين بل يتلذذون ب»كلاكسونات»، وهي تملأ الفضاء زعيقا ترتعد له الفرائص، وينتشون بقدرتهم على الاستفزاز والإزعاج وسط الطريق، معرقلين بسلوكياتهم العدوانية تلك، السلامة الطرقية، وكأنما الطريق فضاء لتحقيق احتياج بدني ونفسي،أو مجال للتعبير عن الذات وفرض الوجود،ما يفسرعدم احترام سيارة إسعاف نحو المستشفى أو المقبرة..أو سيارة أجرة أونقل مدرسي أو نقل عمومي أو خصوصي
في هذا الإطار، سألنا الشاب (ي.ج) يركب دراجة نارية صغيرة عن رأيه في عدم وجود ممر لأصحاب الدراجات، فكان رده:» ممرات الدراجات ضرورية جدا. ما فهمت علاش الجهات المسؤولة على السلامة الطرقية ما فكرت ف تخصيص ممر للدراجات، واش حاسبينا سيارات؟»
وذكر (ب.ي): ممرات الدراجات غير موجودة، ماشي غير ف الدار البيضاء.وحتى اللي موجود منها قليلة،وفي أماكن معينة مثل الشارع المقابل لمارشي كريو سباتة، أو المؤدي إلى مرجان/أسيما سابقا ، قرب العمالة.. وشوارع محسوبة على رؤوس الأصابع، والنادر لا حُكم له. آش تقول على مراكش مملكة الدراجات ، ما فيها ممرات إلاّ فْ شوارع قليلة بالنظر لشساعة المدينة. المشكل كاين فْ أن الجهات المختصة ما فكرت فْ هاد الممرات تْدرجها في وقت تصميم الشوارع.. هاهي اليوم تتوسع فْ الشوارع، واش فكرت تتدارك سوء التخطيط ديالها، وتخصص ممرات للدراجات؟
وبدوره أجابنا (ح.ن) وهو صاحب دراجة ثلاثية العجلات، حول سؤالنا لماذا ليس هناك ممرات للدراجات؟ قائلا «شبعنا حنا صحاب التريبورتورات حملات.تَيْوقفنا البوليسي، تَيْسأل على السرعة، وعلى عدم احترام الضو..وعلى الترنح وسط الشارع وعدم التزام اليمين…ديما الباراج..ديما الامتحان، والفرحة هي ما يرْكّْبو الموطور فْ الديباناج، والسوق يمشي وقتو عليك، أو سلعة شي واحد تمشي حتى هي الفوريان.والمشكل الخطيرإلى ما عندك كاش، وبغيتي تخلّصْ بْلاكارط ديال البنك، تيقول لك البوليسي،ماعندنا الآلة؟ وتيمشي الموطور للفوريان، وتتْبدا المعاناة ، وتيْضيع الوقت. هادي نقولو حقوق المخزن، وحقْنا فْ ممر للدراجات فين هو باش نْتفاداو الزحام مع السيارات ونتجنبوا الحوادث ونقلْبو على رزقنا؟
ومن جهته، عبر (ف.ك) عن تذمره الشديد من «الباراج» كل مرة.يقول»موطوري كبير ما تيحتاج لكاسك.بحالو بحال الطوموبيلة، ومع ذلك تيقولوا لينا خصنا نشدو أقصى يمين الشارع في السير بحال الموطورات الصغيرة.لاهما خلاونا نتحركو وسط الشارع بحال الطوموبيلات، ولا هما داروا لنا ممر خاص، آش نو هذا؟
إنه فعلا وضع مأزوم. ومن المعلوم أن الجهات المسؤولة، قد وضعت استراتيجية وطنية للسلامة الطرقية 2016-2025، من أجل تخفيض حوادث السير إلى نسبة 25 بالمئة خلال 5 سنوات المقبلة، وبنسبة 50 بالمئة في عام 2025، غير أن هذا التوقع،صعب المنال ولكنه ليس مستحيلا .فالواقع يؤكد سيرنا نحو هذا الأفق بإيقاع بطيئ ورغبة غير راسخة.فغياب ممرات للدراجات النارية الصغيرة أو الكبيرة أو التريبورتورات، في معظم شوارع الوطن وخاصة بالدار البيضاء، من أجل التخفيف من تدافعها وازدحامها بوسائل النقل الأخرى، المتكاثرة والمتتابعة،لايسهم في التقليل من الحوادث، ويصعِّب من مهمة الحد منها
وللإنصاف، وحتى لا نكون متشائمين وسوداويين، نقرّ -عن طريق الملاحظة والتجربة مع الطريق طبعا- أن جهودا ملموسة مابرِحت تُبذل، بفضل دور وسائل الإعلام في العملية التوعوية، وكذا بفعل قانون الزجر عند المخالفة بالتغريم أو سحب الرخصة أو الحبس، ولكن هاته الهَبّات التحسيسية على تواترها وحيويتها، لم تحد بعدُ من الحوادث التي تتفنن طرقاتنا في ابتداعها يوميا.وقد انضاف إليها يوم الأربعاء 18 فبراير» اليوم الوطني للسلامة الطرقية» استخدام لطائرات بدون طيار(الدرون)، مكان الرادارات الأرضية التي تفطّن إليها مستخدمو الطريق
ومازال المأمول أن نستفيق ذات يوم على طرقات لا تقتل ولا تعطب ولا تكسر.. فلنركز إذن، هاته المرة، على التفكير في توفيرممرات خاصة لأصحاب الدراجات تعم سائر شوارعنا، وليس بشوارعَ معينة ، فهذا مطلب يتعين أن تأخذه الجهات المسؤولة والفاعلون الاجتماعيون والمؤسساتيون بعين الاعتبار. عندها ، وعندها فقط، عندما يتم الإلمام بالموضوع وجنباته، نتوقع أن يكون اليوم الوطني للسلامة الطرقية من كل سنة قادمة،يوما مشهودا على إنجازات الجهات المسؤولة في إخماد «حرب الطرق»
إن الظاهرة، ظاهرة الحوادث التي تبوئ المغرب المرتبة44 عالميا و12 عربيا من حيث معدلُ الوفيات لكل 100 ألف نسمة، تشي بأن المغرب-رغم الإجراءات القانونية المتخذة ومنها مدونة السير، ورغم الانتفاضات التحسيسية لإيقاف مسلسل هلعٍ زاحف يحصد آلاف الأرواح سنويا، وإدراج هذه الظاهرة غير الصحية كمادة في البرامج التعليمية لتوعية الناشئة- يظل المغرب في منأى عن السلامة الطرقية،متضررا على المستوى المعنوي والأخلاقي والاقتصادي الذي يكلفه 11 مليار درهم سنويا وفق دراسة إحصائية عن حرب الطرقات وتداعياتها الخطيرة في العالم العربي، وأخرى تابعة للجنة الوطنية لحوادث السير التابعة لوزارة التجهيز والنقل
لا مناص إذن من التفكير الجدي بل والعمل الفوري على توفير ممرات لأصحاب الدراجات بأنواعها بكل شوارعنا،والتفكير في وضع طابور السيارات التي تحتل الجنبات عنوة ، ما يضيق من اتساع الشوارع.
إن السلامة الطرقية مسؤولية الجميع، وزارة التجهيز والنقل، مديري،مديرية النقل عبر الطرق والسلامة الطرقية، من فاعلين اجتماعيين ومؤسساتيين.. وهي ضرورة ملحة ومطلب تنموي بامتياز، وشاهد على مبْلغ تقدم أمة وتطورها الحضاري في الحفاظ على الأرواح والممتلكات