زهير قمري
لا يمكن فهم اسقاطات ما وقع في مونديال قطر، والمنجز الكبير الذي حققه المنتخب المغربي، دون ربطه بالسياق العام للتحول الذي تحقق في المغرب سياسيا وتدبيريا منذ 1994
ترجمة ذلك تتمثل في تنفيذ مشروع مجتمعي جديد متصالح مع دفتر التحملات الجديد في العلاقات الدولية، الذي من أسسها الكبرى، حسن الانخراط ضمن منظومة السوق العالمي الجديد المستند على قيم، حرية المبادرة، والآلية الديمقراطية، بالتالي فإن النتائج التي بلغها المغرب هي ليست وليدة الصدفة، بل نتيجة عمل تراكمي مؤسساتي على مستوى الدولة منذ اكثر من 25 سنة
إن أهم ما تحقق كعنوان لذلك في المغرب هو رسوخ العلاقة بين الدولة والمجتمع، والذي رمزت له مناسبة مرتبطة بكأس العالم، حين خرج الملك بسيارته الى شوارع الرباط للاحتفال مع الشعب ا لمغربي بانتصارات ابناء وليد الركراكي، حيث انتبه العالم ان الذي سهل مرور السيارة الملكية، وسط الالاف من الجماهير هم المواطنون المغاربة، وليس الفرق الأمنية وهذا قدم صورة عن المغرب دوليا رسخت يقين الاستقرار في المغرب كبلد وحيد ضمن محيطه في شمال غرب افريقيا. لقد توقفت مطولا، قناة التلفزيون البلجيكي، عند هذه التفاصيل وحللت ابعاد هذه الصورة، التي خلصت من خلالها على أن المغرب هو البلد المغاربي الوحيد المستقر فعليا والذي يجب الرهان عليه اوروبيا للولوج الى افريقيا
لقد انتصر المغرب بمناسبة مونديال قطر، ليس فقط على منتخبات كبيرة، مثل بلجيكا واسبانيا والبرتغال، بل انه انتصر في قيمة الصورة التي قدمها عن نفسه امام العالم ، كان من عناوينها الكبرى الاعلان عن منظومة قيم يمكن ترتيبها كالآتي
- قيمة العائلة عند المغاربة، حيث حرص اللاعبون على الصعود الى أمهاتهم بالمدرجات لتقبيل اياديهن ورؤوسهن، وهن عنوان لامهات مكافحات ومقاومات من أجل تربية ابنائهن، وهذه قيمة سلوكية رفيعة، جعلت العالم يعترف على أن المغاربة من خلال لعبة رياضية، قد اعادوا تقديم دروس في معنى التلاحم العائلي بدون عقد وفي معنى التصالح مع الذات
- قيمة تمجيد العمل، حيث ان العرق من أجل القميص الوطني رغم الاصابات قد كانت نتائجها مبهرة، مما أعلى من قيمة العمل بكل الإسقاطات الممكنة على كافة ميادين الانتاج والتنمية
- الرسالة الاخرى المهمة التي أبزرتها هذه المنافسات، هي مصالحة وإدماج المهاجرين المغاربة ضمن المنظومة الوطنية لبلادهم فأصبحوا عنصر إنتاج وعطاء من مواقع مختلفة لتعزيز تقدم وتنمية بلدهم الاصلي. -هذا المونديال، أبرز عمق الحداثة التي يتمتع بها المغاربة، فالمرأة كانت عنصر دعم أساسي، وكانت قائدة بين الجمهور الحاضر في قطر، وقائدة الاحتفالات في شوارع مدن المغرب، ليس هناك أي مركب نقص يعتلي حضورها، فهي ملتصقة بالرجل، وهي المرددة للاهازيج والشعارات الاحتفالية، متشبعة بقيمها وهويتها لكن معانقة للانفتاح والاسهام في الدعم اللازم الذي يدفع بالانسان الى الامام
- الاخلاق، هو قيمة أخرى أبرزها هذا المونديال، عند المغاربة فقد سجلت عدسات الكامرات الدولية أن الجمهور المغربي في قطر، كان مشجعا قويا، لكنه لم ينبس بأية عبارة تنم عن تمييز أو احتقار للاخر، وعند الانتهاء يقوم الجمهور بالمساهمة في تنظيف الملعب
- الرسالة الاخرى المهمة التي أبزرتها هذه المنافسات، هي مصالحة وإدماج المهاجرين المغاربة ضمن المنظومة الوطنية لبلادهم فأصبحوا عنصر إنتاج وعطاء من مواقع مختلفة لتعزيز تقدم وتنمية بلدهم الاصلي. -هذا المونديال، أبرز عمق الحداثة التي يتمتع بها المغاربة، فالمرأة كانت عنصر دعم أساسي، وكانت قائدة بين الجمهور الحاضر في قطر، وقائدة الاحتفالات في شوارع مدن المغرب، ليس هناك أي مركب نقص يعتلي حضورها، فهي ملتصقة بالرجل، وهي المرددة للاهازيج والشعارات الاحتفالية، متشبعة بقيمها وهويتها لكن معانقة للانفتاح والاسهام في الدعم اللازم الذي يدفع بالانسان الى الامام
- قيمة تمجيد العمل، حيث ان العرق من أجل القميص الوطني رغم الاصابات قد كانت نتائجها مبهرة، مما أعلى من قيمة العمل بكل الإسقاطات الممكنة على كافة ميادين الانتاج والتنمية
في الشوارع خرج اكثر من 20 مليون محتفل عبر مدن ومداشر المغرب، دون ان يتم تسجيل اي انفلات او مجرد خدش يسيء لساعة فرح كتلك
وهذا الامر إن كان يدل على شيء فانما يدل علي مدى الوعي الانساني الذي يتمتع به المغاربة، اذ لا ننسى أن هذا الجمهور هو الذي خرج من حرب كورونا منكسرا، ليواجه ظروف اقتصادية صعبة ، و مع ذلك ضميره يفرق بين الألم والأمل..
من جهة اخرى، وقع المونديال على الاقتصاد الوطني كان ملفتا ، ولعل أهم قطاع يمكن ان يعكس لنا هذا الجانب ، هو قطاع المقاهي فتشجيعا لأبناء الوطن كانت العائلات واللمات تضرب المواعيد في المقاهي والمطاعم من اجل خلق فرح جماعي ، لأن المغربي يحب أن يشاطر فرحه كما هي طبيعته ، وبحسب تقارير لمديرية الضرائب ، كشفت عنها بعض وسائل الإعلام الوطنية ، فإن ازيد من 34 مليون مغربي تابعوا مباريات المونديال خاصة مباريات أبناء وليد في المقاهي والمطاعم ، وهذه الأعداد انقذت هذه المحلات إلى حد ما من تأثير ركود الاقتصاد خلال كورونا، وذهبت أرقام بان المقاهي روجت في ست مباريات لعبها المنتخب مالايقل عن 52 مليار سنتيم وهو رقم مهم رغم انه تقريبي فقط ..
وهنا لابد من العودة على الدرس المغربي خلال المونديال، لتفكيك شعار ” سير سير ” ، فهو يعني فيما يعني بان المغرب بروابطه وتلاحمه وحلمه الكبير ، قادر لأن يكون معلمة دولية في جميع المجالات والاتجاهات