عصام البيض
كانت حليمة تعشق وقلبها يخفق والروح طاهرة لم يمسسها طمع، في دنيا زائلة أو أشياء تافهة تفرق بين المرئ وزوجه، كانت حليمة سليمة الذوق رفيعة الحس لا تلين للمترف المغدق وللمظاهر الكاذبة، تحلم بالحليل الذي يصون والذات التي تأوي وتعطي ولا تخون، وبراءة المحيا دليل وبسمة لها ألف تعبير، سافر الحبيب يضرب في الأرض يسعى إلى خير مقام، يصنع لها إكليلا يضعه على رأسها في ليلة البناء، ويسمعها غزلا محلى ويهديها خاتما مكتوب عليه أنه لها أبد الزمان، وساعي البريد ساعي الغرام، يفرح الأفئدة يحسن عشرة العاشقين، ناقوس أمل يجلجل الأركان الساكنة ويبعث الأرواح، وخطاب المغرم في سطوره السحر والحروف بلسم وشفاء، وصبر حليمة صبر جميل واحتساب، ترتوي من كرم الكلمات وتدعمها الوعود العسلية والكاتب فنان، كان حال السابقون سلس والقلوب شاعرة، واللاحقون كان حالهم عجبا من دنيا العجب، هلكت الأحاسيس جراء سيل الشهوات وتفرقت الألباب بين قصر مهيب وهواتف خلوية وأجساد ناضرة فاجرة، ما عادت حليمة لعادتها القديمة، تبدلت القوارير وأحوال الذكور، ساعي البريد لم يعد ساعي الغرام، حمل الفواتير السمينة بعدما حمل لنا الأمل…كان زمان وكان لي صاحب متيم ولهان، يراقص الأبيات ويراوض العبارات، يدوب في سطور يتجسد لها حبرا على ورق، ومشاعره كانت لضى في كل آن، وهو قريب منها وهو بعيد، واعتاد رمي الرسائل والخطب، عساها ترد يوما سائلا أو تشكر له حسن الغرام، وهكذا دواليك، هو يفرغ ما حواه الجوف وهي لا تسمع همسه ولا تفهم في بيان اللسان