قراءة في كتاب «أيام كايرو بعيون مغربية» لعبد العزيز بلبودالي
dade24 | ضاد 24
جلال كندالي
الكتاب نافذة ترصد الحركات والسكنات ونبض الحياة بمصر
قبل تقديم هذه القراءة الأولية في كتاب الصديق والزميل عزيز بلبودالي «أيام كايرو بعيون مغربية «، لا بد من الاعتراف أنني لن أكون موضوعيا في هذه القراءة على اعتبار أن هذا المنجز تم بنفس جماعي وتحضر فيه الذات أيضا
«أيام كايرو بعيون مغربية»، ينتمي إلى أدب الرحلة، إذ توفق الكاتب عزيز بلبودالي في تدوين مشاهداته وملاحظاته بدقة، مترجما أحاسيسه وكل ما رآه وعاشه من محطات ومواقف بلغة سردية جميلة، تشد القارئ إلى آخر سطر من هذا الكتاب، دون أن يعتدي على لغتنا الجميلة التي كان يدافع عنها صديقنا الشاعر الكبير ورئيس مجمع اللغة العربية الفقيد فاروق شوشة رحمه الله من خلال برنامجه الشهير الذي عمر نصف قرن.
القارئ لهذا الكتاب الذي تفضلت دار النشر العريقة دار المعارف باحتضانه سيطلع بمتعة كبيرة على تفاصيل الزيارات للكاتب عزيز بلبودالي لأرض الكنانة منذ سنة 2009 إلى الآن، وهي الزيارات التي ستمتد في الزمن المقبل، فمن شرب من ماء النيل كما يقال لا يمكن إلا أن يزور هذا البلد باستمرار
الكتاب نافذة، يطل من خلالها القارئ المفترض على جغرافية مصر، إنه تماما مثل فيلم سينمائي مصور، يرصد الحركات والسكنات ونبض الحياة، فبين طياته نكتشف شوارع وحارات القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية وشرم الشيخ وسيناء بضفتيها وبرزخ القارتين، حيث ملتقى القارتين الأفريقية والآسيوية، ويمكن للمرء أن يضع رجلا في قارة والثانية في قارة أخرى في الآن نفسه، وأسيوط والنويبع وغيرها من الأماكن، كما يرسم لنا من خلال الكتابة والصور ملامح ناسها وطيبوبتهم
«أيام كايرو بعيون مغربية «أعتقد جازما أنه دليل سياحي بامتياز؛ تحول فيه الكاتب إلى مرشد سياحي لكل من يريد أن يكتشف مصر لأول مرة، أو حتى لمن سبق أن زارها، فهي دائما تدهشك، إنها بلد العجائب كما وصفها الأديب والروائي المغربي محمد برادة.
الكتاب يجعل القارئ الذي لم يحظ بزيارة مصر كأنه مسافر إليها عبر هذا المؤلف من غير تأشيرة أو حجز مسبق أو بحث عن الصرافة، ومن ثمة فقيمة «أيام كايرو بعيون مغربية «تستمد من هذا النفس وهذا الحب وهذه المشاهدات التي استعادها الكاتب من شريط ذكرياته وذكريات أصدقائه في جمعية المحمدية للصحافة والإعلام والاتحاد المصري للإعلام والثقافة الرياضية، كما أن قيمته التوثيقية تعود أيضا إلى كونه يعد من المراجع في الجغرافية المصرية وفي التاريخ، إذ يسرد الكاتب بلبودالي أحداثا ووقائع كانت مفصلية في الحياة السياسية لأرض الكنانة منذ عهد الرئيس محمد حسني مبارك، مرورا بحكم الإخوان وانتهاء بانتفاضة الشعب المصري من خلال حركة «تمرد «حينما حج الشعب المصري بكل فئاته وشرائحه إلى ميدان التحرير وغيره لاستعادة الدولة والمبادرة ممن يتربصون بقلب العروبة، إذ كان بلبودالي حاضرا في ميدان التحرير ككل المصريين، رغم أنه مغربي، لقد دفعه القلب إلى قلب الميدان، رغم المخاطر ولم «يراع «عن وعي واجب التحفظ بحكم جنسيته المغربية، لكن الحب لا يؤمن بالجنسيات في مثل هذه المحطات التاريخية، إلى غير ذلك من الأحداث والوقائع التي رصدها الكتاب
من هذا المنطلق، استطاع عزيز بلبودالي أن يضرب بحجر واحد سربا من الطيور، فبالعودة إلى هذا المنجز، نجد أن اللغة التي استعملها الكاتب في الحكي هي تماما اللغة التي استعملها أسلافنا المغاربة منذ قرون، وأعني بهم رواد أدب الرحلة المغاربة القدامى، حيث تعتبر كتبهم من الذخائر النفيسة، وهذا ليس بغريب، إذا ما علمنا أن أول جامعة في العالم، كانت جامعة القرويين التي أسستها امرأة تسمى فاطمة أم البنين الفهرية، وكانت تقصدها البعثات من كل الأمصار والأقطار ،هذه المؤلفات سواء في عهد المرينيين أو غيرهم شاهدة على انفتاح المغرب على الحضارات والبلدان الأخرى، كرحلة نزهة المشتاق للشريف الإدريسي والمعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبدالواحد المراكشي…،لكن أهم رحلة شغلت الناس والنقاد والمؤرخين من العرب وغير العرب، هي رحلة ابن بطوطة التي وصف فيها مصر ونيلها في «تحفة النظار «ووصف فيها أيضا كل شيء من مساجد ومارستانات التي أعدت فيها المرافق والأدوية ما لايحصر، أما الزوايا فكثيرة وهم يسمونها يقول ابن بطوطة «الخوانق «والأمراء بمصر يتنافسون في بناء الزوايا، وكل زاوية بمصر معنية بطائفة من الفقهاء، وهم أهل أدب ومعرفة بطريقة التصوف
عشق المغاربة لمصر قديم قدم الزمن والعكس أيضا، وكانت العلاقات قائمة ما قبل الفتوحات الإسلامية، إذ ربطت المصريين بالأمازيغ ،وبعدها استقرت عائلات مغربية بمصر والعكس صحيح كما هو حال قبيلة هوارة المصرية التي سافرت إلى المغرب، واستقرت بالقرب من مدينة أكادير حاليا، وبالتالي فإن كتاب عزيز بلبودالي يمكن اعتباره امتدادا ومكملا ان جاز التعبير لما سار فيه الأسلاف
ونجد أيضا رحلة ابن رشيد ورحلة العبدري وغيرهم الذين عاشوا في ظل حكم المرينيين يوثقون مشاهداتهم في زياراتهم لمصر، فرحلة ابن رشيد التي ذكرها السيوطي والمقري وابن سالم العياشي في القرن الحادي عشر هجري، حيث استمرت رحلته 3سنوات قضى منها أربعة أشهر في الحجاز، والباقي قضاه في المراكز العلمية الشهيرة بدمشق ومصر، ورصد في رحلته ما شاهده في مصر، ويمكن معرفة مصر من خلال هذا الكتاب بالتفصيل في تلك الحقبة الزمنية
«أيام كايرو بعيون مغربية» معزز بصور توثق لهذه الزيارات، ومعزز أيضا بشهادات لأصدقاء من مصر والمغرب، شكلت إضافة للكتاب، كلها سارت في نفس المسار الذي رسمه المؤلف عزيز بلبودالي لكتابه، إضافة إلى التقديم الموقع باسم الأستاذ محمد برادة عميد الإعلاميين المغاربة، هذا الرجل بثقله الإعلامي وتعدد صداقاته في الوطن العربي وغيره، لم تكن شهادته بالصدفة ،إذ يذهب الأستاذ محمد برادة مباشرة إلى هذه العلاقة الفريدة التي تربط بين الشعبين المغربي والمصري منذ قرون، وهي علاقات متينة، لن تستطيع أية مؤامرة مهما كانت أن تهزها، ويكفي أن الدم مشترك من خلال المصاهرات، يكفي أن نرجع إلى الإحصائيات الحديثة في مصر، فنسبة المصريين المتزوجين بالأجنبيات على رأسهن المغربيات، ويكفي ان الأستاذ محمد برادة عشق مصر ونيلها، فتزوج فيها من مصرية وله أبناء منها الأستاذة نهلة برادة.
كما يوجد اليوم العديد من الزوايا في مصر تحمل أسماء مغاربة ومازال المريدون إلى اليوم يحتفون بهؤلاء المشايخ المغاربة كمرسي ابو العباس، عبدالرحيم القنائي ابو الحسن الشاذلي الشاطبي أحمد البدوي الذي أنتج عنه فيلم سينمائي سنة 1954 ولعب دور البطولة فيه الفنان المقتدر عباس فارس وغيرهم
«أيام كايرو بعيون مغربية «كتاب كتب بالإحساس والقلب، الغاية منه هو الدفاع والتذكير بهذه العلاقة التي تربط بين الشعبين في كل الجوانب، بما في ذلك الجانب الفني، حيث نجد الفنانة القديرة جنات مهيد حاضرة في الكتاب، وحرصت على الإدلاء بشهادتها تقديرا لهذه العلاقة والأخوة، وكذلك الفنانة القديرة سميرة سعيد التي أعطت الكثير للأغنية المغربية والمصرية والعربية بشكل كبير، وهذا دليل آخر على قوة ومتانة هذه العلاقة.
الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها المرء وهو يقرأ هذا الكتاب، أن مصر لها سحرها الخاص كما هو المغرب أيضا، فمصر قلب العروبة والمغرب الذي قاد الفتوحات إلى الأندلس ونشر الإسلام المعتدل ،لا يمكن للمرء إلا أن يتمنى أن يراهما قويين ففي قوتهما قوة العرب وفي ضعفهما ضعف العرب
قدمت هذه القراءة في حفل تقديم الكتاب بدار المعارف المصرية بالقاهرة