محمد العصفور
رئيس المركز المغربي للتطوع والمواطنة
وبعد، يتشرف أعضاء المكتب التنفيذي للمركز المغربي للتطوع والمواطنة، بعد تقديم كل عبارات التقدير والاحترام، أن يرفعوا إليكم طلبهم بالتعجيل بإصدار قانون التطوع، وذلك تجاوبا مع ما نراه كل يوم منذ الإعلان عن دخول جائحة “كورونا” إلى بلادنا، من تزايد البعد التطوعي والتضامني لكل فئات هذا الشعب التي تخوض معركتها مع هذا الفيروس كل حسب اختصاصاته ووظيفته.
لقد تابعنا جميعا وباهتمام كبير ما عاشه ويعيشه العالم منذ ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا، وكيف أن العالم وقف عاجزا على مجابهة هذا الجندي الشبح، حيث شكلت جائحة فيروس كورونا تحديا حقيقيا لكل شعوب العالم، صغيرها وكبيرها، واختبارا لجاهزية الدول من ضعفها، والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة والصارمة التي لا تقبل التأجيل أو الانتظار، وباهتمام أكبر تابعنا كذلك المعركة التي أطلقها قائد البلاد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله منذ ظهور أول حالة إصابة ببلادنا، وهو ما ترجمه جلالته بإحداث لجنة اليقظة والصندوق الخاص لدعم جهود مكافحة هذا الفيروس، مع تبرعه بملياري درهم من ماله الخاص، وانسجاما مع هذه الإرادة الملكية المواطنة جعل الكل من الحكومة والشعب جنديا ضد جائحة كورونا وهو ما عبرنا عنه في المركز المغربي للتطوع والمواطنة بالملحمة الثالثة بين الملك والشعب.
وفي ظل هذه الدينامية الغير مسبوقة، يلاحظ المركز المغربي للتطوع والمواطنة أن الحس التطوعي والتضامني ارتفع وانتشر، بإقبال الكثير من نشطاء المجتمع المدني على الانخراط فيه استجابة للواجب الوطني والإنساني، غير أنه في ظل هذا الاندفاع التطوعي، دون مراعاة لاتخاذ التدابير اللازمة للسلامة والوقاية من العدوى لا قدر الله، الذي يمكن بسببه نقل الفيروس – رغم الغاية النبيلة – لمحيطهم الأسري نظرا لتنقلهم هنا وهناك ضمن أنشطتهم اليومية بدون احتياطات وقائية لازمة.
إن ترافع المركز المغربي للتطوع والمواطن من أجل مأسسة التطوع من جهة وتخصيص ” يوم وطني للتطوع ” لتحسيس المواطنات والمواطنين والفاعلين السياسيين والاقتصاديين بأهمية التطوع وإسهامه في التنمية، ولكن هذه الجائحة أظهرت أكثر من أي وقت مضى، حاجتنا إلى قانون التطوع لمواجهة هذه الكوارث مستقبلا هو القانون الذي سيسمح للجهات المختصة لمزيد من تأهيل وتدريب الفرق التطوعية لمثل هذه المهام الحساسة ووضع كل جهود المجتمع المدني والمتطوعين والمتطوعات كل حسب اختصاصه في منصة وطنية للتطوع.
ويسعد المركز أن يذكركم بالسياقات التاريخية التي عرفها التطوع منذ دستور 2011 :
أولا : خلال ولاية رئيس الحكومة السيد عبد الإله ابن كيران جاءت الحكومة سنة 2012 بمخطط تشريعي لتطبيقه في ولايتها ضمن هذا المخطط هناك نصين أساسين :
1 / القانون المنظم للطوع
2 / إعادة النظر في ظهير الحريات العامة لسنة 1958
ثانيا : التطوع كان من بين التوصيات التي جاءت به نتائج الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة الذي نظمته الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني آنداك، الحوار الوطني الذي شاركت فيه أكثر من 10 آلاف جمعية واستغرق سنة كاملة ( مارس 2013 مارس 2014 ) والذي توج بتقرير نهائي تضمن أزيد من 240 توصية تهم الحياة الجمعوية بكل تفاصيلها وتمظهراتها وآليات إصلاحها ومن بينها قانون للتطوع كمكون أساسي للعمل الجمعوي وكسلوك مواطن.
ثالثا : سنة 2013 برئاسة المرحوم عبد الله باها وزير الدولة أطلقت وزارة الشباب والرياضة آنذاك برنامج ” العمل التطوعي والتربية المدنية في أوساط الشباب “، تحت شعار “مغرب الشباب“. حول التطوع وخلق نوادي للتطوع بدور الشباب غير أن هذه المبادرة الحكومية أقبرت في مهدها.
رابعا : منظمة الأمم المتحدة في سنة 2017 احتفالا باليوم العالمي للتطوع الذي يحتفل به كل سنة في 5 دجنبر ترفع شعار ” قانون المتطوعين أولا، هنا، وفي كل مكان ” وذلك للاعتراف بمساهمات المتطوعين الذين لديهم الشجاعة لمواجهة العديد من الأخطار في سبيل مساعدة الآخرين، الذين يساعدون على إنقاذ الأرواح، والذين يخاطرون بحياتهم لرعاية الأشخاص المتضررين من النزاع والعنف والأزمات.
خامسا : خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في 12 أكتوبر 2018 بالبرلمان، والذي دعا فيها الحكومة ومجلسي النواب والمستشارين إلى تبسيط المساطر لتشجيع مختلف أشكال التبرع والتطوع والأعمال الخيرية، ودعم المبادرات الاجتماعية.
سادسا : كلمة السيد مصطفى الخلفي الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة باسم الحكومة خلال الندوة الدولية المنظمة من طرف مركزنا تحث شعار ” جميعا من اجل مأسسة التطوع ” بمقر مجلس جهة الدارالبيضاء السطات يومي 14 و15 دجنبر 2018، التي أكد فيها أنه يجري إعداد مشروع القانون 18.06 الذي يروم إدماج التطوع التعاقدي في السياسات العمومية، ولسد النقص الموجود في هذا المجال.
سابعا : تأكيد السيد مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، يوم 4 دجنبر 2019، بمناسبة الحفل الوطني لجائزة المجتمع المدني في دورتها الثالثة، أن مشروع قانون التطوع التعاقدي 18.06، جار إعداده مع الهيئات المعنية بتنظيمه، ويوجد في مراحله الأخيرة، وهو ما أكد عليه أمامكم، السيد رئيس الحكومة المحترم، خلال كلمته بمناسبة اليوم الوطني للمجتمع المدني، يوم 13 مارس 2020 الأخير بأن وزارته منخرطة في تعزيز وتشجيع قيم التطوع، وذلك عبر المساهمة في إعداد مشروع القانون رقم 18-18 بتنظيم عمليات جمع التبرعات من العموم وتوزيع المساعدات لأغراض خيرية؛ بالإضافة إلى استكمال إعداد مشروع القانون 06-18 المتعلق بالتطوع والتطوع التعاقدي.
السيد رئيس الحكومة المحترم
لا يخفى عليكم، إن التطوع أخد بعداً جديداً ليصبح غاية ووسيلة، غاية لأنه يمثل الضريبة الوطنية التي يجب أن يدفعها كل مواطن لمجتمعه، ووسيلة لإن قيمة وأهمية التطوع يجب ألا تقاس على المدى القريب، بل بالعائد التربوي والثقافي والاجتماعي والأمن المجتمعي على المدى البعيد.
لهذا فبلادنا اليوم في حاجة إلى قانون للتطوع، والمركز المغربي للتطوع والمواطنة يتمنى مرور هذه الجائحة بسلام، ويدعو حكومتكم الموقرة من أجل إحالة مشروع القانون على البرلمان من أجل استكمال مساطر المصادقة في أقرب الآجال حتى نتمكن من الإطار المنظم للتطوع، لأن حاجة بلادنا لقانون التطوع تعتبر أكثر من ضرورية، لأن ما عشناه في ظل هذه الجائحة، أكد أن التطوع هو أداة شعبية فاعله تساعد الحكومة والسلطات المحلية، وربما تدفعها أكثر للمزيد من العطاء والخدمات عندما ترى أن الأفراد المتطوعين يقومون بأعمال تصب أيضاً في مسؤوليات الحكومة.
صحيح أن جائحة كورونا أعطتنا بكيفية واضحة جاهزية العمل التطوعي بشكل حضاري من خلال مجموعة من الأدوار المنظمة، أعطتنا درسا في قيم التطوع والتضامن المتجدرة في وطننا، مع إعادة الثقة في العمل التطوعي من قبل المواطنين والسلطات المحلية، ومكنت من اختبار قوة وجاهزية المجتمع المدني بحمولة تطوعية كبيرة، فالتطوع لم يعد له ذلك الدور التكميلي بل له دور أساسي اليوم في إشباع الحاجات، بل معاضد لدور الدولة وقد مكملا لها في بعض الحالات.
وفي تقدير المركز المغربي للتطوع والمواطنة أن الاعتراف القانوني سيجعل من هذه الثروة اللامادية التي يمثلها الجهد الجماعي للمتطوعين والمتطوعات سبيلا أمثل لتقوية روح المسؤولية والمواطنة لدى فئات عريضة من المجتمع، هذا ما يدفعنا إلى أن نرفع إليكم هذه التوصيات قصد إدماجها ضمن سياستكم العمومية :
– بلورة خطة العمل في مجال العمل التطوعي بإحداث نوادي للتطوع والمركز المغربي للتطوع مستعد لمواكبة هذه النوادي
– تكوين كوادر لمثل هذه الأزمات والمخاطر وتوحيدها وإنشاء منصات خاصة بالمتطوعين
– وضع آليات ناجعة لتنظيم وتطوير وتحديث العمل التطوعي للمساهمة في أوراش المنفعة الاجتماعية والتنمية المحلية والبشرية.
– ترسيخ نماذج أخلاقية في الممارسة السياسية تعيد الاعتبار لقيم “العمل التطوعي” و”المبادرة المواطنة”، باعتبارها قيما للمشاركة والعطاء والمساهمة في خدمة الصالح العام.
– إدراج ثقافة التطوع بالمناهج الدراسية التعليمية واحتساب سعات التطوع عند التخرج من الجامعة
ومن أجل هذا التطوير والتنظيم للمركز المغربي للتطوع والمواطنة اتفاقية إطار للتعاون والشراكة مع الوزارة المكلفة بالعلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني الناطق الرسمي باسم الحكومة حول إحداث ” مركز للتدريب على التطوع والمواطنة ” وقد آن الأوان الاشتغال بهذا المركز الذي يعد معهدا تدريبيا وطنيا وعربيا ودوليا، وسيشكل مرجعة معرفية فنية في برامج التطوع، حيث يتبنى هذا المركز الارتقاء بالعمل التطوعي وتمكين المتطوعين من المهارات اللازمة، ونتمنى تقويته وتعزيزه ويلقى الدعم من حكومتكم حتى يتمكن من تقديم خدماته في أفق تدريب شباب مؤهل لمثل هذه الأزمات وخاصة أن المؤشرات الوبائية العالمية تنذر إلى مثل هذه الأزمات مستقبلا.
إن المركز المغربي للتطوع والمواطنة يشعر بنوع من الخجل بوصفنا نائب رئيس الاتحاد العربي للتطوع عند مشاركتنا في ملتقيات عربية أو دولية عندما نجد دول أقل منا لها قوانين للتطوع، لدى نطلب منكم السيد رئيس الحكومة المحترم العمل على الإسراع في إخراج هذا القانون، وتفضلوا السيد الرئيس أسمى عبارات التقدير والاحترام.