65 سنة رسمية، دون احتساب ما سبقها، مرّت كأنها لم تكن يوما، محاها طيش طائشين، وتطاولت عليها أيدي عابثين، مسار حافل بعناوين الأخوة الصادقة وبكمّ العلاقات الطيبة الذي أسس له العقلاء على امتداد زمن ليس بالهيّن، مُحي بجرّة تبعية أملتها حسابات ضيقة. إنها الخلاصة التي يمكن اليوم أن نقولها بصوت المتألم المغدور، وحسرة المطعون، على غيرنا لا علينا، وليس في ذلك أدنى حرج أو عار، فظلم ذوي القرى أشد مضاضة، وكل العار سيظل لصيقا بجبين من غدر ، الذي حسبناه على الدوم أخا إلى أن تنكّر لأخيه، وقطع حبل الأخوة بسيف أمريكي الصنع حتى لا تبقى في شرايين المحبة دماء نقية زكية، بعدما سال قبل ذلك الدم المغربي الذي يخصّ المرحوم ياسين بحثي نصرة ووفاء للشقيق السعودي ؟
اليوم يمكن أن يُلقّن للأجيال درس العلاقات الثنائية بين المغرب والسعودية، ليس من باب القدوة والاحتذاء، بل لبسط تفاصيل نموذج غير مثالي في التنكر والجفاء، وفي ضرب كل قيم الوفاء، فهذه الشقيقة السعودية التي لأجل عيونها وحرصا على وحدة البحرين كان لنا موقف من إيران، واصطففنا إلى جانبها في خندق أزمة اليمن، تناست كل شيء وتعكّر مزاجها لموقف المغرب حيال الأزمة التي عاشتها عدد من دول الخليج مع قطر منذ يونيو 2017، وأرادت بلدنا أن يكون تابعا ، لا حكيما سويّا، يسعى لتبديد الخلافات بين الإخوة ووقف الصراعات، لم تستسغ أن يكون لنا موقفنا الخاص، بل رغبت في أن تصادر حقنا في الاختيار، وتناست تلك “السعودية” أنه قد ولّى زمن التبعية !
في علاقاتنا مع السعودية والإمارات، دماء كثيرة في صمت سالت، وممارسات لا إنسانية في الظلام الدامس وُثقت، وكان الحِلم جوابنا الرسمي، وإن كان أحيانا كثيرة القلب يدمي، ومع ذلك تجرّعه الجميع، حفاظا على وشائج وثيقة وآصرة متينة ولو على حساب النفس والذات، لكن تبيّن اليوم أن الترفع وسمو الأخلاق هي من شيم الكبار وهي خصال ليست في متناول أي كان، وبأن الوفاء بالتعهدات والالتزامات هي من تقاليد الدول العريقة ، ولنا في قمة أبريل بالظهران خير مثال، بعد أن ذهبت أدراج الرياح ما صدر عنها من توصيات ؟
صرّفت السعودية حقدا ونفثت سما، هي ومن خطّط معها وسار في ركبها، واختارت أن تسجد لأمريكا سجدة طويلة لا تقوم منها إلا بعد تمكينها من أصوات تابعيها الذين اشترتهم بعائدات الحجّ، فهي لم تختر التصويت للملف الثلاثي فقط، وإنما نظمت حملة بأموال العباد، واقتنت أصوات من وجدتهم خانعين تابعين، وراء العمولة لاهثين، واختارت أن تتنصل من كل ما هو مشترك، إن وجد بعد ما وقع، وأن تجعل من لحظة كروية مذبحة للشرف والقيم والأخلاق، متناسية أن الأسد المغربي جلده قاسي وهو أكبر من أن يئن أو تنال من عزيمته خربشات أظافر مريضة
قد تطوى صفحة الغدر السعودي يوما رسميا، ويعفو المغرب حكوميا، لكن الطعنة لن تُنسى أبدا شعبيا