سميرة سعيد تفتح نافذة للبوح وتكشف عن فلسفتها في الفن والحياة
dade24 | ضاد 24
جلال كندالي
رغم أنها تجيد لغات ولهجات متعددة بحكم أنها خريجة كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية بالرباط، وبحكم أنها غنت أيضا بلغات ولهجات متعددة وسافرت إلى كل الدول العربية واحتكت بمثقفيها وفنانيها والبسطاء دون أي مركب نقص وبدون أي تعال كما هو معروف عنها طيلة مسيرتها الفنية ..، إلا أن سميرة سعيد الفنانة، التي تتربع على عرش الأغنية العربية بدون منازع، اختارت أن تشارك محبيها وجمهورها عبر صفحاتها الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي موهبتها في الكتابة بلغة الضاد، واختارت كعنوان مؤطر لهذه الكتابة اسم «خواطر سميرية»
أكيد أن ما كتبته الديفا سميرة سعيد يتجاوز الخاطرة ويمكن تصنيفه في خانة أخرى تسترجع من خلالها سيرتها الذاتية، فمن يعرف سميرة سعيد يعرف أنها لا تسعى نحو الأضواء، بل الأضواء هي التي تسعى إليها. وهي «تخريجة»، إن جاز التعبير، اهتدت إليها لتمنح لنفسها مساحة للبوح وتشارك الآخر مشاعرها وتبسط القواعد التي آمنت بها طيلة مشوارها الفني والتي خلقت منها الديفا إلى الجمهور وزملائها في هذا المجال
النقاد والفنانون والجمهور يعترفون لسميرة سعيد بذكائها الفني، إذ استطاعت من خلال ذلك أن تكون دائما مجددة في إبداعها، ولم تبق حبيسة نمط غنائي معين، بل أعمالها دائما كانت تتسم بالجرأة الإيجابية والمدروسة والتجديد والتطوير، وانفتحت– لتحقيق هذا الغرض– في تعاملها مع المواهب الصاعدة أيضا، من غير أن تضع حدودا وحواجز مسبقة بينها وبين أي مبدع، ولو لم يكن قد حقق الانتشار، بل المعيار الأساسي لتعاملها هو الإبداع والتجديد بالإضافة إلى الخبرة، ما جعلها تظل متربعة على عرش الأغنية العربية. وهو ما عبرت عنه بالقول في»خاطرتها «بالتأكيد على أن»الذكاء منحة ربانية، لكن هناك الخبرة التي من المستعصي أن يحصل عليها المرء إلا بمرور الزمن، وتسلك اختيارك للنهاية حتى تحصل على نتيجة ما وتكتشف ما يناسبك وما لم يعد يليق بطاقتك وما لا يتماشى مع تقديرك لذاتك»
المشوار الفني ليس دائما أرضا مفروشة بالورود، وليست دائما أمام اختيار واحد ووحيد، بل هناك اختيارات عديدة وليست متشابهة ومتكافئة،لكن الذكي هو من يختار الاختبار الصائب حتى لايندم عليه فيما بعد، لذلك تقول سميرة سعيد»النتيجة السعيدة عن حق هي أن تكبر ولا تشعر بالندم على اختياراتك السابقة، اليوم وكل يوم أضع رأسي على الوسادة، وأنا أشعر براحة الضمير والهدوء اتجاه أغلب اختياراتي السابقة، حينما بدأت مشواري المهني وجدت نفسي أمام قواعد لو اتبعتها لأخذت «ShortCut» لكل شيء ولكني وضعت تقديري ومنحت لذاتي أولوية»
مادام الفن رسالة إنسانية تدافع عن القيم الكونية، هكذا يجب أن يؤمن الفنان وليس الأمر فقط شهرة وأضواء وسفريات وجمهور وانتهازا للفرص وحبك الدسائس وخدمة أجندات معينة، وهو ما عبرت عنه الديفا بقولها «لم يسبق لي في حياتي أن كنت وصولية أو تتحكم المصالح في معاييري في التعامل مع الناس .. ولَم أندم»
عالم الفن والمشاهير عالم، كما يتخيله المرء، عالم يوفر الثراء والغنى والعلاقات، لكن الديفا سميرة سعيد غير ذلك كما هو معروف عنها، وسبق أن عبرت عن الأمر في حوارات صحافية أكثر من مرة، فهناك مباديء لا يمكن تجاوزها وتخطيها، الثراء من الفن ليست أولوية لديها أو بالأحرى ليس هو الهدف الذي عانقت من أجله الفن، وهذا طبيعي بحكم أنها رافقت وتعاملت مع كبار المبدعين المغاربة والعرب، تقول»لم أطمح للثراء ولم أكن في حياتي مهووسة بالاكتناز رغم أني كأي إنسان أسعد بكل رزق .. ولَم أندم»
الاجتهاد والذكاء والتواضع، صفات أساسية للفنان كلها اجتمعت في الديفا سميرة سعيد وتفرقت في غيرها، مما جعل صوتها وإحساسها يتخطيان حدود الوطن العربي، إلى العالمية، الشيء الذي يفسر ترديد أغانيها بأكثر من عشرين لغة، والعالمية ليست متاحة لأي كان، لذا كانت التجربة والتراكم والذكاء الاجتهاد.. عناصر حاسمة في تبوأ سميرة سعيد لهذه المكانة وحصدت العديد من الجوائز العالمية وكرمت في جل بقاع العالم. وفي ما أسمته ب «خواطر سميرية» عبرت عن ذلك بوضوح حين قالت «دائماً كان طموحي كبيراً بوصولي لمستويات عالمية لكني اكتفيت بما هو ممكن تحقيقه في زمني»
هذا المسار الفني راضية عنه سميرة سعيد كل الرضى بالتأكيد كما جاء بخط يدها «بعد الخمسين اكتشفت أن ما فعلته هو الصواب، لم أعدل أي شيء في معاييري ولا قوانيني السرية، ولكني اكتشفت فقط أنه ليس علي بذل كل الجهد لأحظى برضى الجميع .. لا أحد أصلا يحظى برضى الجميع!»
وتضيف «صرت أشعر أن الزمن أقصر، ووقتي غالي جدا ولا يجب تبذيره أو منحه إلا لمن يستحق»
هل هذه هي البداية و«مازال مازال» كما شدت ذات أغنية، وهل مادونته هو مقدمة لخواطر أخرى ستكشف فيها الديفا عن تفاصيل سيرتها الذاتية، وهل سيكون هذا الموعد أسبوعيا أو شهريا، أم أن الأمر كله جاء نتيجة انفعالات نفسية ولدتها اللحظة التي أملت فتح كوة الضوء هاته وإشراك محبيها ومتتبعيها في ذلك، ومهما كانت الإجابة، فإن كل محترفي كتابة السير الذاتية في وطننا العربي سيسعدون بنيل شرف كتابة السيرة الذاتية للقديرة سميرة سعيد، لما يشكل ذلك من ثروة من المعطيات والمعلومات والأسرار والمحطات التي تخطتها بنجاح، والتي تؤرخ لزمن العمالقة وما بعده
بوح أكيد لا يأتي إلا من فنان يؤمن بأن الفنان رسالة إنسانية وقوة ناعمة يمكن الاستناد إليه لنشر الحب والسلام وتحقيق السعادة والإخاء بين بني البشر، وهو ما حققته وتخطط له الديفا سميرة سعيد في الآتي من الأعمال الفنية