Site icon Dade24 – ضاد 24

سعيد جعفر : يتسأل عن إعتماد “الموت الرحيم”

من منا لم يتعرض لما يكفي من الابتزاز من طرف مصحات يوهمونه أن مريضا قريبا منه أبوه أو أمه أو زوجته أو أحد ابنائه أو أخواته سيشفى، والأطباء يكتفون فقط بوصله بأجهزة التنفس الاصطناعية أو بحقنه بأدوية فعالة.

من منا لم يتعذب لآلاف المرات لأن مريضا أو مريضة عزيز إلى قلبه يتعذب دون توقف ليل نهار ولا يجد له حلا ولا شفاء بل وحتى لا قدرة على رعايته ليل نهار.

من منا لم يفاجئه مريض أن يطلب من الله أن يأخذ روحه لا يرتاح وأن الله لم يستجب بعد.

ألسنا نحن أنفسنا كثيرا ما نطلب في استحياء أن “الله يشوف من حالة بعض المرضى وياخدو عندو”.

ماذا يقصد بعض الأطباء عندما يعلمون أهل مريض بأنهم “غير يخودوه ويدعاو معاه”؟
أليس هذا تلميحا ضمنيا بأن “اتركوه يموت”؟

شخصيا عرفت حالات لمصابين بأمراض قاتلة يتمنون من الله أن يأخذ أرواحهم لأنهم يتعذبون ولم يعودوا قادرين على تحمل الألم الكبير لطول المدة (مؤخرا إطلعت عبر إحدى الإذاعات على حالة مريض امتنع في آخر أيامه كليا عن تناول الأدوية للألم الذي تسببه له رغم امتناع أهله و إرغامه على تناولها).

في مثل هاته الحالات يصح أن نطرح هاته الأسئلة:

— عندما يعبر المريض عن رغبته الشخصية في أن “الله ياخذ روحه”، فهل يحق لنا أن نقف ضد رغبته خصوصا وأنه يتحمل مسؤوليته كاملة  بشكل إرادي؟

لقد سمعت هذه الجملة مرارا “راحنا درنا الجهد باش الناس ميعيبوش علينا يكولوا مدرناش الجهد مع المريض”.

إننا في الحقيقة أمام إشكالية حضارية وثقافية ودينية واجتماعية وسياسية واقتصادية وعلمية معقدة لا بد أن تطرح للنقاش، ومثلما تطرح قضايا الثروة والسلطة وحقوق الإنسان والإجهاض والحريات الفردية، لا بد على المثقفين والمفكرين والإطارات الحقوقية والمجتمع المدني من طرح هذا الموضوع للنقاش وتحمل مسؤولية الطرح والنقاش.

1- التعريف والإطار القانوني

الموت الرحيم أو القتل الرحيم هو موافقة المريض الذي تصل آلامه وعذاباته من المرض درجات لا تستحمل، أو يعجز أهله كليا عن تحمل مرضه وقد يمرضون هم أنفسهم كما في حالات الأمراض العقلية.

يميز في الموت الرحيم بين القتل الرحيم الطوعي الذي يكون بقرار من المريض نفسه، والقتل الرحيم غير الطوعي الذي يقرر فيه الطبيب المعالج أو أحد أفراد العائلة، والقتل الرحيم بالإكراه بعد أن يكون مرض المريض مهددا لآخرين.
كما يميز فيه بين قتل رحيم نشط وقتل رحيم سلبي، الأول يقوم فيه الطبيب المعالج أو أحد أفراد العائلة بالإذن بزيادة جرعات مهدئات أو مسكنات، والثاني يتم فيه نزع أجهزة التنفس الاصطناعي أو وقف الأدوية الفعالة جدا.

أول دولة رخصت للقتل الرحيم هي سويسرا سنة 1937، ثم أمريكا وكولومبيا في 2009، ثم فنلندا وألمانيا ودولا أخرى في 2012 ويصل عدد الدول التي تسمح سواء بالقتل الرحيم النشط أو السلبي إلى حوالي 20 دولة.

إن الهدف من طرح موضوع القتل الرحيم هو فتح النقاش حول ثلاث مسائل كبرى:

1- مبدأ الحق في الحياة والذي بقدر تقديسه تحول إلى “ديكتاتورية” تمارس على الجميع من طرف الجميع دون أن تنتبه “للأقليات”، مما يجعله مبدأ غير ديمقراطي.

2- الانتباه إلى الموضوع ليس من طرف الحكم العام السائد سواء كان باسم الدين أو القانون أو المجتمع أو العادات والتقاليد أو الذوق العام، ولكن من وجهة نظر المعنيين أنفسهم، المرضى الذين وصلوا درجة من الألم لم يعودوا يتحملون فلجأوا إلى الانتحار. أو من طرف ذويهم الذين كثير منهم أصيبوا بالاكتئاب وأمراض نفسية خطيرة جعلتهم يرتكبون جرائم.

3- الانتباه للمصاريف المالية للأسر والدولة.

4- الانتباه لجشع المصحات والمستشفيات الخاصة وتلاعبها بأهالي المرضى.
و تبقى مجرد مسائل للنقاش

Exit mobile version