العربي رياض
عالجت مجموعتا ناس الغيوان وجيل جيلالة العشرات من القضايا الإنسانية والإجتماعية، بما في ذلك قضايا حقوق الإنسان،
ومشكل الاعتقالات السياسية والاختطافات، التي طبعت سنوات الستينيات والسبعينيات، وهو ما جعل شعبية المجموعتين تتسع
أكثر،
خاصة وأن الظرف الذي تطرقتا فيه لهذا الموضوع، كان جد صعب، حتى أن الكثير ممن جايلوا المجموعتين، كانوا يعتقدون
أن أفراد هاتين المجموعتين اعتقلوا في العديد من المناسبات، ولكن في الحقيقة لم يسبق لأي فرد من أفرادها أن مسه الاعتقال
أو التعسف.
كان هناك حادث مهم، وحامت حوله العديد من الإشاعات والأقاويل، بخصوص اعتقال ناس الغيوان ونفي بعض أعضائها،
كان ذلك في أواخر سنة 1974، مباشرة بعد موت المرحوم بوجميع بأسابيع، ذلك أن المجموعة كانت مشاركة في إحدى
التظاهرات الفنية
بمدينة أكادير، وحضر عندها الجنيرال الدليمي، ودار حديث بينه وبين أفراد المجموعة مباشرة بعد هذا اللقاء العادي جدا،
سافرت
مجموعة ناس الغيوان إلى فرنسا، للمشاركة في بعض الحفلات الفنية وبمجرد وصولها إلى هناك طلعت جريدة لومند
الفرنسية
بمقال تقول فيه إن لقاء جمع الدليمي بالمجموعة في أكادير، وقال له أفرادها “بيننا وبينك دم بوجميع”، المقال جعل المجموعة
تظهر بمظهر البطل أمام جينرال لا يشبه الجينرالات، ولكن هذا الكلام فنده رئيس الفرقة عمر السيد، في العديد من المناسبات،
مصرحا بأن هذا النوع من الحديث لم يسبق أن أثير مع أي مسؤول كان، وخصوصا مع الجينرال الدليمي، الذي لم تلتقه
المجموعة
إلا في مناسبات قليلة.
أعضاء فرقة الغيوان أنفسهم لم يكونوا يعلمون بصدور ذلك المقال، بل أشعروا به من خلال مكالمة هاتفية من المغرب،
من أحد
الأصدقاء، الذي أخبرهم بأن الجريدة الفرنسية ”شراتها ليهم مع المسؤولين في المغرب”، المكالمة نزلت كالصاعقة على
أعضاء
المجموعة واحتاروا فيما يفعلون، قرر عمر السيد العودة إلى المغرب بعدما لم يتمكن من إقناع العربي باطما
وعبد الرحمان باكو
من العودة، حيث قررا المكوث هناك، إلى حين معرفة ما يجري، وإن كانت هناك نية لاعتقالهما.
ظل صديقا عمر السيد في فرنسا لأسابيع، فيما ظل هو يتحرى عن الموضوع، إلى أن أشعر من طرف المسؤولين بأن لا مشكلة
لناس الغيوان مع الدولة، التي تعلم أن أفرادها لم يصرحوا بأي تصريح للجريدة الفرنسية، لكن هذا الحادث جعل الإشاعات
تتلاسن في الأوساط الشعبية واعتقد الكثيرون بأن الغيوان لها مشاكل مع المسؤولين.
ما لا يعرفه الكثيرون، هو أن مجموعة لمشاهب، هي التي تعرضت لتضييق فعلي وتعسف حقيقي من طرف الأمن، خاصة
بعد أن
غنت أغنية “قولو يا أهلي للواصي علينا” وأغنية “هاك هذا ما سويتي”، إذاك، فرض عليها الكوميسير اليوسفي قدور
ألوانا من
القهر النفسي، بعدما استدعاهم إلى الكوميسارية، وأسمعهم وابلا من السب والقدح، وفرض عليهم القدوم إلى الكوميسارية
في
كل صباح للتوقيع والمغادرة، واستمرت هذه العملية لأسابيع، بل لشهور، ومنعوا من المشاركة في التظاهرات الفنية،
وأقفلت في
وجههم كل المسارح وحرموا من أداء عروضهم، إلى أن جاء الفرج من المرحوم الحسن الثاني، الذي أمر بأن تأتي
مجموعة
لمشاهب إلى القصر الملكي، لإحياء حفل هناك، ولما دخل أعضاء المجموعة وأخذوا في عزف أغنية “يا مجمع العرب” و حين وصلوا إلى المقطع الذي يقول، “مركبهم مكسور ما صابوا علماء” ليتدخل الملك ويقول “لا آوليداتي ما صبوا
زعماء ، وتقول الأغنية:
” يا مجمع العرب نوضوا نقلعوا
سفن العجم ف البحور
دارت قيامة
تا يقولوا العدا للعرب زلعوا
مركبهم مكسور
ماصابوا علما
سلموا أمركم ياعرب تجمعوا
وتوصلوا في الهنا و السلامة”
وهي أغنية قومية رائعة تتحدث عن لبنان في تلك الحقبة و عن القدس، وقد لاقت نجاحا واسعا لدى الشباب المغربي وحين عزفهم لأغنية “بغيت بلادي” تدخل المرحوم الحسن الثاني وعزف على آلة السانتيتيزور برفقتهم هذه الأغنية
واستشعر أعضاء المجموعة بأن ملك البلاد يتعامل معهم معاملة الأبناء، ولم تزعجه أية أغنية من أغانيهم، فسمحوا
لأنفسهم بأن يطرحوا عليه مشكلتهم، وفي الحال أعطى أوامره، لكي تفتح المسارح في وجه المجموعة فتوقف اليوسفي قدور
عن ملاحقتهم
وكانت مجموعة لمشاهب من أكثر المجموعات، وهذه للحقيقة و التاريخ، تعرضا للإزعاج، ولكن ليس بقرار رسمي،
وإنما من اجتهادات وتأويلات بعض المسؤولين، لأن أغاني لمشاهب في تلك الحقبة كانت جد مباشرة مقارنة مع المجموعات
الأخرى التي كانت تعتمد في تركيب أغانيها على الرمزية و الإيحاء أكثر، انطلاقا من توظيف الشعر التراثي المغربي..
و الصيغة المباشرة لجأت إليها الفرقة المغربية لمشاهب ليكون لها تميزها الخاص عن الغيوان و جيل جيلالة اللتين كانت
أعمالهما قوية جدا، دون أن نغفل
أن لمشاهب كانت هي ثالث مجموعة ستظهر للوجود، وكان لزاما عليها أن تخاطب الشباب أكثر لتجد لها موطئ قدم داخل
المنظومة الغيوانية
