إلى جانب زميلى جلال كندالي كان لي شرف دباجة سلسلة حوارية من 30 حلقة مع صديقي الفنان الكبير المرحوم مصطفى سلمات في صيف 2003 ، ارتايت أن أشاطركم جوانب منها كما كتبت قبل 17 سنة وفاء لعطائه الفني وأيضا للاطلاع على جزء من مسار المسرح المغربي والكاريزما التي كان يتمتع بها الفنان…
الخطوات الأولى ••• المهدي بنبركة وسينما الكواكب
العربي رياض
كان سني حوالي 12 سنة في سنة 1958، خلال هذه الفترة التحقت بمدرسة السلام الوطنية، بعدما اتصل بعض الاشخاص بوالدي ونصحوه بأن أغادر مدرسة “ركوفييي” الكائنة بدرب الطاليان بالمدينة القديمة، لأنها مدرسة تابعة “للنصارى” وبالتالي من العيب حسب اعتقادهم آنذاك ان أظل في مدرسة محسوبة على المستعمر•• كنت في مستوى القسم الخامس ابتدائي، لكن بمجرد ما التحقت بمدرسة السلام ارتأى المشرفون ان أعود الى القسم الرابع لأقوي لغتي العربية وأن أتابع دروس التقوية•• كان من بين المشرفين على هذه المؤسسة الاساتذة محمدقانية واحمد قانية وعبد الوهاب الشايب وغيرهم•• كانت مدرسة السلام تشهد عدة أنشطة وكان الجو حماسيا، انخرطت كسائر أقراني في هذا الجو، حيث كنا نستفيد من خرجات متنوعة وانشطة مسرحية ورياضية وغيرها•• بين الفينة والاخرى كان أساتذتنا يأخذوننا إلى دار الثقافة التي كانت توجد بشارع علال بن عبد الله بالدار البيضاء، وهناك رأيت عدة أشياء كنت أسمع عنها فقط، مثل لعبة كرة الطاولة والسينما والكراكيز•• كما كنا نحضر بعض الاعمال المسرحية التي كان يشارك فيها تلامذة المعهد البلدي، بدون شعور وجدتني اميل كثيرا لهذه الاعمال المسرحية، الشيء الذي دفعني في السنة الموالية الى التردد على دار الثقافة للاستفادة من الدروس التي يقدمها تلامذة المعهد البلدي، والذين أذكر منهم الشاوي وعبد الوهاب، الشايب، هذا الاخير الذي كان مكلفا بالانشطة في دار الثقافة••• كلما حضرت هذه الدروس اتخيلني فوق الخشبة أمثل أدوارا مختلفة، وقد تحقق هذا الحلم خلال إحدى المناسبات الوطنية، حين طلب مني أساتذتي بمدرسة السلام بأن أؤدي مسرحية ليلى والذئب بمعية فتاة جزائرية بحكم أننا نتقن اللغة الفرنسية، وشاركت بعد ذلك في مسرحية يوسف بن تاشفين التي شارك فيها معظم التلاميذ بمناسبة نهاية السنة، بعد هذه “التجربة” البسيطة جدا، أخذت أبحث عن فرقة مسرحية لأمارس معها هوايتي هذه، كنت كشخص ظمآن يبحث عن من يروي عطشه•• في الحي الذي اقطنه وهو الباب الجديد كان يوجد احد فروع حزب الاستقلال، وكانت تتمرن في بنايته فرقة مسرحية اسمها “النجمة الذهبية”، كانت هذه الفرقة تضم عبد الرحمان التونسي (عبد الرؤوف) ، عمر شنبوط، مصطفى مستعيد وغيرهم من الاسماء التي اتحفت ساحتنا المسرحية بأعمال رائعة•• احتضنني الاخوة في هذه الفرقة وشجعوني وأصبحت أشاركهم في الاعمال وكنت ألعب دائما دور الطفل نظرا لحداثة سني• وقد كانت تعترضنا دائما مشكلة وهي ان المصلحة التي كانت ترخص للفرق للمشاركة في مختلف القاعات كانت ترفض ان تمنحني الترخيص نظرا لصغر سني، وكانت دائما تطالبني بأن أحضر معي شهادة تثبت موافقة الوالدين، كانت هذه المصلحة توجد بكوميسارية المعاريف•• ولأن الوالدين لن يسمحا لي بممارسة المسرح اضطررت الى تزوير شهادة الموافقة ومنحتها الى المصلحة التي أصبحت ترخص لنا بسهولة، كنت في هذه الفترة قد حصلت على الشهادة الابتدائية وانتقلت الى ثانوية الازهر•• كنا نقدم ثلاثة عروض في الاسبوع وكان جدول زمني الاسبوعي يتوزع بين الدراسة من جهة والتمارين مع “النجمة الذهبية”، وحضور دروس المسرح بدار الثقافة، كما كانت لي هواية متابعة بعض جلسات المحكمة
بثانوية الازهر، تعرفت على عالم آخر وهو عالم السياسة، كان الصراع على أشده في تلك الفترة بين الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، إثر الانشقاق الذي قاده بعض القادة المناضلين عن حزب الاستقلال، هذا الصراع سيدخل رحاب الثانوية، وستتحول الثانوية الى ساحة معركة بين التلاميذ.. في هذه الفترة التحقت بفرقة تابعة للاتحاد المغربي للشغل مع الشبيبة العاملة، وكنا نعرض اعمالنا بقاعة “لاريزيدونس” هذه القاعة التي شهدت عدة تجمعات وحضور اسماء بارزة كالمهدي بن بركة والفقيه البصري والمحجوب بن الصديق وغيرهم•• كما كنا نتردد ايضا على قاعة سينما الكواكب التي كانت تشهد بدورها عدة لقاءات سياسية، أدبية وفكرية وفنية•• اتذكر ان هذه الفترة شهدت عدة مظاهرات تطالب تارة بإحداث دستور وأخرى تطالب باستقلال الجزائر وغيرها• وفي سنة 1961 سيخرج التلاميذ من المؤسسات لمؤزارة باقي فئات المجتمع في هذه المظاهرات فتم اعتقال العديد منهم•• وهنا أذكر اننا في الشبيبة العاملة كنا نستعد لاستقبال الشهيد المهدي بن بركة الذي كان سيلقي عرضا بسينما الكواكب• وقد اجتمع في القاعة جمهور غفير للاستماع الى هذا القائد الكبير، لكن أشعرنا المسؤولون بعد طول انتظار قدوم المهدي بأن العرض قد تم إلغاؤه، لنعلم يوما بعد ذلك ان الشهيد المهدي تعرض لمحاولة اغتيال في مدينة بوزنيقة وهو الشيء الذي منعه من الحضور