عقد حزب الاستقلال الدورة العادية الثانية لمجلسه الوطني، يوم السبت 27 أكتوبر 2018، بالقاعة المغطاة للمركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط، وذلك في ظل حضور هام لأعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، وحضور مكثف للإخوة والأخوات أعضاء المجلس الوطني للحزب الذين حجوا من مختلف جهات وأقاليم المملكة
وتميزت الجلسة الافتتاحية لهذه المحطة التنظيمية الهامة التي ترأس أشغالها شيبة ماء العينين رئيس المجلس الوطني للحزب، بالعرض السياسي لنزار بركة الأمين العام للحزب، بالإضافة إلى العرض الذي قدمه كريم غلاب عضو اللجنة التنفيذية للحزب حول مشروع تصور حزب الاستقلال للنموذج التنموي الجديد
وفيما يلي النص الكامل للعرض السياسي الهام لنزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال بأشغال دورة أكتوبر للمجلس الوطني :
تقوية المؤسسات التقريرية
نلتقي اليوم في دورة أكتوبر للمجلس الوطني، وهي الدورة العادية الثانية التي حرصنا أن تنعقدَ في آجالها على غرار الدورة الأولى للمجلس الوطني في أبريل الماضي. وهو النهج الذي نحرص عليه، طبقا لقوانين حزبنا، في انتظامية أعمال اللجنة التنفيذية، وكذا الاستحقاقات التنظيمية لباقي هياكل ومؤسسات الحزب على الصعيد الوطني والمحلي، من فروع ومجالس إقليمية ومنظمات موازية وروابط مهنية
وكما لا يخفى عنكم، إن دورة أكتوبر تتسمُ دائما بأهمية خاصة لأنها تتزامن مع انطلاق الموسم السياسي، وافتتاح الدخول البرلماني، وتقديم ومناقشة مشروع قانون المالية الذي سيحدد توجهات وتدابير السياسات العمومية خلال السنة الموالية، بما سيكون له من تداعيات على ظروف معيش المواطن، وقدرته الشرائية، وجودة الخدمات الأساسية المقدمة له، وبالتالي تأثيرِها بالسلب أو الإيجاب على منسوب ثقة المواطنات والمواطنين في هذه السياسات العمومية والمؤسسات الصادرة عنها
وهذا بالإضافة إلى ما جاشت به الفترة ما بين الدورتين من مستجدات وطنية سياسية واجتماعية واقتصادية، وتطورات على مستوى قضية الوحدة الترابية، وكذا العلاقات الجيو-استراتيجية لبلادنا. وهو الأمر الذي يستلزم منا على مستوى المجلس الوطني الوقوفَ عليه بالتحليل والنقاش في ضوء المواقف المعبر عنها من قبل اللجنة التنفيذية في تتبعها الحثيث لمُجريات الشأن العام والحياة الوطنية، وتفاعلها الفوري مع نبض المجتمع المغربي
إن جدول أعمال هذه الدورة يتميز كذلك بمواصلة استكمال الإطار المؤسساتي والتنظيمي لحزبنا من خلال انتخاب أعضاء اللجنة المركزية التي تعتبرُ قوةُ الحزب في الدراسة والأبحاث وتقديم التوصيات والاقتراحات، لا سيما فيما يتعلق بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وقضية الوحدة الترابية، وقضايا المناصفة وتكافؤ الفرص، والمغاربة المقيمين بالخارج
هذا، وإذ نتطلع إلى أن تقومَ اللجنةُ المركزية بأدوارها الدراسية والاقتراحية، في تكامل وتعاون مع باقي الأجهزة التقريرية والتنفيذية للحزب، وأن تصبحَ اللجانُ الدائمة المنبثقة عنها فضاءات موضوعاتية للتحليل والإبداع وبلورة البدائل، لنرجو أن تتعزز هذه اللجنة برسم هذا الاستحقاق الانتخابي بالأطر والكفاءات التي يزخر بها حزبُنا، بما يقتضيه ذلك من تنافس شريف بين المناضلات والمناضلين في إطار وحدة الصف، مع السعي إلى تحقيق ما أمكن مبدإ المناصفة
واعتبارا لكون المجلس الوطني هو المؤسسة التقريرية الأعلى بعد المؤتمر العام، التي تتولى التداول في التوجهات الكبرى للحزب والاختيارات الاستراتيجية للبلاد، فقد تقرر أن نعرض على الأخوات والإخوة الخطوط الرئيسية للمشروع الذي أعدته لجنة خاصة حول تصور الحزب للنموذج التنموي الجديد، في تفاعل مع الدعوة الملكية السامية الواردة في خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية بتاريخ 13 أكتوبر 2017. إن عرض مخرجات هذا التصور على هذه الدورة، بعد استكمال المسار الدراسي للمشروع على مستوى اللجنة الخاصة، والتداول داخل اللجنة التنفيذية، والتشاور الموسع على مستوى اللقاءات الجهوية التي تم تنظيمها، ليؤكد مرة أخرى أننا في حزب الاستقلال حزبُ مؤسسات، وحزب النقاش داخل المؤسسات
وبالتالي، ارتأينا أن تكونَ مساهمةُ حزبِنا في هذا الورش الاستراتيجي الهام المتعلق بالنموذج التنموي الجديد، والذي سيرهنُ حاضرَ ومستقبلَ بلادنا، (أن تكون) ثمرةً للحوار الديمقراطي المسؤول، وأن تخرجَ من صُلب القرار الاستقلالي الذي يمثلُه المجلس الوطني بعد المؤتمر العام
إيقاع جديد في المسلسل الأممي حول الصحراء المغربية، واعتزاز بإشراك المنتخبين
ستظل دائما قضيةُ وحدتِنا الترابية واسترجاعِ الأقاليم الجنوبية للمملكة، في صدارة انشغال الوجدان الاستقلالي الوفي لنضالات نساء ورجالات المقاومة وجيش التحرير من أجل مغرب حر، ومستقل وموحد. ولقد تتبعنا في الأشهر الماضية التسارع الملحوظ في إيقاع تدبير ملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية بعد القرار الأخير لمجلس الأمن؛ بحيث تم تقليص مدة التمديد لمهمة المينورسو من سنة إلى 6 أشهر، وتمت دعوة الأطراف المعنية بما فيها الجارة الجزائر، إلى مفاوضات بدون شروط مسبقة
وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة التنفيذية قد عبَّرَتْ في حيِنِه عن ارتياحنا لترجيح مجلس الأمن كفة العقل والواقعية والاستقرار الإقليمي في قراره الأخير، وتفاعله الإيجابي مع الثوابت التفاوضية والمبادرات الجادة والخطوات المتزنة التي تنهجها بلادنا إزاء استفزازات البوليساريو في تطاولها على الأراضي المغربية. كما سجلنا بارتياح التزام الاتحاد الإفريقي بدعم مجهودات المسلسل الأممي باعتباره الجهة الوحيدة المكلفة برعاية مسار التسوية ، وهو ما يعد انتصارا جديدا للموقف العادل لبلادنا، وأولى ثمار العودة إلى البيت الإفريقي المشترك
ومن جهة أخرى، شكلت الزيارة التي قام بها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء المغربية السيد هورست كوهلر، في نهاية شهر يونيو الماضي، ( شكلت) مناسبةً سانحة عبر فيها المنتخبون، بمختلف انتماءاتهم السياسية، بصفتهم الممثلين الشرعيين لغالبية المواطنين بالأقاليم الصحراوية، وفي طليعتهم الإخوة الحاج حمدي ولد الرشيد رئيس بلدية العيون، وسيدي حمدي ولد الرشيد رئيس جهة العيون الساقية الحمراء، وينجا الخطاط رئيس جهة الداخلة واد الذهب، وكذا شيوخ وأعيان القبائل، وممثلي المجتمع المدني، ( عبروا) عن تعبئتهم وراء جلالة الملك حفظه الله، وتشبثهم بمغربية الصحراء، وبمبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد لتسوية هذا النزاع الإقليمي المفتعل
ولا بد أن نثير الانتباه إلى أن هناك، في المقابل، تَسارُعًا مُماثلاً في وتيرة المناورات المناوئة كذلك، من جهةِ خصومِ الوحدة الترابية، خاصة ونحن نترقب جميعا صدور القرار الجديد لمجلس الأمن، ونثمن التجاوب الاستباقي لبلادنا مع دعوة المبعوث الشخصي السيد هورست كوهلر إلى مائدة مستديرة حول قضية الصحراء المغربية، بداية شهر دجنبر القادم بجنيف، وننتظر مصادقة البرلمان الأوروبي على اتفاق الصيد البحري، وبعد ذلك اتفاق الفلاحة، بعد إدراج أقاليمنا الجنوبية في نص الاتفاق الأول بما يحترم السيادة المغربية
ثمة تشويشٌ ممنهج داخل أروقة الأمم المتحدة، ولا سيما على مستوى مجلس الأمن واللجنة الرابعة، من أجل إحياء السيناريوهات الماضوية التي أبانت عن محدوديتها وفشلها؛ وهو الأمر الذي ينبغي التصدي له باليقظة وتكاثف الجهود والتعبئة الشاملة وراء جلالة الملك أيده الله، وإعطاء الأقاليم الجنوبية الصدارة في تفعيل الجهوية المتقدمة، وتسريع وتيرة تنفيذ مشاريع النموذج التنموي الجديد بهذه الأقاليم؛ وذلك في أفق منحها الحكم الذاتي في ظل السيادة الوطنية. ولا يسعنا هنا إلا أن نعتز بمشاركة الأخوين نعمة ميارة عضو اللجنة التنفيذية والكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، والأخ ينجا الخطاط رئيس جهة الداخلة وادي الذهب والأخت فاطمة السيدة نائبة رئيس جهة العيون الساقية الحمراء في هذا المجهود الوطني دفاعا عن قضية وحدتنا الترابية، من خلال ترافعهم بشأن التطور التنموي بأقاليمنا الجنوبية وفضح انتهاكات حقوق الإنسان بمخيمات تندوف وتجنيد الأطفال في الأعمال الحربية، وذلك في إطار مشاركتهم ضمن الوفد المغربي في اجتماعات اللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة يوم الأربعاء 10 أكتوبر 2018 بنيويورك. كما نعتز بمساهمة إخواننا المنتخبين بالأقاليم الجنوبية في التعريف بالقضية الوطنية وإبراز التطور التنموي وعائداته على الساكنة، وذلك سواء من خلال استقبالهم للجن الاستطلاعية الأوروبية بعين المكان أو من خلال مشاركتهم في اجتماعات بمقر الاتحاد الأوروبي ببروكسيل في إطار التحضير لتجديد الاتفاق الفلاحي واتفاقية الصيد البحري مع الجانب الأوروبي
وبهذه المناسبة، نجدد دعوة مختلف الفرقاء السياسيين وفعاليات المجتمع المدني والقوى الحية إلى التعجيل بإحداث الجبهة السياسية لتوحيد الجهود والمبادرات التي التزم بها “إعلان العيون”، على مستوى تقوية الجبهة الداخلية والديبلوماسية الموازية المؤثرة
لا مساس برموز السيادة ومقومات الهوية الوطنية
معشر الأخوات والإخوة ؛
لا يمكن مواجهة الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تعيشُها شرائح واسعة من المجتمع المغربي بالانهزامية والاستسلام، أو بجلد “الوطن” الذي ينبغي أن يظل فوق كل اعتبار ذاتي أو فئوي، وأن يبقى ملاذا يتسع للجميع مهما احتدت المشاكل وضاقت الآفاق
وفي هذا الصدد، لا يمكننا كحزب الاستقلال إلا أن نستنكر بشدة ما يتداعى أحيانا، وخاصة في الآونة الأخيرة ، من شعارات وسلوكات وأخبار كاذبة، تستغل حالة الإحباط التي يعانيها الشباب للمساس بثوابت الوطن ورموز سيادته، وتأزيم روابط الانتماء إليه
ونُذكِّرُ هنا مَنْ هُمْ في حاجةٍ إلى التذكير، بالتضحيات الجسام التي قدمها رواد الحركة الوطنية، وكفاح الشعب المغربي من أجل فكرة الوطن، ومن أجل استرجاع السيادة الوطنية للمغرب الذي نعيش برحابه اليوم، دون أن يعني ذلك الرضا على واقع الحال أو الاستسلام لنواقصه واختلالاته التي لن نكف كحزب الاستقلال عن فضحها والتنبيه إليها، واقتراحِ ما نراه ناجعا لمعالجتها وتجاوزها، حتى ينعمَ الجميع بفرص العيش الكريم والارتقاء المشروع، هنا داخل حدود هذا الوطن، الذي لن يتطور إلا بمحبة وقدرات وسواعد بناته وأبنائه. وأيًّا كانت الحلول والبدائل والفرص المتاحة، فإنها لن تأخذَ معناها الحقيقي والنافع للأفراد والمجتمع ككل، ما لم تكن مسنودةً بروابط الانتماء إلى الوطن، ومُشتبعةً بقيم الإنسية المغربية في تنوع روافدها وتلاحم عناصرها
لذلك، سنتصدى في حزب الاستقلال لكل الأفكار والتوجهات والممارسات التي تجازف بمنسوب الوحدة الوطنية، وتوظف التنوع والغنى الذي تتميز به الثقافة المغربية في تعبيراتها ومضامينها، من أجل خلق الشرخ والتصادم بين مكونات المجتمع، وافتعال أزمات قيمية، وعزل الهوية الوطنية عن امتداداتها الثقافية واللغوية في العالم المعاصر. وهي بذلك، تُعيدُنا من حيث لا تَحْتَسِبْ إلى طروحات الإثنوغرافية الاستعمارية المتقادمة في إذكاء العصبيات القبلية والثقافية واللغوية والجهوية؛ التي لا مكان لها في منطق الدولة والقانون والديمقراطية والأمة المغربية الموحدة
وقد نبهنا الحكومة، في هذا السياق، إلى عدم إقحام المجال التربوي في هذا التدافع الزائف، وأكدنا على مسؤوليتها في ضبط وتتبع الهندسة اللغوية في منظومة التعليم بما يحترم لغتي الدستور الرسميتين، العربية والأمازيغية، وينفتح على اللغات الأجنبية الأكثرَ تداولا. كما ندعو إلى تدارك الفراغ القانوني، في هذا الصدد، بالإسراع في إخراج القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية اللغة العربية وتطويرها وتنمية استعمالها كما ينص على ذلك الدستور، وإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية الذي سيسهر، كذلك، على صيانة الحسانية وحماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في بلادنا
لا تراجع على مجانية التعليم
ويجدر التنبيه، علاوة على ذلك، أن “اختلاق” النقاش حول المسألة اللغوية المحسومة دستوريا ومجتمعيا، لا ينبغي أن يشغَلَنَا عن دراسة وبلورة الموقف الملائم بصدد التوجهات والمقتضيات الخِلافية التي يتضمنها مشروع القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، الذي وصل أخيرا إلى البرلمان بعد مخاض طويل وعسير
وفي صلب الموقف الاستقلالي الثابت، أكدنا على رفض أي مساس بمبدأ مجانية التعليم، اقتناعا بأن التراجع عن هذا المكتسب سيزيد من تعميق عزلة المدرسة العمومية وسيحولها إلى وسيلة لتوسيع الفوارق والتمييز الفئوي بدل أن تكون فضاء للتمازج الاجتماعي واحتضان العيش المشترك، وسيزيد في تكريس هشاشة الطبقة الوسطى التي ستتحمل كلفة رفع مجانية التعليم، مما سيُسَرِّعُ في تقهقرها وتفقيرها، لاسيما أمام موجة الغلاء المتزايد في المعيشة وفي الخدمات الأساسية الأخرى
معارضة لا تزكي الغموض السياسي
أيتها الأخوات، أيها الإخوة ؛
لقد اخترنا، خلال الدورة الأولى للمجلس الوطني، بعد تشخيص موضوعي لواقع الحال، وتقييم جماعي لموقع حزبنا، (اخترنا بالإجماع) التموقعَ في مَصَف المعارضة: معارضةٌ استقلاليةٌ وطنية :
-
معارضة استقلالية في قراراتها ومواقفها ومبادراتها التي تنطلق من المرجعية التعادلية، ومن الرصيد الفكري والسياسي للحزب،
-
ومعارضة وطنية في اصطفافها الدائم إلى جانب المصلحة العليا للوطن والثوابت الراسخة، وفي ترافعها حول المطالب المشروعة للمواطنات والمواطنين، في تمكينهم من شروط الحياة الكريمة ومقومات المواطنة الكاملة ؛
-
وهي معارضة لا تستهدف الأشخاص أو الهيئات أو المؤسسات، وإنما تتوجه إلى الأداء الحكومي والسياسات العمومية، وتقترح الحلول والبدائل الواقعية
واليوم، بعد مضي ستة أشهر، وتفعيلا لقرار المجلس الوطني، تجند الحزب بلجنته التنفيذية وبفريقيه في البرلمان، بمختلف أجهزته وتنظيماته الترابية والقطاعية، لترجمة هذا التموقع في العديد من المواقف والقرارات والمبادرات، لا سيما ما يتعلق منها بالوحدة الوطنية والوحدة الترابية والإنسية المغربية، والقضايا العادلة التي تنسجم مع قيمنا الاستقلالية ومرجعيتنا التعادلية المتجددة، في استحضار دائم لمصلحة الوطن والمواطنين، وبما يرسخ الخيار الديمقراطي ببلادنا، ويستعيد الثقة في العمل السياسي والمؤسسات التمثيلية والمنتخبة. وطيلة هذه الفترة لم يَصْمُتْ حزبُنا، ولم يُهاودِ الحكومة وهي تُخطئ الموعدَ تِلْوَ الآخر، في الإنصات والتفاعل والفعل الفوري والاستباقي، وتُراهن بما تبقى لدى المواطنات والمواطنين من صبر وتعقل وقدرة على التحمل في مواجهة محنة البطالة والغلاء وتدهور القدرة الشرائية
ومن موقع المسؤولية والمعارضة الاستقلالية الوطنية، توجهنا للحكومة إلى أن الظرفية الراهنة، بتعقيداتها وتداعياتها السياسية والاجتماعية والتنموية، تستلزم الإسراع بوضع وتفعيل استراتيجية للتقويم الشامل للأوضاع كفيلة بتبديد الشكوك وطمأنة المواطنين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، والتجاوب مع التطلعات المشروعة إلى الكرامة والعدالة الاجتماعية والتوزيع المنصف للثروة، وتأمين الطريق إلى المستقبل برؤية واضحة وأولويات محددة وأهداف إرادية في استكمال مسار الإصلاح والمصالحات والبناء الديمقراطي الذي اختارتُه بلادنا
وفي مقابل هذه المعارضة البناءة التي تمدُّ يَدَ التعاون والتشارك لمختلف الفرقاء في الصف الوطني والديمقراطي، لِمَا فيه مصلحةُ بلادنا وشعبنا، (وفي مقابل ذلك) حَرِصنا في حزب الاستقلال على المساهمة في فرز المشهد السياسي، وتوضيح تقاطباته بين الأغلبية والمعارضة
وهكذا رفضنا، بمناسبة انتخابات رئاسة مجلس المستشارين، تزكية منطق الغموض والضبابية السياسية وممارسات خلط الأوراق التي لم تعد مقبولة من طرف الرأي العام والمواطنات والمواطنين، وبالتالي تَضْرِبُ في العمق مصداقية السياسة والديمقراطية ببلادنا. واعتبرنا أن التنافس الانتخابي السليم على رئاسة مجلس المستشارين لا يستقيم في غياب مرشح للأغلبية وتعددية حقيقية مبنية على البرامج المُقنعة والتموقعات الواضحة بين الأغلبية والمعارضة برسم هذا الاستحقاق
إنه التموقع الذي اختاره الحزب: بالمعارضة البناءة، وبالمعارضة التي لا تساهم في الضبابية السياسية، وبالمعارضة التي تقترح البدائل والحلول في خدمة المواطن، وبالمعارضة التي تنتج الأفكار والتصورات وتُعيد بالتالي للخطاب الاستقلالي مكانَتَهُ المُؤثرة – كما تلاحظون- في حقل التداول السياسي والنقاش العمومي ( وهو مبعثُ افتخارٍ لنا كاستقلاليات واستقلاليين)
تقاعس الحكومة يغذي أزمة الثقة
معشر الأخوات والإخوان ؛
اليوم بعد مرور 6 أشهر على هذا الاختيار، نُلاحظ أن دواعي انتقالِ حزبنا إلى المعارضة لا زالت قائمةً، بل هذه الدواعي ازْدَادَتْ رسوخًا ووجاهةً بعدما أصبح التقاعس والتردد والبطء والتدخل المتأخر، عوائق هيكلية في الأداء الحكومي خلال الأشهر الماضية. وفضلا عن ذلك، فإن الحكومة مصرة على المضي في نفس المقاربات والسياسات التي أثبتت عجزَها في التجاوب مع الحاجيات الملحة والمطردة للمواطنات والمواطنين، ومصرة على العناد في عدم الإنصات إلى معاناة المواطن، والعناد في عدم مباشرة حوار اجتماعي حقيقي ومسؤول، والعناد في عدم الانفتاح على كل اقتراح أو مساهمة واردة من القوى السياسية والحية في المجتمع
وفي هذا السياق، سبق أن قدم الحزب باسم فريقيه في غرفتي البرلمان، في متم شهر ماي المنصرم، مذكرة استعجالية لرئيس الحكومة لوضع قانون مالية معدل لما تبقى من السنة، من أجل اتخاذ تدابير إرادية لا تقبل التأخير لمواجهة غلاء المعيشة وتحسين القدرة الشرائية ودعم تشغيل الشباب
لكن الحكومة ارتأت أن الوضع لا يستلزم الاستعجال، وأنه على أجواء القلق والاحتقان والتذمر التي تستشري في أوساط الأسر والرأي العام الوطني، أن تنتظر إلى سنة 2019، لعل وعسى أن تأتيَ الظرفيةُ بالفَرَج والحلِ السحري :
إن الحكومة لا تُشْعِرُنا بأنها تُقدِّرُ فعلا حساسية اللحظة الصعبة التي تمر منها بلادُنا، وما لها من تحديات وتبعات:
-
في هدر زمن الإصلاح،
-
وفي إضعاف جاذبية الاستثمار وسوق الشغل،
-
وتراجع المناخ المشجع للسلم الاجتماعي والعيش المشترك،
-
وفي استمرار تدهور القدرة الشرائية أمام إصرار الحكومة على تجميد الأجور، وإفشال الحوار الاجتماعي مع إلقاء اللائمة على المنظمات النقابية،
-
وفي انتشار إحساس الخوف الذي أخذ يستقر مكان الثقة في الحاضر والمستقبل،
-
وفي استنفاد ما تبقى من القدرة على التحمل لدى المواطن والأسر التي تَشْعُر أن الحكومة قد تخلت عنهم أمام إكراهات العيش اليومي: من تعليم وشغل وسكن وتَنَقُّل وخدمات صحية
إننا في حزب الاستقلال نعتبر أن الحكومة تتنصل من الاضطلاع باختصاصاتها الدستورية، وتتهرب من تحمل مسؤوليتها في العديد من الالتزامات والملفات :
o أين هو الحوار الوطني حول النموذج التنموي الجديد ( بعد سنة كاملة على التكليف الملكي) ؟
o أين هي السياسة المندمجة الجديدة للشباب التي ستقدم العرض المتكامل القادر على تمكينهم من التكوين الملائم والشغل اللائق والإطار المحفز على الاندماج الاقتصادي والاجتماعي والمواطناتي ؟
o ماذا وفرت الحكومة لوقف تدفقات الهجرة السرية والعلنية للشباب وذوي الكفاءات، وحثهم على الاستقرار وخدمة الوطن ؟
o ما مآل المخطط الحكومي الذي وعد الشباب بخلق مليون و200 ألف فرصة شغل أمام حالات الإفلاس والاختناق الكبير الذي تعانيه المقاولات الصغرى والمتوسطة ؟
o أين هو تسقيف أسعار المحروقات الذي التزمت به الحكومة منذ أشهر، وأسعار الغازوال قد تجاوزت السقف النفسي الوطني، وهي مرشحةٌ للارتفاع نتيجة المنحى التصاعدي الجديد لسعر النفط في الأسواق الدولية الذي قد يصل – لا قدر الله- إلى حدود 100 دولار للبرميل ؟
o أين هي استباقية الحكومة في تبديد مخاوف الأسر والمهنيين المضربين حاليا، من انعكاس ارتفاعات أسعار المحروقات على أثمان وتسعيرات نقل الأشخاص والسلع، وعلى تنافسية قطاع النقل، وعلى التموين الكافي للأسواق بالمواد الأساسية والأكثر استهلاكا، وبالتالي ضرب جديد للقدرة الشرائية ؟
الأسئلة كثيرة، والحكومة على موقفها المعتاد: إما الصمتُ والتجاهل، وإما التسويفُ والهروب إلى الأمام، وإما الانشغالُ عن كل ذلك بخُصومات أغلبيتها المُرْهَقَة، والتَذَرُّعِ مرة أخرى بغياب التماسك بين مكونات أغلبيتها لتبرير الانتظارية وإهدار الفرص، وتبرير تهرب الحكومة من القيام بمسؤولياتها الدستورية، والجري وراءَ حملةٍ تستعجلُ 2021 قبل أوانها، رغم دقة المرحلة والمخاطر المحدقة اليوم قبل الغد.
خارطة ملكية جديدة للإصلاح
أخواتي، إخواني
لقد تميزت الأشهر الماضية، من جهة أخرى، بانطلاق حركية إصلاحية قوية ومكثفة تحت قيادة جلالة الملك أيده الله، تستهدف النهوض بالأوراش ذات الأولوية اجتماعيا واقتصاديا؛ وذلك بإرساء سياسات أكثر نجاعة في الحماية الاجتماعية، وإدماج الشباب، وتأهيل التعليم بمختلف أسلاكه، وملاءمة التكوين مع سوق الشغل، وتحسين مناخ الاستثمار، ومأسسة الحوار الاجتماعي، وتأهيل العالم القروي، وإخراج ميثاق اللاتركيز بما يعزز الجهوية المتقدمة، وكذا الانتقال إلى المرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. فأمام قصور الحكومة على الاضطلاع بمهامها الدستورية وانشغالها بتدبير خلافاتِها المُتَنَاسِلة، شكلت الخطب الملكية السامية بمناسبة عيد العرش المجيد، وذكرى ثورة الملك، والشعب، وافتتاح السنة التشريعية الجديدة، وما تخللها من مبادرات وجلسات عمل بإشراف “مولوي” من جلالة الملك، (شكلت) يقظة إصلاحية جديدة بمخطط إجرائي دقيق للإنجاز والتتبع على المدى القصير والمتوسط.
وقد ثَمَّنَا عاليا في حزب الاستقلال هذه المقاربة الملكية الحكيمة والمتبصرة لاستعادة زمام الفعل الإصلاحي، وإعادة تأطير السلطة التنفيذية والعمل الحكومي لتسريع وتيرة معالجة الاختلالات والملفات المتعثرة والعالقة، والرفع من أدائها بما يتناسب مع المطالب المشروعة للمواطنات والمواطنين والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
وفي هذا السياق، أكدنا على أن الحكومة مطالبة بتحيين أولويات وأهداف البرنامج الحكومي، الذي حصلت من خلاله على ثقة مجلس النواب عند تنصيبها، وذلك في ضوء خارطة الإصلاح الملكية الجديدة التي تستحضر الحاجيات والتحولات المجتمعية المستجدة، والتي تضع من خلال المبادرات والأوراش الاستراتيجية التي أطلقتها، أهم لبنات وتوجهات الانتقال إلى النموذج التنموي الجديد. واعتبرنا أن الحكومة كذلك مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى الانكباب على التطبيق السريع والفوري لخارطة الطريق المندمجة والإجرائية التي سطرها جلالة الملك نصره الله، مع العمل على تعبئة وانخراط مختلف الفعاليات والقوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل إنجازها وتحقيق نتائجها المرجوة.
تدبير ميزانياتي لا يواكب الخصاص الاجتماعي
أيَّتُها الأخوات، أيُّها الإخوة؛
هل تبخرت وعود الحكومة مرة أخرى على محك مشروع القانون المالي 2019 ؟
إن القراءة الأولية لمشروع القانون المالي لا يحمل ما كنا نتطلع إليه، في حزب الاستقلال، من تغيير على مستوى الهندسة الميزانياتية للأولويات الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما فيما يتعلق بأجرأة إصلاح التعليم وخاصة التعليم الأولي، وتطوير العرض الصحي، وحماية القدرة الشرائية، والرفع من الأجور، والدعم الجبائي للمقاولات المشروط بتشغيل الشباب، والتقليص من نمط عيش الإدارة…وغَيْرُهَا كثيرٌ.
ذلك أن مشروع قانون المالية لسنة 2019، ورغم التوجهات والأهداف والنوايا الطموحة التي تم الإعلان عنها في رسالته التأطيرية، فإنه يظل سجين التصور القطاعي “الأورتودوكسي” في إعداد الميزانية، الذي لا يتسع للتطوير والإبداع، و لا للإرادية السياسية التي ينبغي أن تتميز بها الحكومة الحالية وهي تواجه احتقان الشارع، وضعف الخدمات، وانحسار النمو في إنتاج الثروة والشغل القادرين على تحقيق الارتقاء الاجتماعي للشباب والمعوزين.
فلا يكفي أن نرفع من اعتمادات قطاعي التعليم والصحة مثلا لكي نَزْعُمَ أننا بصدد قانون مالي اجتماعي؛ ذلك أنه إذا لم تندرج الميزانية في إطار رؤية استراتيجية، وحكامة ناجعة وفعالة، تقطع مع الاختلالات والسلبيات المسجلة، فإن تلك الاعتمادات الإضافية ستكون ضعيفة الجدوى، ولن تصل إلى أهدافها على غرار الاعتمادات المالية التي سَبَقتها، ولن يصلَ وقعُها إلى المواطن كخدمات ذات جودة يحتاجها في حياته اليومية.
فكيف يمكننا ضمان نجاح رؤية إصلاح التربية والتكوين بفلسفتها النبيلة وأهدافها الإدماجية، إذا لم تنخرط أسرة التعليم الموزعة حاليا بين:
o كتلة مقبلة على التقاعد بكثافة في السنوات القادمة،
o وكتلة شابة من الموارد البشرية غير الراضية على وضعية الهشاشة وعدم الاستقرار الوظيفي التي ما فتئ يكرسها القانون المالي في السنوات الأخيرة، من خلال الاكتفاء بالتعاقد – والتعاقد فقط- في هذا القطاع الحيوي.
ومن بين المفارقات التي تُسائِلنا، في تزامن مع عرض مشروع قانون المالية، هو اختراق الهشاشة كذلك لقطاع الصحة العمومية بتوالي استقالات الأطباء بالعشرات في عدد من المدن، وهو الأمر الذي يفيد أن الزيادة في الاعتمادات المالية والموارد البشرية أساسيةٌ لتطوير القطاع، لكن ذلك غير كاف، ولن يحقق النتائج المرجوة لتحسين ظروف العمل، وتمكين المواطن من الولوج الفوري إلى التطبيب عند المرض، وذلك في غياب النجاعة والنزاهة والشفافية في تدبير الاعتمادات المرصودة، ومكافأة الاستحقاق، ومراجعة الخريطة والعرض الصحيين حسب حاجيات العدالة المجالية، وتعزيز الثقة بين الطبيب والإدارة من جهة، وبين الطبيب والمواطن من جهة ثانية.
من هذا المنظور، اعتبرنا في حزب الاستقلال أنه لا بد من أن يجسد قانون المالية إرادة الحكومة في الإصلاح، وأن يُؤَشِّر على الانعطاف الحقيقي نحو النموذج التنموي الجديد، وأن لا يستمر في إعادة إنتاج الاختيارات والتدابير التي تسببت في أزمة النموذج الحالي بتوجهه الليبرالي غير المتوازن، وباتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية، وفي التوزيع الجهوي غير المنصف للاستثمار العمومي، وفي ضعف مردودية هذه الاستثمارات العمومية من حيث فرص الشغل والأثر التنموي عموما.
هذا، ولن نتوانى، من خلال فريقي الحزب بغرفتي البرلمان، عند دراسة ومناقشة مشروع القانون المالي 2019، (لن نتوانى) في تقديم الاقتراحات والتعديلات التي من شأنها تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وإنصاف الفئات الأكثر خصاصا، وحماية القدرة الشرائية للطبقة الوسطى، وتحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة لتشغيل الشباب، والإبقاء على القطاعات والخدمات الاجتماعية الأساسية في إطار المرفق العام، وتحصين القرار السيادي فيما يتعلق بالقطاعات والمؤسسات الاستراتيجية والحيوية.
نحو نموذج تنموي تعادلي: التصور الاستقلالي
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
لقد سبق أن عَرضنا على أنظار المجلس الوطني، في دورة أبريل الماضي، الأرضية الأولية لتصور حزبنا حول النموذج التنموي الجديد، وهي الأرضية التي سَهرت على إعدادها اللجنة الخاصة التي تم إحداثها في هذا الشأن مباشرة بعد الدعوة الملكية السامية إلى مراجعة النموذج التنموي الحالي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية في 13 أكتوبر 2017.
ونعود إليكم اليوم، كأعلى مؤسسة تقريرية بعد المؤتمر العام، من أجل تقديم مخرجات الأعمال المنجزة بصدد النموذج التنموي الجديد كما نتطلع إليه نحن كاستقلاليات واستقلاليين. وهو مشروع اسْتَوىَ على مستوى اللجنة الخاصة في صيغة أولى – شهر ماي المنصرم- كانت موضوع نقاش وتحيين وإغناء، داخل اللجنة التنفيذية، وخلال اللقاءات التشاورية الجهوية التي تم تنظيمها في هذا الصدد.
واليوم، نستكمل هذا المسلسل الدراسي والتداولي والتشاوري، بتعميق وتوسيع النقاش حول هذا المشروع، والمصادقة على خطوطه العريضة، وذلك في أفق تقديم تصور حزبنا إلى اللجنة التي أعلن جلالة الملك حفظه الله عن إحداثها، والتي ستتولى تجميع المساهمات، وترتيبها وهيكلتها، وبلورة خلاصاتها، في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج. وكما لا يخفى عنكم، فإن هذا المشروع الذي تم إعداده وفق مقاربة تشاركية موسعة، يستثمر بالأساس قيم ومقاصد مرجعيتنا التعادلية المتجددة، كما يقترح انطلاقا منها مفهوما جديدا للتنمية حيث تنصهر رهانات التنمية البشرية ومتطلبات التنمية المستدامة على مستوى العمق الترابي، وهذا التصور معزز بمنظومة من الإجراءات والتدابير العملية ذات الوقع المباشر على حياة المواطنات والمواطنين.
النموذج التنموي بين المشروع المجتمعي والبرنامج
أخواتي، إخواني؛
نُقَدِّرُ عاليا في حزب الاستقلال هذا المنحى التشاركي المفتوح الذي أكد عليه جلالة الملك حفظه الله، في تعبئة التفكير الجماعي حول هذا الورش الاستراتيجي، وهو ما يرجع النقاش حول النموذج التنموي الجديد إلى نبض المجتمع ومعترك العرض السياسي والمبادرة المواطنة، من خلال الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية وجمعيات المجتمع المدني. ولكي لا يظل هذا الورش محصورا بين الخبراء ومراكز التفكير والبحث ومكاتب الدراسات وبين دوائر اتخاذ القرار.
وفي اشتغالنا على بلورة تصور استقلالي حول النموذج التنموي، اعتبرنا أنه لا بد من تحديد إطار مرجعي لهذا الاشتغال:
o أولا: النموذج الحالي ليس فاشلا وإنما بلغ مداه واستنفد إمكاناته التنموية، ذلك أن العديد من المكتسبات قد تحققت في ظل هذا النموذج (تدارك الخصاص المتراكم/ الإصلاحات الاقتصادية/ سياسة الأوراش الكبرى/ المخططات القطاعية/ تحسن الدخل الفردي/ تراجع الفقر بحوالي الثلثين/ تضاعف التغطية الصحية 3 مرات/ تعميم التمدرس …)، ولكن هذا النموذج لم يعد قادرا على مواكبة تحولات الطلب الاجتماعي( تعليم وصحة وتشغيل وسكن) والنمو الاقتصادي (تقهقر النمو نحو عتبة أقل) والدفع بدينامية الإصلاح، وبالتالي، أصبح الاستمرار في هذا النموذج مُكلفا على مستوى التماسك الاجتماعي ( اتساع الفوارق الاجتماعية والمجالية)، ونمط الحكامة ( ضعف النجاعة والمردودية).
ثانيا: يتجاوز هذا الورش الوطني الكبير منطق الأغلبية والمعارضة، أو الفصل بين المجتمع السياسي والمجتمع المدني، وبالتالي لا بد أن يكون النموذج موضوع تعاقدات وتوافقات كبرى بين مختلف الفاعلين والقوى الحية في المجتمع، في إطار حوار وطني يتسع كما يستوعب مختلف التصورات والعروض؛ من أجل تحديد الوجهة، وتوضيح الرؤية، وتحديد الأولويات ومسالك العمل المؤدية إليها.
ثالثا: ينبغي أن يندرج هذا النموذج الجديد في إطار المشروع المجتمعي المشترك الذي يحدد الدستورُ مقوماتِه الأساسية:
o الثوابت الجامعة للأمة بما فيها الخيار الديمقراطي في ظل الملكية الدستورية، الديمقراطية البرلمانية والاجتماعية،
o تمفصل الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية،
o تثمين وصيانة التنوع الثقافي واللغوي في إطار الوحدة الوطنية،
o اعتماد منظومة متقدمة في الحقوق بمختلف أجيالها،
o تكريس مقومات المواطنة الكاملة في توازن بين الحقوق والواجبات،
o إقرار المساواة ومحاربة مختلف أشكال التمييز،
o ضمان حق الملكية، وحرية المبادرة والمقاولة، والتنافس الحر والشريف،
o ربط المسؤولية بالمحاسبة، وعدم الإفلات من العقاب…
رابعا: ينبغي التمييز بين النموذج التنموي الذي يخرج من المشروع المجتمعي المشترك ويتبلور في إطار التعاقدات المجتمعية الكبرى، وبين البرنامج الإجرائي لكل حزب على حدة، والذي يقترح عرضا سياسا لتنفيذ وأجرأة هذا النموذج، وبالتالي يكون موضوعا للتنافس الانتخابي حسب المرجعيات والقناعات والهويات الإيديولوجية المتمايزة للأحزاب.
خامسا: نعتبر أن النموذج ليس مجرد توجهات واختيارات وسياسات قطاعية معزولة عن بعضها البعض، بل لا بد من منظور سياسي ورؤية شمولية ومندمجة، يتقاطع فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومنظومة التشريع والحكامة، والبعد الترابي، كما جاء في الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المنتدى البرلماني الدولي الثالث للعدالة الاجتماعية بتاريخ 19 فبراير 2018.
إضفاء المعنى السياسي وإجراء القطائع
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
لقد توقف النقاش، في مختلف محطات إعدادِ تصور حزبنا للنموذج التنموي الجديد، عند أهمية إضفاء المعنى السياسي على هذا النموذج، وجعله طفرة قوية في المسار الإصلاحي والانتقال الديمقراطي في بلادنا.
وفي هذا الصدد، نجدد التأكيد على أن الإصلاحات السياسية والمؤسساتية والديمقراطية هي محورُ كُلِّ التعاقدات المجتمعية، ومدخلٌ حاسمٌ لتحقيق القطائع والانتقالات الفعلية، وإنجاز الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، والتجاوب مع الحاجيات المتزايدة والمطالب المشروعة للمواطنات والمواطنين.
ومن أهم مخرجات النقاش، كذلك، التشديد على أن أزمة التنمية في بلادنا لا تنفصلُ عن أزمة حكامة السياسات، وأن تراجع “السياسي” أصبح اليوم “مُعَطـِّلًا” وعاملَ انحسارٍ للنموذج التنموي الحالي، بعد أن كان محركا وسندا أساسيا في التنمية خلال تجارب الإصلاح الدستوري، والانتقال الديمقراطي، والتناوب التوافقي، والمصالحات الكبرى منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي. ومن هنا، لا يمكن فصل أزمة النموذج التنموي عن حالة الإجهاد العميق الذي يعتري سيرورة الإصلاحات ويحول دون استكمالها وتنزيلها، كما أن النموذج التنموي بمؤهلاته الحالية أصبح أدنى من أن يتناسب مع الأفق العالي لدستور 2011 على المستوى الحقوقي والديمقراطي.
وفي غياب المعنى السياسي، لا يمكن الحسم في الاختيارات وإجراء القطائع التي لا محيد عنها من أجل الانتقال إلى النموذج التنموي الجديد، وذلك كالتالي:
1. الانتقال من مجتمع مبني على “الواسطة” والامتيازات والدوائر النفعية المغلقة إلى مجتمع الحقوق المكفولة للجميع على قدم المساواة، في إطار سمو القانون، وشفافية مساطر الولوج إلى الخدمات مع تبسيطها، وصياغة وإنفاذ القوانين على أساس الثقة في المواطن، والقطع مع أسباب “الحكرة” في علاقة المواطن بالإدارة والمؤسسات،
2. الانتقال من مقاربة مبنية على الآنية وإطفاء الأزمات إلى الاستباقية والرؤية الاستراتيجية الطويلة المدى، التي ترتكز على البرمجة وضع الآليات اللازمة للإنصات والاستشارة والتفاعل المبكر واستشراف المستقبل، واعتماد الاستدامة في مقابل الحلول الترقيعية ذات الوقع المؤقت،
3. الانتقال من تشتيت الموارد والتدخلات إلى الاستهداف، وذلك من خلال:
o بلورة استراتيجية مدمجة للنهوض بكل من المناطق الجبلية والشريط الحدودي،
o بلورة وتنفيذ سياسات اجتماعية تهدف غلى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية و تقوية تكافؤ الفرص بين كل المواطنين، وفي كل أنحاء المملكة،
o استهداف الأسر – عوض الأفراد- من قبل البرامج الاجتماعية لتمكينها من الارتقاء الاجتماعي والمجتمعي.
4. الانتقال من التدبير العمودي الى المقاربة المندمجة التي تعتمد على التقائية وتكامل الخدمات والمشاريع التنموية على المستوى الترابي، وهو ما سيمكن من تحقيق نتائج ملموسة على المعيش اليومي للمواطن، وكذا ترشيد النفقات والموارد المالية المرصودة وتحسين مردوديتها الاقتصادية والاجتماعية؛
5. الانتقال من نموذج تشييد البنيات الى نموذج بناء القدرات من خلال الرهان على الرأسمال البشري، بـ:
o تطوير القدرات البشرية والمقاولاتية لمواكبة الدينامية الجديدة التي نطمح اليها؛
o تطوير القدرات الانتاجية، وجعل الاستثمار يخلق فرص شغل بصفة مباشرة وغير مباشرة ودائمة؛
o وتطوير القدرات التكنولوجية والابداعية التي تستشرف المستقبل، وتجدد أدوات الإنتاج وتحمي تنافسية المنتوج الوطني.
6. الانتقال من الاستهلاك المفرط للموارد النادرة، لا سيما الماء والطاقة والموارد المالية، إلى الاستهلاك العقلاني لهذه الموارد والعمل على تثمينها من أجل التنمية وتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، مما يستلزم وضع رؤية استراتيجية لاستثمار هذه الموارد النادرة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية مع إقرار شروط إلزامية لضمان الاستدامة.
أخواتي، إخواني؛
تلكم فقط بعض المداخل والمنطلقات والمحددات التأطيرية التي يحتكُم إليها مشروع التصور الاستقلالي الذي تم إعداده حول النموذج التنموي الجديد، وسيتولى الأخ كريم غلاب عضو اللجنة التنفيذية، مشكورا، تقديم مجمل مخرجات هذا المشروع.
وكلمة أخيرة في هذا الموضوع، أشدد مرة أخرى على ضرورة إضفاء المعنى على هذا التحول وإعطائه مضمونا حقيقيا، حتى لا يصبح مجرد خطابات أو تسميات للاستهلاك السياسي أو الإعلامي. ولا بد كذلك من إشراك المواطن عبر مشاركة الهيئات السياسية والنقابية والمنظمات المهنية والمجتمع المدني، وكل الآليات التمثيلية، وذلك حتى نضمن تملك هذا المشروع من قبل المواطن، وحتى يقتنع بالملموس الشباب خاصة أن هذا النموذج الجديد سيكون فعلا هو بوابةُ الارتقاء بالنسبة إليهم نحو حياة أفضل بالإنصاف في توزيع الثروة، والمواطنة الكريمة.
تأهيل الحقل السياسي واستعادة ثقة المواطنين
حضرات الأخوات والإخوة؛
إن تأهيل الحقل السياسي بما يعيد الاعتبار لصورة وممارسة الفاعل السياسي في الشأن العام أصبحت من أولويات استعادة ثقة المواطنين والفاعلين في مصداقية الممارسة السياسية.
وهو ما سيُمَكِّنُ الوساطة الحزبية والسياسية من استرجاع أدوارها في تمثيل وتأطير وتوجيه المواطنين وتمكينهم من إسماع صوتهم والتعبير عن تطلعاتهم وانتظاراتهم، سواء بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية أو عبر آليات الديمقراطية التشاركية التي يكرسها الدستور؛
وفي هذا الإطار، أكدنا، في أكثر من مناسبة على أن تطوير الأحزاب السياسية ودعمها للقيام بأدوارها الدستورية في تأطير المواطنين وفي تقديم الاقتراحات والبدائل القادرة على المساهمة في بناء المستقبل، يعتبر من المداخل الأساسية لتأهيل الحقل السياسي ببلادنا ولإعادة الثقة في المؤسسات التمثيلية والعمل الجاد وتوطيد المسار الديمقراطي ببلادنا؛
ونثمن بهذا الخصوص، ما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، من تقدير لدور الأحزاب السياسية ودعوته السامية إلى تطوير أدائها وآليات اشتغالها، وقرار جلالة الملك حفظه الله الرفع من الدعم العمومي لها حتى تستطيع النهوض بمسؤولياتها الدستورية.
مبادرة المصالحة مع الريف
أخواتي، إخواني
تفعيلا لاستراتيجية الحزب الجديدة خاصة ما تعلق منها بالمصالحة في أبعادها الكبرى، وإعمالا لتواصل القرب وفضيلة الإنصات المباشر لهموم وانشغالات المواطنات والمواطنين، كما تمليه علينا المسؤولية الوطنية والالتزام الحزبي، قمت بمعية بعض أعضاء اللجنة التنفيذية بزيارة لمدينة الحسيمة في يوليوز الماضي، للتواصل المباشر مع المناضلات والمناضلين وساكنة المنطقة، في سياق ما عرفته من احتقان اجتماعي، وصدور أحكام قضائية ثقيلة على خلفية الأحداث التي عرفتها المدينة؛
وقد تم التأكيد في اللقاء التواصلي، على أن ورش جبر الضرر الجماعي بالحسيمة لم يكتمل والمشاريع التي تمت برمجتها لهذه الغاية كانت محدودة ولم تنجح، خاصة في جانبها التنموي، وأن مخطط منارة المتوسط الذي يرعاه جلالة الملك هو جواب قوي من أجل تدارك هذا التعثر في تحقيق المصالحة الكاملة وجبر الضرر الجماعي؛
وأنه بموازاة ذلك، ينبغي الاشتغال على الجانب الرمزي والثقافي في حفظ وتثمين ذاكرة المنطقة وخصوصيتها في إطار الهوية الوطنية الموحدة والمتميزة بتنوع مكوناتها؛
وفي نفس السياق، أعلنا عن استعداد حزب الاستقلال لفتح ورش المصالحة مع المنطقة وتقديم الاعتذار في حالة ثبوت علاقة الحزب ورجالاته بالأحداث الأليمة لسنتي 1958 و1959، وذلك في أفق الطي النهائي لهذا الملف؛
وتفعيلا لهذه المبادرة، عملنا في اجتماع اللجنة التنفيذية يوم الإثنين 9 يوليوز 2018 على أجرأتها من خلال تشكيل لجنة يرأسها الأخ شيبة ماء العينين، رئيس المجلس الوطني للحزب، وعضو اللجنة التنفيذية المسؤول عن رصيد وذاكرة الحزب والمصالحة، يكون من مهامها استجماع المعطيات التاريخية المرتبطة بهذه الأحداث، والاستماع إلى شهادات مؤرخين وشخصيات وطنية ومواطنين من المنطقة عايشوا هذه المرحلة وذلك بهدف المكاشفة وتسليط الضوء حول علاقة الحزب بما جرى، واستجلاء الحقيقة وإزاحة الكثير من الغموض والمغالطات المحيطة بهذا الموضوع في أفق مصالحة تتوجه نحو المستقبل؛
تجديد الهياكل والتنظيمات
معشر الأخوات والإخوة؛
لقد سبق لقيادة الحزب، كما تعلمون أن قررت إعطاء الأولوية خلال سنة 2018 للدينامية التنظيمية للحزب، من خلال تجديد الفروع أو إحداثها في المناطق التي لا توجد فيها بهدف استعادة توهج وقوة الحضور التنظيمي للحزب في الجهات والأقاليم؛
وهكذا، تواصلت عملية تجديد الفروع وتأسيسها في مختلف الجهات والأقاليم في جو من الانضباط والمسؤولية والتعبئة الشاملة، وتبين من التقارير التي توصلنا بها بين الدورتين حول الفروع التي تم تجديدها، أن العملية تسير لحد الآن بكيفية مرضية وأن ما بين 22 و 25% من الفروع صارت مجددة وفق الضوابط القانونية ونطالب الجميع بتسريع الوتيرة لنكون في الموعد عند متم السنة الحالية؛
كما أن المنظمات الموازية للحزب، واصلت هي الأخرى تعبئتها التنظيمية وعقد مؤتمراتها الوطنية كما هو الشأن بالنسبة لمنظمة المرأة الاستقلالية التي نظمت مؤتمرها الوطني الخامس في يونيو 2018، حيث أفرز قيادة نسائية جديدة برئاسة الأخت خديجة الزومي التي انتخبت بالإجماع رئيسة لمنظمة المرأة الاستقلالية؛
وتتابع الشبيبة الاستقلالية والجمعيات المنضوية تحت لوائها تعبئتها في أفق عقد مؤتمراتها الوطنية قبل نهاية السنة الجارية وعلى نفس المنوال تسير عملية التحضير لتجديد الروابط المهنية؛
مواصلة الحرص على انتظامية دورية انعقاد مجلس المفتشين
ومن جهة أخرى، واصلت القيادة الجديدة للحزب حرصها على انتظامية انعقاد مجلس المفتشين، وفقا لمقتضيات الفصل 46 من النظام الأساسي للحزب حيث انصبت الأشغال حول تتبع وتنفيذ قرارات المجلس الوطني وتوجيهات اللجنة التنفيذية والتقييم المستمر للعمل الهام الذي يقوم به المفتشون في مختلف الأقاليم في ضوء الاستراتيجية الجديدة (2017-2021) للنهوض بالأداء الحزبي وفي ضوء التموقع الجديد للحزب في المعارضة.
وقد حرصنا بهذه المناسبة، على اطلاع الأخت والإخوة المفتشين على مختلف المحطات الوطنية والدولية التي ترافع فيها الحزب دفاعا عن القضية الوطنية والسيادة الترابية للمملكة وتعريفا بالقفزة التنموية الكبرى التي تشهدها أقاليمنا الجنوبية كما أطلعناهم على مضامين المذكرة التي رفعها الحزب عبر فريقيه بالبرلمان، إلى السيد رئيس الحكومة بشأن مشروع قانون مالية معدل برسم سنة 2018 ؛
وقد كانت المناسبة سانحة لدعوة الأخت والإخوة المفتشين للتعبئة والاستعداد الجيد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة وفي مقدمتها انتخابات 2021 وشددنا على ضرورة تسريع وتيرة تجديد الفروع وعلى ضرورة تضافر جميع الجهود للتغلب على مختلف الإكراهات التنظيمية التي تعوق ذلك.
وفي هذا السياق، دعونا الإخوة المفتشين للعمل، خلال الفترة القادمة، على التعاون مع رؤساء وكتاب المنظمات الموازية والروابط المهنية والجمعيات لتأسيس وتجديد فروعها المحلية، وتقوية كل من المصالحة الحزبية في مختلف الأقاليم، والبعد التواصلي من خلال بوابة الحزب الإلكترونية. وأكدنا على ضرورة تطوير البرنامج التعاقدي مع المفتشين عبر إشراكهم في تحديد الأهداف المنشودة وتتبع العمل وفق مؤشرات مرقمة للإنجاز والتقييم.
هذا، وفي إطار الدينامية التنظيمية التي يشهدها حزبُنا، حددت اللجنة التنفيذية الفترة من 15 شتنبر إلى 14 أكتوبر 2018 لعقد المجالس الإقليمية؛
وإذ أهنئ الجميع على التعبئة والانخراط الواسع في هذه المحطة التنظيمية المفصلية لما لها من أهمية بالغة في الجسم الحزبي وفي التنزيل الترابي للاستراتيجية الجديدة للنهوض بأداء الحزب، يسرني أن أخبركم أن جل المجالس الإقليمية عقدت اجتماعاتها برئاسة الأخوات والإخوة أعضاء اللجنة التنفيذية مشكورين. ونحن بصدد التوصل بتقارير المفتشين حول أشغالها للقيام بدراستها وتقييم مضامينها لاستخلاص النتائج والبناء عليها للارتقاء بأداء الحزب وتجويد عمله؛
وفي خضم هذه الدينامية التنظيمية، قمت رفقة بعض أخواتكم وإخوانكم في اللجنة التنفيذية بزيارات ميدانية وعقدت لقاءات تواصلية وتنظيمية في عدد من الأقاليم والجهات منها ما كان جماهيريا مفتوحا للعموم ومنها ما كان تنظيميا داخليا؛
وهكذا ترأست لقاءات تواصلية وتنظيمية بكل من جماعة تافرانت وغفساي، إقليم تاونات في ماي المنصرم، حيث ترأست بجماعة تافرانت لقاء دراسيا للفريق الاستقلالي بمجلس النواب في موضوع: “أي سياسة حكومية لفك العزلة عن المناطق النائية”، وترأست بجماعة غفساي لقاء تواصليا مع مناضلات ومناضلي وأطر الحزب تركز على الخصوص، حول التنزيل الترابي لاستراتيجية النهوض بأداء الحزب والتدابير الخاصة الواجب اتخاذها لتنمية المناطق النائية.
وترأست بمدينة الناظور، في يوليوز الماضي، لقاء تواصليا مع مناضلات ومناضلي الحزب بكل من مدينة الناضور والدريوش، تركز حول القضايا التنظيمية والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية بالمنطقة، والبدائل والحلول التي يقترحها الحزب لمعالجتها؛
كما ترأست بالدار البيضاء يوم انفس الشهر اللقاء التواصلي الهام الذي ضم مناضلات ومناضلي الحزب بجهة الدار البيضاء سطات، من أجل تقديم الخطوط العريضة لتصور الحزب بشأن النموذج التعادلي للتنمية البشرية المستدامة في محور “تنمية الطبقة الوسطى”؛
وقد مرت هذه اللقاءات التواصلية والتنظيمية في أجواء حماسية تطبعها الجدية والمسؤولية الوطنية الصادقة وروح الوحدة والمصالحة ولم شمل البيت الاستقلالي، أبان فيها المناضلات والمناضلين عن مستوى عال من الاستعداد والتعبئة وراء قيادة الحزب لتنزيل الاستراتيجية الجديدة التي وضعتها لتطوير الأداء الحزبي، محليا، إقليميا، جهويا ووطنيا؛
كما كانت هذه اللقاءات مناسبة لاستعراض مختلف المشاكل والاختلالات التنظيمية لهذه المناطق، وتحليل وتقييم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بها وتقديم مشاريع الحلول والبدائل الممكنة لها؛
وعلى نفس المنوال، كانت اللقاءات التواصلية التي ترأستها في إطار المسامرات الرمضانية، بكل من الرباط ومكناس؛
تفعيل الهيئات المركزية المنتخبة
وتعزيزا لنفس الدينامية الحزبية، وحتى تضطلع الهيئات المركزية بأدوارها، اجتمعت على التوالي مع الأخت والإخوة أعضاء اللجنة الوطنية للتحكيم والتأديب واللجنة الوطنية للمراقبة المالية، حيث انصب اللقاء على تفعيل الدور المنوط بكل منهما، والإسراع بالهيكلة والحرص على دورية الاجتماعات لمباشرة المهام الموكولة لهما وفق مقتضيات النظامين الأساسي والداخلي للحزب؛
محطات مجيدة في تاريخ الحزب والوطن
أيتها الأخوات، أيها الإخوة؛
من جهة أخرى، تميزت الفترة ما بين الدورتين، بتخليد محطات مجيدة ومشرقة من تاريخ حزبنا، ونضالات رجالاته من رواد الحركة الوطنية وقاداتها، حيث ترأست يوم الأحد 13 ماي 2018 بالرباط، مهرجانا خطابيا إحياءا للذكرى 44 لرحيل زعيم التحرير المجاهد علال الفاسي، تحت شعار : “الفكر الوحدوي عند علال الفاسي”؛
وشكلت هذه الذكرى التي دأب حزبنا على تخليدها سنويا، مناسبة للوفاء لروح هذا الزعيم الخالد والقائد المجاهد والوطني الغيور والقدوة والرمز المتعدد الأبعاد، والتقدير لمواقفه الوطنية الخالدة وتضحياته المجيدة في سبيل استقلال وطنه وكرامة مواطنيه وصيانة حرمة دينه وعزة أمته، والتثمين لفضائله وعطاءاته الفكرية في مختلف مجالات المعرف،
وسيرا على نفس النهج، تم تخليد الذكرى 48 لوفاة زعيم الوحدة المجاهد عبد الخالق الطريس رحمه الله، والتي نظمت تحت شعار : “عبد الخالق الطريس..الحس الوطني الوحدوي المتميز ونكران الذات”؛
وهي الذكرى الغالية والعزيزة علينا جميعا، والتي من خلالها نجدد الوفاء لما كان يمثله ويجسده اسم عبد الخالق الطريس من قيم نبيلة وجهد نضالي صادق في سبيل تحرير الوطن، ومواقفه الوطنية وتضحياته الجسام من اجل الوحدة والعزة والكرامة؛
وفي ذات السياق، شكل إحياء ذكرى معركة وادي المخازن الخالدة بمدينة العرائش، مناسبة لتخليد ملحمة تاريخية عظيمة ومحطة مجيدة من تاريخ وطننا، وفرصة لاستخلاص العبر والدروس، وإيقاظ الذاكرة الوطنية لربط الماضي المجيد بالحاضر الزاخر والمستقبل الواعد؛
حركية تنظيمية محفزة على التعبئة والمبادرة
وعلى نفس النهج، عقدت عدة اجتماعات تنظيمية مع الأخوات والإخوة في عدد من الجمعيات والمنظمات الموازية والروابط المهنية، والتي انصبت على التحفيز وبث روح التعبئة وأخذ زمام المبادرة، في إطار الدينامية التنظيمية التي يشهدها الحزب؛
وهكذا عقدت اجتماعا مع أعضاء المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية لمستشاري الغرف المهنية المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للمقاولات والمهن في شتنبر 2018، تركز حول تفعيل الأدوار المنوطة بالجمعية في مجالات التواصل والتأطير والمواكبة لمنتخبي الغرف، وإنجاز الدراسات والأبحاث ذات الصلة بالنشاط الاقتصادي؛
كما عقدت في بداية أكتوبر الجاري اجتماعا مثمرا مع رؤساء وممثلي الروابط المهنية، تم خلاله التداول في عدد من القضايا السياسية والتنظيمية وعلى رأسها تجديد فروعها والتحضير لعقد مؤتمراتها الوطنية، بالإضافة إلى تنزيل البرنامج التعاقدي مع قيادة الحزب؛
وفي نفس السياق، اجتمعت مؤخرا بعضوات المكتب التنفيذي لمنظمة المرأة الاستقلالية على هامش انعقاد دورة “مليكة الفاسي” للمجلس الوطني للمنظمة الذي ترأست افتتاح أشغالِهِ بالمركز العام للحزب؛
وبمناسبة الدخول السياسي والبرلماني الجديد، ترأست اجتماعا مشتركا للفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلسي النواب والمستشارين، تم خلاله استعراض وتحليل الوضعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ببلادنا في سياق ظرفية دقيقة يطبعها الاحتقان الاحتقان الاجتماعي وأزمة الثقة وتقاعس الحكومة عن الاضطلاع بمسؤولياتها، ودعوت أعضاء الفريق البرلماني بالمجلسين إلى أن هذه اللحظة الدقيقة تقتضي استحضار الروح الوطنية والمسؤولية من موقع المعارضة الاستقلالية الوطنية؛
وعلى مستوى الدينامية الشبابية، وخاصة الجمعيات المنضوية تحت لواء منظمة الشبيبة الاستقلالية، عقدت لقاءين تواصليين مع كل من جمعية الشبيبة المدرسية ضمن الملتقى الوطني للحوار التلمذي، ومنظمة فتيات الانبعاث في إطار النسخة الأولى لجامعة الانبعاث للتكوين والتأطير؛
وفي سياق آخر، ترأست في الأسبوع الماضي أشغال الجلسة الافتتاحية للدورة الرابعة للمجلس الوطني للعصية المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية، والذي كان مناسبة من أجل التأكيد على ضرورة مواكبة متطلبات العصر والاندماج في مجتمع الإعلام والمعرفة من خلال تطوير التكوين وتنويع العروض والانتقال إلى محاربة خطر الأمية الوظيفية والنوعية، والمساهمة في تقليص الهوة الرقمية؛
العمل الجماعي في خدمة التنمية والديمقراطية المحلية
وتفعيلا لاستراتيجية الحزب الجديدة في مجال دعم الجماعات الترابية، تم عقد المنتدى الوطني الأول لرؤساء الجماعات الترابية لحزب الاستقلال، الذي نظم يوم السبت 13 أكتوبر 2018 تحت شعار : “العمل الجماعي والنموذج التنموي الجديد”، والذي حضره عدد كبير من الإخوة رؤساء الجماعات الترابية من مختلف الأقاليم والجهات؛
وقد شكل هذا المنتدى، فضاء حقيقيا لمطارحة مختلف القضايا والإشكالات المرتبطة بتدبير الشأن المحلي، وتوزعت أشغاله على أربعة ورشات همت الأولى الآليات القانونية والعملية لتدبير العلاقات داخل المجتمع ومع السلطات المحلية، وخصصت الورشة الثانية لدراسة الآليات القانونية والعملية لتقوية الثقة بين الجماعة والمواطن، وركزت الثالثة على الآليات القانونية والعملية لتعبئة تمويل المشاريع، أما الرابعة فانصبت على الآليات القانونية والتدبيرية لمجالس الجماعات؛
الاتحاد العام للشغالين: حضور وازن وعمل نقابي وطني صادق
عبر الاتحاد العام عن تثمينه لمواقف الحزب بخصوص الحوار الاجتماعي، وسيرا على هذا النهج بمجرد أن أودع الحزب لدى رئاسة الحكومة مقترح تعديلي لقانون الميزانية 2018، داعيا إلى ضرورة تحسين دخل الأجراء بما لا يقل عن 400 درهم للموظفين بصفة عامة، عمد الاتحاد العام للدفاع عن هذا التوجه، إلا أن الحكومة للأسف الشديد لم تصغ لهذه المطالب، لتخرج مشروع قانون المالية لسنة 2019 بدون أي التزام اتجاه الطبقة الشغيلة المغربية.
وبهذه المناسبة فإننا نود أن ننوه بالعمل الجبار للمناضلات والمناضلين داخل الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ونهنئه على رئاسته للوفد العمالي المغربي للدورة 107 لمنظمة العمل الدولية بجنيف، وشكلت كلمة الأخ الكاتب العام النعم ميارة موقفا حقيقيا للنقابات الجادة في الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى.
كما نهنئه على مشاركته في المؤتمر الثاني للنقابات العربية المنعقد بمراكش والذي توج بحصوله على رئاسة اللجنة الدائمة للشباب، وكذلك شبكة المرأة وعضوين بالمجلس التنفيذي.
الفريق البرلماني الاستقلالي: تعبئة تامة في خدمة الوطن والمواطن
بخصوص العمل البرلماني، بصم فريقا الحزب بكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين على تعبئة ملحوظة وحضور متميز من خلال مختلف المواقف التي اتخذها بشأن الأحداث التي استأثرت باهتمام الرأي العام الوطني، انسجاما مع توجهات المغرب واختياراته، ومع قيم الحزب ومبادئه ومرجعيته التعادلية وتموقعه في الساحة السياسية في إطار معارضة وطنية استقلالية.
لقد كانت مساهمة الفريق النيابي للحزب في أشغال الدورة التشريعية بارزة، تميزت بالحضور القوي لأعضاء الفريق على مستوى اللجن النيابية الدائمة لمناقشة النصوص التشريعية وتقديم التعديلات الكفيلة بإغنائها وتجويدها.
وحرص الفريق النيابي على أن تكون مواقفه في أشغال الجلسات العامة قوية تعكس بحق جهات الحزب واختياراته باعتباره واجهة نضالية للحزب، وذلك من خلال تدخلات أعضائه في مناقشة النصوص التشريعية المعروضة للدراسة والتصويت.
وفي هذا السياق، حرص الفريق الاستقلالي على ممارسة المهام التشريعية بصفة مباشرة من خلال تقديم مجموعة من مقترحات القوانين وصل عددها 25 مقترحا، استهدفت تحسين الترسانة القانونية وتحيينها بما يجعلها رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ويضمن ترسيخ دعائم دولة الحق والقانون.
وقد تعاملت الحكومة مع هذه المبادرات التشريعية بشكل سلبي لتظل المهيمنة للحكومة على التشريع، ذلك أنه من أصل 34 نصا تشريعيا تحت المصادقة عليها، 29 منها من أصل مشاريع قوانين، بينما 5 منها فقط من أصل مقترحات قوانين، منها مقترح واحد تقدم به الفريق الاستقلالي.
وعلى مستوى مراقبة العمل الحكومي، حرص الفريق الاستقلالي على جعل جلسات الأسئلة الشفهية منبرا للترافع عن قضايا الوطن وانشغالات المواطنين وإثارة انتباه الحكومة إلى المشاكل المطروحة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية والثقافية والبيئية ذات البعد القطاعي وكذا تدابير السياسة العامة حتى تساير متطلبات الإصلاح والتغيير، وقد وصل عدد الأسئلة الشفهية التي تقدم بها الفريق إلى 430 سؤالا، شملت مختلف القطاعات الحكومية وتجسد بحق مدى تتبع أعضاء الفريق للقضايا التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني وانشغالات المواطنين.
وتبقى الأسئلة الكتابية الحلقة الأضعف في مراقبة العمل الحكومي من حيث التعامل السلبي للحكومة مع هذه الأسئلة، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع الأهداف المتوخاة من طرحها، فقد تقدم الفريق بما مجموعه 660 سؤالا كتابيا تعاملت معها الحكومة بشكل سلبي ولم تتفاعل إلا مع النزر القليل منها.
وعلى مستوى تجسيد سياسة القرب، حرص الفريق على تنظيم لقاءات دراسية وندوات فكرية وموائد مستديرة تميزت بالملتقى الجهوي بجهة الشرق أيام 1-2-3-4 مارس 2018 تحت شعار: “السياسات العمومية البديلة لإنعاش الحياة الاقتصادية والاجتماعية بالمناطق الحدودية”، ترأسه الأمين العام للحزب وتوج بصياغة مذكرة حول: “تنمية المناطق الحدودية، تم توجيهها إلى السيد رئيس الحكومة، وكانت مثار سؤال شفهي أجاب عنه رئيس الحكومة خلال جلسة الأسئلة الشفهية المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة بتاريخ 28 ماي 2018، ثم كان اللقاء الدراسي بتاونات الذي نظمه الفريق واحتضنته جماعة تافرانت يوم 12 ماس 2018، تحت شعار: ”أي سياسة حكومية لفك العزلة عن المناطق النائية“، ترأسه الأمين العام للحزب.