لا أريد ان أدخل بدوري في عملية تشريح المستوى الذي ظهرت به الأعمال التلفزيونية، فقد قال فيها النقاد ما يكف، ووقفوا على مكامن الاختلالات، كما قال المواطنون كلمتهم..، وهذا هو المهم، واعتبروا أن ما تقدمه شاشتهم في رمضان، تفاهة واستصغار لهم واحتقار لذكائهم
هنا نريد فقط أن نطرح فكرة بسيطة، على المسؤولين في تدبير أمور شاشتنا اليوم. لماذا لا يتم اعتماد النهج القديم الذي كانت تعتمده التلفزة، مادامت كل الاجتهادات الحالية لم تلب رغبة الجمهور، الحكم الأول والأخير على عمل التلفزة مادام هو ممولها الرئيسي
في السبعينيات وحتى بداية التسعينيات، كانت التلفزة المغربية خلال شهر رمضان، تنفتح على جل الفنانين، الفكاهيين، بحيث كان هناك تناوب بين جميع الفنانين المعروفين في الساحة طبعا، في المرور عبر الشاشة، من خلال تقديم لوحات، فكاهية يومية
هكذا طيلة شهر الصيام، كان المشاهد المغربي يطل على جل فنانيه، محمد بلقاس، وعبد الجبار الوزير، الداسوكين والزعري، بزيز وباز خديجة أسد وسعد الله عزيز، قشبال وزروال. المحجوب الراجي، أبو الصواب والعماري، وبنبراهيم وغيرهم من الفنانين الفكاهيين. حيث كانت التلفزة منفتحة على الجميع، وفي نفس الوقت، تشرك جلهم في الاستفادة من الاعتمادات المالية المخصصة لتنشيط التلفزة في هذا الشهر الفضيل
وكانت هذه العملية، ناجحة جدا، أولا لأن الوجوه تتنوع يوميا، وكان الجمهور يطل يوميا على أسلوب مغاير للاساليب الأخرى في الفكاهة، كما أن هذه العملية، كانت تدفع الفنانين الى الاجتهاد والتنافس، لتقديم عروض جيدة لأنهم وسط تبار لا يرحم، ومقارنة سيراقبها الجمهور بتمحيص وعن كثب
الجميل في العملية، أن الفكاهة لم تكنمحتكرة من طرف وجه دونا عن الوجوه، ومن نمط دون غيره. هكذا كانت المتعة والتنوع، وكان الامتحان أيضا للفنانين، إذ إن كنت فقط متهافتا، و دون المستوى عن الآخرين، ستقوم نفسك بمنع نفسك من المشاركة في الموسم القادم، إن لم تكن تتوفر على عمل منافس حقيقي سيحظى باحترام المشاهد
الآن شاشتنا تسهم في احتكار الضحك لنمط معين دون أنماط أخرى، وتضع السلة المالية في يد فنانين بعينهم، دون توزيع هذا المال العام، بشكل عادل. على أعمال متنوعة لفنانين متنوعين دون المرور عبر شركات الإنتاج، إذ من الممكن أن تتعامل التلفزة مع الفنان مباشرة. لكن بدعة شركات الإنتاج التي هوت بالفن إلى ما تحت الأرض، أضحت شبه متحكم في مثل هذه الأعمال
قد يقول قائل إن الفكاهيين اليوم أكثر عددا من الفنانين بالأمس، أقول إن الأعمال هي التي تحكم وأقول أيضا أننا اليوم نتوفر على ثلاث شاشات رسمية، بإمكانها استيعاب تلك الأعداد وفي فترات زمنية متفرقة
هكذا ستكون التلفزة قامت بخدمة جليلة من خلال تقديمها لنا جل الفنانين الذي جادت بهم الساحة الفكاهية، كما ستنأى بنفسها عن نعوت هي في غنى عنها من قبيل أنها تدعم وجوها وتحبط أخرى وتدافع عن هذا النمط الفكاهي دون غيره