عملية مقاطعة بعض المواد الغذائية من لدن مواطنين، التي جاءت على إثر حملة فايسبوكية واسعة، أظهرت بعض الأعطاب التي وجب تجاوزها، وجعلت بعض مسؤولي الشركات المعنية يقومون بردود أفعال لم تسبقها استشارات جدية ومدروسة، للتعامل مع هذا النوع من الاحتجاج، ونحن نعلم في هذا البلد أن معظم المؤسسات تعين في إدارة « تواصلها أشخاص مقربين ليست لمعظمهم دراية أو دراسة للواقع المعاش، وهم يعتمدون في عملية تواصلهم على « نفوذ المؤسسة، التي أوكلت لهم هذه المهمة وليس على اجتهاد علمي في التواصل مبني على معطيات سوسيولوجية، تضع كل التوقعات المحتملة التي قد تتعرض لها المؤسسة المشغلة نصب أعينهم. وهذا راجع لكون التواصل هو آخر اهتمامات معظم المؤسسات سواء عمومية كانت أو خاصة. لذلك عندما يقع مشكل، يكون المزاج القابع تحت الضغط، هو محرك ردود أفعال هذه المؤسسات…
فمثلا، نجد أن أخنوش، رد على المقاطعين بشرب الحليب في معرض الفلاحة، ونسي، أنه قبل هذا وذاك وزير ومسؤول في الحكومة ورئيس حزب، علما أن أخنوش له عدة مسارب مشرفة في مساره الاقتصادي والاجتماعي لم يلجأ لها كي يتعامل مع الحملة بنوع من الاتزان وهنا يظهر ضعف مستشاريه في التواصل
بنصالح وقعت في نفس الخطأ، عندما أصرت على وضع قنينة الماء التي تنتجها أمامها في أحد اللقاءات الرسمية في الوقت الذي وضع ضيوف آخرون قنينات ماء من منتوج آخر واقتلعو العلامة عنها، وبنصالح أيضا لها مسار جيد في مجال الأعمال، ويكفي أنها امرأة أعمال ناجحة تطاول عتاة رجال الأعمال على المستويين العربي والقاري
مدير تسويق شركة سنطرال، انزلق كثيرا وهو بالمناسبة شخصية غير عمومية ولا يعرفه أحد، ولا علم للمغاربة بمساره، يفاجئ المغاربة بتوزيع “ صكوك المواطنة ” . من الخطير أن تدخل شركة في جدال
الخيانة والمواطنة، فهو لم يقدر عواقب خرجته فقد يكون من المقاطعين مقاومون مغاربة، أو مثقفون شرفوا بلدهم في المحافل الدولية أو أطباء يعالجون الناس بالمجان أو رياضيون وفنانون وأمنيون وعمال تفانوا في جعل العلم الوطني يرفرف في مختلف بقاع الأرض
لهذا لم ينفعه تكوينه العلمي بالديار الديموقراطية، ليتحول إلى مجرد شخص لايعرف بما ينطق، ولم يسبق أن تلقى أي دراسة أو تكوين
من حق أصحاب الشركات المعنية بالمقاطعة، أن يتقفوا أثر من أطلق هذه الحملة، لأنها تضر بأعمالهم، ومن غير المنطقي، أن يتم استهداف شركاتهم دون غيرها، لكن أيضا من حق من أراد أن يقاطع منتوجاتهم أن يقاطعها، لكن بدون تسييس للعملية، أو الجري وراء استهداف لأغراض أخرى
أيضا من حق الدولة، أن تعرف مصدر العملية، هل هي بقرار شعبي أم بفعل فاعل، إلا أن انزلاق خرجات مدير تسويق شركة سنطرال، لتصل إلى التخوين هنا وجب التوقف ووجب التوضيح، حتى لاتتطور مثل هذه الخرجات غير المحسوبة والتي تضرب شرف الناس، ومن شخص “ مجهول ” مجرد مدير في شركة، يتقمص دور القاضي والوطني ووكيل الدولة…
لهذا أشرت سابقا أن خلايا التواصل التي تعتمدها الشركات وبعض المؤسسات لاتتم بالطريقة العملية وإنما يتم التعاطي معها وكأنها من المكملات، لهذا نجد مثل هذه الردود، التي تقصي الحصافة والعلم وتتيح المجال للمزاج وللردود الجاهزة غير المدروسة، والتي تنعكس سلبا على أصحابها
فمن حيث المقاطعة أي مقاطعة المنتوجات المغربية، فأصحاب الشركات، هم أول المقاطعين، فمثلا إذا أخدنا مدير تسويق منتوجات سنطرال، هل يمكنه بحكم وظيفته و “ نضاله الوطني ” ، في شركته أن يقتني منتوجات شركات منافسة لشركته علما أن الشركات المنافسة له تشغل بدورها آلاف المواطنين وتسهم في الاقتصاد الوطني، لأننا هنا أمام حرب تجارية بين الشركات فصاحبنا وبالمنطق هو مقاطع بشكل دائم وأبدي لمنتوجات وطنه التي تصنعها الشركات المنافسة لشركته، وليس مقاطعا مناسباتيا أو من خلال حملة، هل هذا يدفعنا لنشكك في وطنيته أو يسمح لنا بأن نخونه
كذلك الشأن بالنسبة لأصحاب الشركات الأخرى فهي مقاطعة بشكل دائم، للمنتوجات الوطنية المنافسة لشركاتها
لهذا وجب الترفع عن توزيع الاتهام بالخيانة أو الوطنية في مثل هذه الأمور، والتعامل مع المعطيات بالشكل العلمي المطلوب، خاصة وأن المصرح، من حاملي الشهادات التكوينية في البلدان الديمقراطية، التي تحترم آراء مواطنيها، ولا تنهج أسلوب التهويل والتخوين للتعامل معهم، ثم إن العلاقة بين الطرفين، لاتتعدى حدود زبون مع بائع، فما دخل الوطنية والعلم الوطني في القضية؟
بكل بساطة هناك مشكلة وجب حلها، بالرزانة المطلوبة لدى المدبرين، وأيضا بالعلم الذي تكتسبه أطر هذه الشركات، التي نجحت في اكتساح السوق الإنتاجية، وهي أدرى بمطبات السوق، والمفروض، أنها مهيأة لكل الاحتمالات
فقط اتركو الوطنية، فإن التاريخ هو من يحكم عنها وليس مدير تجاري نجهل رصيد تاريخه في هذا الباب