رضوان وحيدي
أسرى الحرب الإسرائيلية على غزة نوعان : أسرى إسرائيلين بعدد قليل تم أسرهم منذ 7 اكتوبر 2023 اي منذ حوالي 480 يوما من لدن فصائل المقاومة الفلسطينية في أعقاب طوفان الأقصى وتم الاحتفاظ بهم كورقة ضغط على نتنياهو وحكومته من أجل كسب أكبر عدد من النقاط في معركة التفاوض واسترجاع الحقوق المغتصبة جغرافيا وإنسانيا وإعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة النقاش السياسي والدبلوماسي الدولي وتحميل الهيآت الأممية العالمية مسؤوليتها كاملة لوقف الاستيطان وتداعياته ووقف العدوان الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني الأعزل وخاصة بالقطاع .
فتم الإبقاء على أسرى طوفان الأقصى لدى حماس داخل الأقبية والأنفاق وربما أماكن سرية أخرى بالقطاع في ظروف اعترف الأسرى أنفسهم بأنها كانت محترمة وآدمية فيها الكرامة والاحترام وحتى المودة وتلقى الاسرى الغذاء والدواء رغم الحرمان الذي يعيشه الفلسطينيون نتيجة الحرب والحصار وآثروا على أنفسهم العطاء للأسرى الإسرائيليين بما توفر من إمكانيات ولم يتم اضطاهدهم ولا اغتصابهم ولا التنكيل بهم ولم يتم التعامل مع الأسرى على أنهم مستوطنين او محتلين للأرض، بل تم اعتبارهم ضحايا حرب تنفيذها حكومة نتنياهو وعاونيه رغم معارضة بعض الاسرائليين وكثير من اليهود .
الأسرى الإسرائيليين وبعد تسليمهم للصليب الأحمر تنفيذا لبنوذ اتفاق وقف إطلاق النار ودعوا الفلسطينين الملثمين بالتحية والشكر والامتنان والتقاط الصور وكأني بهم يستسمحون ويعتذرون وسط ذهول واستغراب وإعجاب دولي كبير ،
طبعا وجدوا طائرات الهليكوبتر العسكرية في انتظارهم نقلتهم على وجه السرعة إلى مستشفيات تل أبيب وهناك وجدوا وسيجدون الرعاية الطبية والتكفل النفسي والدعم الاعلامي وربما تنتظرهم تعويضات مالية سمينة وغير ذلك من الامتيازات لتسويق إنسانية الدولة العبرية وحكومتها ،
وبعد ذلك سيعود الأسرى المحررون إلى أسرهم وعائلاتهم وبيوتهم وعملهم ودراستهم والحياة من حولهم والمستقبل الواعد أمامهم، وتنتهي القصة بتجربة حياتية انطلقت مرعبة غامضة وانتهت بتعامل غزاوي نبيل عز نظيره .
أما النوع الثاني من الأسرى ؛ فهم بالآلاف ومحكوميتهم تتراوح بين المؤبد و المحدد في عشرات السنين وبين الاحكام الإدارية والأحكام القضائية قبعوا في سجون اسرائيل وعانوا عذابات وويلات أقل ما يقال عنها انها لاتطاق، والسبب مقاومة الاحتلال والمطالبة بالأرض والقدس والحق في الحياة واستنكار المعاناة وكتابة تدوينة على الحائط الازرق تشجب التعسف اليومي لجنود إسرائيل في حق الشيوخ والنساء والصغار والمقدسات ……
هؤلاء الأسرى وضمنهم أطفال ونساء بقدر ما فرحوا وسيفرحون بالخروح إلى الحرية ومعانقة الوطن من جديد بقدر ما هم حزينون ويتجرعون مرارات الحرب وما خلفته الآلة العسكرية الإسرائيلية من خراب ودمار ،
معظم هؤلاء الأسرى لن يجدوا في استقبالهم أما وأبا وأولادا وإخوة وربما لن يجدوا حتى جيرانا في أحياء طمست الحرب كل معالمها ،
هؤلاء لن تنقلهم مروحيات بل تم منعهم حتى من نصب خيام الفرحة ورفع الأعلام وإطلاق زغرودة معانقة الحرية واستقبال المهنئين وصلة الرحم ،
لن يجدوا مستشفى ولا بيتا ولا أتاثا ولا مأوى ينسيهم برودة جدران الزنازن ولا جامعا ولامدرسة ولا شارعا ولا شغلا ولا مالا ولا مقهى …….الكل أصبح رمادا وركاما وحطاما وأنقاضا مازالت تحته جتثا وأمواتا.
الأسرى الفلسطينيون عكس نظرائهم المدللين محليا وإقليميا ودوليا سيجدون أنفسهم منذ اليوم التالي للإفراج تطبيقا لبنوذ اتفاق وقف إطلاق النار مجبرين على الخروج الى مسيرة البحث عن كل مقومات الحياة من الصفربعد ان فقدوا كل شيء وخانت بعضهم قواه الصحية .
عدد كبير منهم ستصدمه رائحة الموت المنتشرة في كل ربوع القطاع وحجم الخسائر التي حلت بغزة طيلة 480 يوما الماضية وأحوال الناس النفسية و المادية الصعبة والمخيمات في كل أرجاء القطاع .
هذه الاختلافات طبيعية ومنطقية الى حد ما بالنظر إلى الفارق الكبير في كل شيء تقريبا وتمثلاته الاقتصادية والعسكرية والسياسية …. بين أصحاب الأرض ومن يستوطن يوميا لتكون له أرضا وجغرافيا بالشرق الأوسط الذي يراد له ان يصبح شرقا أوسطا جديدا وربما لاحت بعض معالمه في الأفق بعد انهيار نظام الأسد وتولي الجنرال عون شؤون بلاد لبنان وسقوط رموز حزب الله وتراجع إيران عن الإسناد طفيفا وتغيير لهجة المواجهة وتخفيف التصعيد..
وفي كلتا الحالتين فأسرى الحرب اذا ماعاشوا بعد ان تضع الحروب أوزارها هم خير شاهد على مجموعة من الاحداث وهم سفراء آسريهم ومن أسرهم !!!!!
وسيكون من المنطق والحكمة البالغة استدعاء هؤلاء الأسرى ودعوتهم الى طاولة ذات تفاوض وترافع والانصات إليهم لعلهم يختزنون حلولا للقضية فهم الضحايا وهم الذين جربوا مآسي التداعيات الأولى للحرب !!.