أعمدة ضاد24الرئيسية

الغش‮ … ‬من الاستثناء إلى القاعدة‮!‬

#حميد_بنواحمان‮

‬هل أضحى‮ ” ‬الغش ‮” ‬قدرا مقدرا‮ ‬لا مفر من‮ ‬القبول به واعتباره،‮ ‬من ثم‮ ‬،‮ ‬أحد الأعمدة الأساسية التي‮ ‬تقوم عليها مختلف العلاقات والروابط المشكلة‮ ‬ل‮” ‬يوميات‮ ” ‬المواطنين بتمظهراتها المادية والمعنوية ؟‮ ‬ ‮ ‬سؤال كبير‮ ‬يستمد مرجعية طرحه من أرقام‮ “‬مقلقة‮ ” ‬سبق أن كشف عنها بلاغ‮ ‬للمكتب الوطني‮ ‬للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية،‮ ‬والتي‮ ‬تفيد‮ “‬بحجز وإتلاف ما مجموعه‮ ‬186‮ ‬طنا من المنتجات الغذائية‮ ‬غير الصالحة للاستهلاك على الصعيد الوطني‮ ‬خلال شهر شتنبر‮ ‬2017‮” ‬،‮ ‬مشيرا إلى‮” ‬تقديم‮ ‬177‮ ‬ملفا أمام المحاكم المختصة من أجل البت فيها‮”‬،‮ ‬و‮ “‬أن الكميات المحجوزة والمتلفة تتكون بالأساس من‮ ‬145‮ ‬طنا من اللحوم الحمراء والبيضاء،‮ ‬و15‮ ‬طنا من منتجات البحر،‮ ‬و3‮ ‬أطنان من الحليب ومشتقاته،‮ ‬و23‮ ‬طنا من منتجات‮ ‬غذائية متنوعة،‮ ‬مع‮ ‬إرجاع‮ ‬40‮ ‬طنا من المواد الغذائية‮ ‬غير المطابقة للشروط القانونية الجاري‮ ‬بها العمل‮” .‬ حصيلة ليس بالأمر الجديد إخراجها‮ ‬إلى العلن،‮ ‬ولكن المستجد فيها هو ما تؤشر عليه من قدرة‮ ” ‬محترفي‮ ” ‬الغش على التكيف مع‮ “‬حملات الردع‮” ‬المتعاقبة‮ ‬،‮ ‬حيث بمجرد سقوط شبكة في‮ ‬هذه المدينة إلا و”تولد‮” ‬شبكات أكثر‮ “‬احترافية‮” ‬داخل مدن أخرى تعيث في‮ ‬الأرض‮ ‬غشا وإضرارا بالصحة العامة‮. ‬ ‮ ‬كيف لا وقد سبق الإعلان عن‮ ‬معطيات رقمية‮ ‬تشكل مدعاة للتوجس تخص فقط عمليات المراقبة‮ ‬لشهر مارس‮ ‬من العام المنقضي‮ ” ‬2016‮ ” ‬،‮ ‬تجسدت عناوينها الكبرى في‮: “‬حجز وإتلاف‮ ‬620‮ ‬طنا من المنتجات الغذائية‮ ‬غير الصالحة للاستهلاك‮” ‬،‮ ‬والتي‮ ‬تهم شتى أصناف المواد الأساسية لتغذية‮ ‬الكبار والصغار‮: ” ‬193‮ ‬طنا من اللحوم الحمراء،‮ ‬96‭,‬3‮ ‬طنا من اللحوم البيضاء،‮ ‬10‭,‬6‮ ‬أطنان من الحليب والمنتجات الحليبية‮ ‬،‮ ‬1‭,‬174‮ ‬طن من العسل،‮ ‬4402‮ ‬بيضة للاستهلاك،‮ ‬99‮ ‬طنا من العصير،‮ ‬71‮ ‬طنا من المشروبات‮ ‬غير الكحولية،‮ ‬46‮ ‬طنا من المربى،‮ ‬41‮ ‬طنا من البسكويت،‮ ‬23‮ ‬طنا من المصبرات النباتية،‮ ‬10‮ ‬أطنان من الدقيق المدعم‮ ‬،‮ ‬و13‮ ‬طنا من مواد أخرى ذات أصل نباتي‮”!‬ أرقام اعتقد المنشغل‮ ‬ب‮” ‬أحوال المجتمع‮ “‬،‮ ‬لحظة‮ ‬الكشف عنها،‮ ‬أن دائرة‮ “‬التلاعب‮” ‬بالمواد الغذائية الموجهة للاستهلاك‮ ‬لا محالة ستضيق بحكم إرادة‮ “‬تضييق الخناق‮ ” ‬على‮ ” ‬لوبيات المتاجرة بصحة المواطنين‮” ‬المعبر عنها رسميا‮ ‬،‮ ‬على أساس أن”عدم التسامح مع‮ ‬هؤلاء الأباطرة‮” ‬قرار لا رجعة فيه؟‮ ‬ ‮ ‬لكن‮ ‬يبدو،‮ ‬أن الحقيقة أكثر مرارة،‮ ‬وأن الأمر‮ ‬يتعلق‮ ‬ب‮ ” ‬سلوك‮ ” ‬متجذر داخل‮ “‬تربة المجتمع‮”‬،‮ ‬لن تكفي‮ ‬لاقتلاعه والتخلص من تداعياته المدمرة‮ ‬،‮ ‬حملات تشن‮ ‬،‮ ‬من‮ ‬حين لآخر‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬هذه المدينة أو ذاك الإقليم‮ .‬ حقيقة‮ ‬تعضدها‮ “‬الممارسات الغشية‮” ‬السائدة في‮ ‬أكثر من مجال‮ ‬،‮ ‬والتي‮ ‬سبق أن تضمنها أكثر من تقرير رسمي‮ ‬وشكلت مبعث شكايات‮ ‬فعاليات جمعوية مهتمة،‮ ‬كما هو الشأن بالنسبة ل‮ “‬غياب الجودة‮ ” ‬في‮ ‬تعبيد الطرقات وإصلاح المسالك‮ ‬،‮ ‬سواء داخل المجال الحضري‮ ‬وما‮ ‬يشهده من أوراش إعادة الهيكلة والتأهيل،‮ ‬أو في‮ ‬جغرافية المجال القروي‮ ‬الذي‮ ‬تعيش بعض أجزائه على إيقاع مشاريع فك العزلة عن سكان الدواوير النائية،‮ ‬حيث‮ ‬يكفي‮ ‬توالي‮ ‬سقوط الأمطار لبضع ساعات ليفتضح أمر‮ ” ‬التوفنة‮ ” ‬وما شابهها من مواد‮ ‬يخالف محتواها‮ ‬ما تنص عليه دفاتر التحملات الموقعة من قبل بعض المؤتمنين على حسن صرف المال العام‮ . ‬ ‮ ‬الأجواء‮ “‬غير السليمة‮” ‬نفسها‮ ‬،‮ ‬أرخت بظلالها القاتمة على قطاع‮ ‬التربية والتعليم ذي‮ ‬الحساسية الاستثنائية بالنسبة لمستقبل المجتمع‮ ‬،‮ ‬بعدما أكدت‮ ‬الأحداث‮ “‬غير الصحية‮” ‬المرافقة لامتحانات الباكالوريا،‮ ‬خلال السنوات العشر الأخيرة‮ ‬،‮ “‬تورط‮” ‬آباء وأمهات في‮ ” ‬تشجيع‮ ” ‬أبنائهم‮ ‬على‮ “‬التسلح‮” ‬بأحدث‮ ‬التقنيات التكنولوجية‮ ‬ل‮ “‬الجواب‮ ” ‬عن أسئلة الاختبار‮ ‬،‮ ‬لدرجة أضحى الأساتذة‮ “‬النزهاء‮” ‬المكلفون بالمراقبة عرضة للسب والاعتداء من قبل بعض أولياء أمور التلاميذ في‮ ‬مقابل‮ “‬الإشادة‮ ” ‬بمن‮ ‬ينهج‮ ‬أسلوب‮ ‬غض الطرف؟‮ ‬ ‮ ‬آفة امتدت شظاياها‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬الآونة الأخيرة‮ ‬،‮ ‬إلى‮ “‬مباريات توظيفية‮” ‬قصد ولوج‮” ‬أسلاك حساسة‮” ‬تستوجب‮ ‬،‮ ‬مبدئيا‮ ‬،‮ ‬اتصاف‮ ‬الراغب في‮ ‬اجتيازها بحد أدنى من‮ “‬النزاهة‮ ” . ‬ كما لم تسلم منها رياضة‮ ‬ساهم‮ “‬أبطال‮ ‬حقيقيون‮” ‬في‮ ‬إشعاعها دوليا‮ ‬،‮ ‬حيث لم‮ ‬يتردد البعض في‮ ‬تلويث سمعتها ب‮ “‬انتصارات المنشطات‮ ” ‬،‮ ‬دون استحضار للعواقب الوخيمة على الصورة العامة‮ ” ‬لنموذج‮ ” ‬كان مدعاة للاقتداء والتقدير عالميا‮. ‬ الأمر نفسه‮ ‬ينطبق على المجال الفني‮ ‬بعد أن‮ ‬تعرضت‮ “‬إبداعات‮” ‬خالدة‮ ‬،‮ ‬للقرصنة،‮ ‬دون موافقة‮ ‬أصحابها‮ ‬أو ورثتهم‮ ‬،‮ ‬والذين إن حاولوا الاحتجاج لا أحد‮ ‬يستمع لصرخاتهم‮ ‬،‮ ‬و ذلك تحت‮ ‬غطاء‮ ” ‬التحديث‮ ” ‬المفترى عليه‮.‬ هو‮ ‬،‮ ‬إذن‮ ‬،‮ ‬مسلسل‮ “‬مكسوة‮” ‬حلقاته بالسواد،‮ ‬يدفع المرء لأن‮ ‬يتساءل بغير قليل من التشاؤم‮ : ‬هل باتت‮ ” ‬سلوكات التلاعب والغش‮ ” ‬،‮ ‬والتي‮ ‬لم تنج من‮” ‬ويلاتها‮ ” ‬قطاعات حيوية‮ ‬،‮ ‬تمثل‮ “‬قاعدة‮ ” ‬بدل أن تبقى مرتدية للبوس‮ ” ‬الاستثناء‮ ” ‬؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى