كل المصائب التي ألمّت بال ” عقيد القذافي ” جاءت ،في واقع الأمر، من تحت رأس ناس الغيوان ، أو بالأحرى من فوق رأسهم . كل العصي التي انهالت على ضلوعه ، كل الأحزمة التي وَخَطَت ظهره بالوُشوم ، كل السياط
ويكاد الإجماع يتحقق في ” الحي ” على أن ” النغمة التي قصمت صبر السّكِّير ” ، وأحفظت قلبه على القذافي لدرجة الغيظ هي نغمة:
والديا واحبابي ما سخاو بيا
بحر الغيوان ما دخلتو بلعاني
يشهد بذلك مؤرخون كُثُر بمن فيهم زينب لابَّرَاي برگاگة الحي وحجته الدامغة
لكن زينب تنفرد عن باقي الرواة بضبط السياقات وتحديد التواريخ وتنقيح المعلومات بعد غربلتها و فرز شوائبها
لذلك لما قيل إن المشكل اندلع بين العسكري وابنه عام 1973 ، تصدت سيدة البرگاگين المغاربة لتفنيد المزاعم وضحد الأباطيل مؤكدة أن السنة الحقيقية لنشوب الخلاف هي بالتحديد 1972، السنة التي ظهر فيها شريط “الصينية ” واعتقل فيها “المصباحي “أستاذ الفلسفة ، وعرفت فيها أسعار السكر زيادة مهولة ، وضبط فيها عامس فوق زيزة داخل المسجد ، واشترت فيها، ” بالامارة ” ، لالة زهور “تكشيطتها” الزرقاء
حيال هذه الصرامة المعرفية وهذا الحزم التوثيقي الخلاق ، كفّ كل هواة التأريخ عن ” اللعب أمام باب زينب ” أو التطاول على اللجاج في حضرتها
مجمل ما سأرويه لكم إذن عن محنة القذافي وسبب تغريبته ، مستمدٌّ ، فماً لأُذْن، من محكيات زينب أطال الله رهافة سمعها، واستنفر شياطين حدسها ، وبوَّأَ أنفها في محافل الشم حسن المقام
التحق العسكري بفيلق “الحلوف الثاني ” بثكنة ” بنگرير ” عام 1970 ، وكانت الثكنة ترخص له بزيارة أسرته ، حسب الأحوال ، أربع مرات في السنة، في مارس ويونيو وشتنبر ودجنبر . وأول ما كان يقوم به قبيل الالتحاق ببيته ، هو المرور على مارشي سنطرال وشراء قنينتين من نبيذ ” مُغربي ” يدسهما بين بطنه وحزامه ،ويرخي عليهما بذلته العسكرية الفضفاضة ويستقل حافلة الرجوع
بوشعيب ، لا أحد يناديه باسمه الشخصي ، ولا حتى ب ” عقيد “اسمه العائلي ، الأطفال يكنونه ” السكايري ” ، والشباب يخصونه، لأمر ما، بلقب ” السّكِّير”، والرجال والنساء ينادونه ” العسكري ” بتسكين السين والكاف. وعلى كل حال فسواء تعلق الأمر بالسكايري أو بالسكير أو بالعسكري ، فإن اللقب لم يكن يُسْمَع في الحي إلا أربع مرات في السنة ،أربع مرات يتيمات، لكنه حين يُسمع ، يعلو على كل صوت عَدَاه ، و يَرِنّ في الأعالي صَداه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله
الثانية صبحا : ” وانوضو آ ولاد لقحاب ، وافيقو ربّكم ، واش انا بايت فالبرد و نتوما مكمّدين ؟ والله يا دين مّو شي واحد فيكم لا نعس….”
يتململ رجال كثيرون في مراقدهم متمتمين بتبرم : “لا حول ولا قوة إلا بالله…. رجع عاود ثاني ذاك المصيبة …”. أما النساء فَيَتَمَنَّيْن أن تنْشقّ بطون الأسِرّة ويذُبْن في أحشائها خجلا من القاموس المرحاضي الذي يشنف الآذان. بينما تحكم زوجة العسكري إغلاق الرتاج عليها هي وابنها وتترك ” السكايري الخانز يبات فالزنقة “
ساعة أو ساعتان ثم تحل اللحظة التي ينتظرها الجميع ، لحظة النحيب ، حين يتمكن الانهيار البدني والنفسي من بوشعيب وينخرط في نوبة بكاء اعتذارية طويلة يطلب فيها الصفح من الجيران ملتمسا ألا يؤاخذوه بجريرته، وأن يغفروا له جسارته القذرة ، ونتانة لسانه فقد زل مرة أخرى ، وأطلق فمه “الكابيني ” في أناس لا يجمع بينه وبينهم إلا الخير والإحسان، ولكنه الخمر ، نعم الخمر ولد الحرام هو السبب، لذا عليهم أن يعذروه ويتفهموا ظروفه ، هاهم يرون بأم أعينهم كيف أوصدت دونه الباب ” واش فيها گاع ايلا تعطلت حتى للجوج د الليل ” أجل عليهم أن يعذروه ويتفهموا ظروفه ” واللي مبغاش يمشي يقوّد… ” هل هذه زوجة ؟ تحظر عليه الدخول إلى بيته هو الغائب منذ ثلاثة شهور؟! ” واش هاذي مرأة اعطاني الله ؟ هاذي ترّيكة؟! هاذا هو الدّرّي اللي مْعَوّل عليه ؟! ثم يعرج على موضوع ابنه ، يعرج على موضوع ال”عقيد القذافي ” و” شعكاكته ” ويجمع معها ،في الطريق، شعكاكة بوجميع وباطما وعلال وعمر السيد