• أحمد طنيش
وقفة قراءة:
تواصل الجمهور المغربي مع مسرحية “بوغطاط” نص وإخراج وتشخيص الفنان المسرحي جواد الخودي صحبة الفنانة حليمة السعدية درار، عبر محطات وطنية من الجولة المسرحية المدعمة في إطار دعم الترويج للموسم المسرحي 2022/2023، هذه المسرحية التي قدمتها فرقة أكاديمية تياترو، والتي تركت أثرا طيبا عند عموم الجمهور، وتم التواصل معها بشكل مختلف سيما وقد كانت الفرجة عبر فكاهة مغسولة نقية تواصلية حضرتها الأسرة المغربية وكان فعل التطهير بشكل مختلف إذ وصلت رسالة المحبة والإخاء والوطنية ونبد الإرهاب بدون دغدغة العواطف ولا الخطابات الرنانة، بل عبر تقنية المسرح ورسالة الفكاهة النقية التي تقول فعلها وتستمد الابتسامة بقوة الفعل والتفاعل.
بوغطاط، النص والموضوع والإشكال:
تدور أحداث المسرحية عبر ثنائية طرح من خلال شخصيتين مختلفتين ثقافة ومكونا اجتماعيا، نوقش من خلالهما المجتمع المغربي عبر راهنية أحداث تعيشها كل الأوطان وهي مواضيع لها صفة الكونية، تتمثل في الإرهاب تلك الآفة التي تنخر المجتمعات وتغرس بدور الحقد وتصرف كرهها للإنسانية ضد قيم الحب والتسامح والإخاء والتعايش، تتمثل الثنائية التي بنيت عليها أطوار مسرحية بوغطاط، من خلال شخصيتين مسرحيتين يجمعهما تناقض الوضع والواقع والأفق، وهي مفارقة بنت عليها المسرحية حبكتها.
خلق الحدث الذي سيجمع هذا الثنائي، وكان احتجازا وراهنة واكتشافا للآخر وأديولوجيته وكان الفضاء المسرحي عن خلاء يوحي بجر المعنى لتطرح كوميديتها التطهيري وفق جمالية الكوميديا البيضاء..
كوميديا جواد الخودي
في سيرة الفن هناك نوع أسود من الكوميديا مسمى بالكوميديا السوداء وهو نوع فني مورس في زمنه ولم يتحقق له الاستمرار والنجاح لكون منطلقه له رهانات خاصة، وهي كوميديا لها منظور ظلام ورؤية مأساوية لكل شيء حتى للضحك ذاته الذي هو إفراز لمعطى نفسي وروحي يحدث بالطبيعة ويصدر عنه بالضرورة الابتسامة والقهقهة المتبوعة في كثير من الأحيان بالدموع وجذبة الجسد، لكن الكوميديا السوداء تقف ضد الطبيعة وتود أن تتحكم في احتفالية الانشراح والفرح والبهجة وحرية الجسد.
من هنا تبدأ كوميديا جواد الخودي التي أخدت صفة البياض لأنها تنتصر للحق في الضحك، الذي يبنى بالمواقف وبالكلمة وبالتعبير المستند إلى الأداء المسرحي والتعبير الجسدي وبلغات المسرح من أكسسوار وديكور وإنارة ومؤثرات صوتية وغيرها، من تم يتعامل جواد الخودي مع الكوميديا بمرجعيتها التاريخية والعلمية كمسرح له مقوماته وجذوره وخصوصياته وبالتالي كمسرح له نصوصه التي تحبك باللعب باللغة ومع اللغة استناد إلى لغات أخرى فنية وتقنية، لدى يستحق جواد الخودي صفة رائد الكوميديا البيضاء..
الكوميديا البيضاء في تجربة جواد الخودي
حينما نذهب إلى العرض الكوميدي فإننا ننتظر التهكم الفكاهي من الواقع وننتظر الكاريكاتير وننتظر الترفيه والابتسام والتفريغ عن النفس وننتظر الفرجة التي تحترمنا وتحترم مطلب البهجة، وفي نفس الحين يعلم الفنان الكوميدي أفق انتظار جمهوره فيجتهد ليكون في مستوى الرهان ملتزما بشروط التعاقد بينه وبين متلقيه يحترم فيها أخلاقيات الحق في الضحك دون الإساءة والترفيه المقترن باحترام الآخر وخصوصيات الحقوق الفردية والجماعية، تم البهجة دون دم الآخر، من تم قد تتحقق عملية التطهير التي يسموا لها الفن النبيل وقد لا تتحقق وهي الاعتبارات التي يقاس بها نجاح هذا العرض الكوميدي عن الآخر، وهي خصوصية العرض الكوميدي الملتزم بشروط الكوميدية..وهنا يأتي دور الأنماط الكوميدية التي لاتخرج على الحالات التالية: الهجاء أو الدراما الهجائية (Satire)، التي تهاجم الأفكار والعادات والأخلاقيات والمؤسسات الاجتماعية بشكل يتسم بخفة الدم والسخرية أو التهكم (Sarcasm). وهناك أيضا الهزل (Farce) الذي يتم فيه الاستهزاء بالحياة من خلال ابتكار مواقف عبثية وشخصيات مبالغ فيها غايتها الكاريكاتير.