نشرت جريدة (الصباح) تحقيقا حول شركات التنمية المحلية بالدار البيضاء وهفواتها القانونية، نعيد نشره تعميما للفائدة.
تواجه شركات التنمية المحلية بالبيضاء امتحانا عسيرا بعد قرار الوكيل العام للملك إحالة ملف مركب محمد الخامس على الضابطة القضائية لتعميق البحث في الاختلالات المالية والتقنية التي شابت أشغال إصلاح كلفت أكثر من 22 مليار سنتيم وأشرفت عليها شركتا “البيضاء للتهيئة” و”البيضاء للتنشيط والتظاهرات”.
والواقع، أن فضيحة “دونور” لم تكن سوى النقطة التي أفاضت كأس شركات تتخبط في إشكاليات قانونية حقيقية تضرب في العمق مبدأ الحكامة الجيدة الذي أوصى به جلالة الملك في خطابه الشهير حول البيضاء، فلا نتائج ومشاريع ومنجزات خارج “دولة القانون”.
التحقيق التالي، يقربنا من بدايات هذه الشركات وتطورها واختلالاتها القانونية وكيف تحولت إلى سكين صدئ في خصر المدينة، انتزاعه مصيبة، والإبقاء عليه مصيبة أكبر.
بدأت حكاية “شركات التنمية المحلية” بالبيضاء في 2008، حين قررت ولاية جهة البيضاء الكبرى (في عهد الوالي محمد القباج) إنشاء شركة مساهمة تحت اسم “تهيئة الدار البيضاء” مهمتها تنفيذ المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير (سداو)، وهو مشروع ضخم قُدر، آنذاك، أنه أكبر امكانيات جماعة، أو جهة بعنيها ويتعلق بفتح 25 ألف هكتار جديدة أمام التعمير، منها 5 آلاف هكتار مخصصة للأنشطة الصناعية والتجارية وإنجاز عدد من المشاريع.
واتفقت الأطراف المؤسسة للشركة، بعد تحديد أهدافها المحصورة في التتبع والدراسات والإشراف، على تحديد رأسمالها في 40 مليون درهم، موزعة على الجهة بـ5 ملايين درهم والجماعة الحضرية بـ10 ملايين درهم ومجلس المدينة بـ5 ملايين درهم والوكالة الحضرية بـ10 ملايين درهم والشركة القابضة للتهيئة بـ 5 ملايين والبنك المركزي الشعبي بـ5 ملايين درهم.
انطلق عمل الشركة، تحت إشراف مباشر من ولاية البيضاء، في تنفيذ الأشطر الأولى من مخطط إستراتيجي سيرهن مستقبل المدينة برمتها، في غياب منتخبي الجماعة الحضرية الذين ما زالوا يستأنسون بنظام وحدة المدينة ونقل اختصاصات الجماعات إلى المجلس والبحث عن انسجام لم يتحقق بسبب عمليات البلوكاج والصراعات السياسية التي ميزت الولاية الأولى لمحمد ساجد والنصف الأول من ولايته الثانية.
بعد أقل من أربع سنوات، تحولت الشركة، التي كانت مكلفة فقط بتنزيل مخطط التهيئة والتعمير، إلى الحاكم الفعلي بالمدينة والآمر والناهي في كل شيء تقريبا وبدأ الجميع ينتبه إلى أدوارها “الإستراتيجية” بالمدينة، خصوصا بعد الخطاب الملكي الذي رسم صورة سوداء للبيضاء، ونبه إلى مظاهر الخلل وغياب الحكامة، وأوصى بوضع مخطط ضخم للتنمية فير أفق 2020 عهد بتنفيذ محاوره الأساسية إلى شركة “تهيئة الدار البيضاء” التي تولى مهامها إدريس مولاي رشيد، القادم من مركز الاستثمار بالجهة الشرقية.
وتتحكم الشركة، اليوم، في مفاصل 15 مشروعا مهيكل مدرجا في إطار مخطط التنمية (2015/2020) بملايين الدراهم، منها مشروع المنتزه الإيكولوجي سيدي عبد الرحمان (40 مليون درهم) والممر تحت أرضي بشارع الموحدين (600 مليون درهم) وإعادة تأهيل المركب الرياضي محمد الخامس (220 مليون درهم) وتأهيل الطرق الداخلية (3.170 مليون درهم) وتأهيل الشواطئ (700 مليون درهم) ومربد شارع الراشدي (170 مليون درهم) وحديقة الجامعة العربية (100 مليون درهم) وحديقة عين السبع (250 مليون درهم) ومسرح البيضاء الكبير (1.440 مليون درهم).
هناك أيضا، مشروع إعادة تأهيل واستغلال المطرح القديم (107 ملايين درهم) وتهيئة طرق ملتقى العمالات وملتقى أزبان (700 مليون درهم) وتوسيع الطريق السيار الحضري (450 مليون درهم) وبناء المحور الجنوبي الغربي (354 مليون درهم) وتهيئة مدارة سيدي معروف (585 مليون درهم) واستغلال مطرح النفايات الجديد (67 مليون درهم) ومجمع المياه الغربي الضخم (850 مليون درهم) ووقاية الساحل الغربي من التلوث (335 مليون درهم).
والملاحظ أن كل هذه المشاريع وغيرها تجري خارج رقابة منتخبي المدينة وجماعتها الحضرية التي لا تعلم كيف تدبر هذه الشركة، ومتى تنظم جموعها العامة، ولمن تقدم بياناتها وحساباتها، ولمن توجه محاضرها وتقاريرها، علما أن الشركة تعتبر، منذ 2014، على الأقل في حكم “شركة للتنمية المحلية” من المفروض أن تكون تحت سلطة ووصاية المجلس الذي أنشأها!!
رغم “هويتها” الجديدة، يرفض أصحاب شركة “تهيئة الدار البيضاء” الرضوخ إلى القانون المنظم لشركات التنمية المحلية، سواء في نسخته السابقة (الميثاق الجماعي)، أو بعد تعديله بموجب القانون التنظيمي 113-14 للجماعات التي خص هذه الآليات بباب خاص (الباب الثاني) حدد فيه مهامها واختصاصاتها ومناطق تحركها.
ومازالت شركة “تهيئة الدار البيضاء” تبني وجودها القانوني على المادة 8 من القانون 39.89 الذي يؤذن بموجبه بتحويل منشآت عامة إلى القطاع الخاص وهو قمة في الخلط والتناقض، علما أن تحويل منشآت القطاع العام للخاص يتطلب وجوبا إذنا من الوزير الأول، وهو ما لم تلتزم به به الشركة والمشرفون عليها والواقفون وراءها خلال تسع سنوات الماضية من عمرها.
وخلافا للفقرة الثالثة من المادة 131 من الباب الثاني للقانون التنظيمي الجديد للجماعات، لا ينبغي أن تقل مساهمة الجماعة الحضرية في شركات التنمية المحلية عن 34 في المائة، كما ينبغي أن تكون أغلبية الرأسمال في ملك أشخاص اعتباريين خاضعين للقانون الخاص، والحال أن مساهمة مجلس المدينة لا تتجاوز 25 في المائة، والباقي موزع على مؤسسات أخرى.
وتكفي هذه “الملاحظات” البسيطة لتجعل من شركة تهيئة الدار البيضاء خارج شرعية “شركات التنمية المحلية” ووظائفها كما حدد المشرع، أي ممارسة أنشطة ذات طبيعة اقتصادية أو تجارية التي تدخل في اختصاصات الجماعات، كما توجد شركات أخرى (مؤسسة ظاهريا في إطار الميثاق الجماعي السابق) خارج القانون، أيضا، وبعضها يتطاول على الملك الجماعي الخاص و”يشتغل” عليه وفيه، رغم المنع القانوني الصريح.
في سنة 2008 أيضا، أسست ولاية البيضاء الكبرى شركة أخرى أطلقت عليها اسم شركة “نقل الدار البيضاء” كلفت بتنفيذ المخطط الحضري للمدينة وتحسين الولوج إلى وسائل النقل الجماعي، والإشراف على الخط الأول من الطرامواي الذي يبلغ طوله 28 كيلومترا الذي قدرت تكلفته بـ6.3 مليار درهم.
ووزعت مساهمات الشركة على الدولة بـ40 مليون درهم وصندوق الحسن الثاني للتنمية الاجتماعية بـ20 مليون درهم ومثلها لمجلس المدينة و15 مليون درهم لكل من الجهة وصندوق الإيداع والتدبير والبنك الشعبي و10 ملايين لمكتب السكك الحديدية و5 ملايين لمجلس العمالة.
وخلافا لشركة “تهيئة الدار البيضاء”، قبلت شركة “نقل البيضاء” بالتحول إلى نظام شركات التنمية المحلية المنصوص عليها في الميثاق الجماعي السابق والقانون التنظيمي الحالي، وكيفت عددا من فصولها القانونية مع المقتضيات، دون أن تلتزم بالنصوص الأساسية التي تجعل منها مجرد شركة تابعة للجماعة وليس إلى شركة مستقلة تفعل ما تشاء، ومن ذلك عدم احترامها مرسوم الصفقات العمومية (2/12/349) التي تفرض وجوبا قرارا لوزير الداخلية الذي يحدد شروط الاتفاقيات والصفقات المبرمة مع الجماعة الحضرية وتحديد شكلها أيضا، وهي العملية التي لا تتم في المطلق.
ولا تشكل الشركات الأخرى، حتى تلك المؤسسة في إطار مقتضيات الميثاق الجماعي وقرارات مجلس المدينة في 2014، استثناء في تجاوز القانون، ونعني بالضبط “البيضاء للتراث”، و”البيضاء للخدمات” و”البيضاء للتنمية” و”البيضاء للتنشيط والتظاهرات” التي تشتغل منذ 2014 (تاريخ تأسيسها والمصادقة عليها في دورة لمجلس المدينة) خارج دائرة الهيآت المنتخبة التي لا تعرف عنها أي شيء بالمطلق عدا الميزانيات والأموال التي تضخها في خزائنها في شكل اتفاقيات مباشرة خارج القانون.
وتشكل هذه الشركات، التي لا يحضر مديروها العامون لاجتماعات المجلس دوراته إلا من أجل تسلم أموال الاتفاقيات، نموذجا صارخا لتجاوز القانون وغموض الصفقات العمومية التي تحوم حولها شبهة إهدار المال العام (لوغو البيضاء الذي كلف 300 مليون سنتيم، بينما ستنجزه جهة البيضاء-سطات بـ5 ملايين سنتيم فقط)، والتدخل في اختصاصات الجماعة والمقاطعات وإنجاز مهام لا تدخل في صلب اختصاصات مجلس المدينة (التنشيط الرياضي/مارتون البيضاء)، ثم موجة التوظيفات خارج المعايير، حتى تحولت الشركات إلى حديقة خلفية للمتقاعدين!!!
ونشير فقط على سبيل الحصر أن مصالح الجماعة الحضرية لا تتوفر على أي محضر أو تقرير حول أشغال واجتماعات هذه الشركات كما تؤكد على ذلك الفقرة 5 من المادة 131 من القانون التنظيمي الذي يحدد أجل 15 يوم للتوصل بالمحاضر، كما يحاط المجلس علما بكل القرارات المتخذة في شركة التنمية عبر تقارير دورية يقدمها ممثل الجماعة بأجهزة هذه الشركة.
يتهافت مديرو شركات للتنمية المحلية بالبيضاء وأعضاء بمكتب مجلس المدينة على “كعكة” العمولات المتأتية من توقيع الاتفاقيات المباشرة، إذ تضخ الجماعة الحضرية، سنويا، ملايين الدراهم في خزينة شركات يشتغل أغلبها خارج القانون.
وقال مصدر إن عشرات الاتفاقات الموقعة مع شركات التنمية المحلية تشترط أن تحصل على عمولة تحدد في 10في المائة من القيمة المالية الإجمالية للاتفاقية، ولو تعلق الأمر بطرح طلب عروض لإنجاز دراسة، أو إعلان صفقة عمومية، أو تدبير مرفق ينتمي إلى الملك العام للـــــــــــجماعة.
وأكد المصدر نفسه إن بعض أعضاء المكتب المفوض لهم بعض القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بالجماعة الحضرية لم يعد لهم أي شغل غير البحث عن مشاريع تصاغ في شكل اتفاقيات تسلم إلى شركات للتنمية المحلية المراقبة من قبل لجنة للتتبع، وهذه اللجنة مراقبة من مجلس المــــــدينة.