الرئيسيةفن وثقافة

الصفاح.. حتى في موته كان فنانا

العربي رياض

تجرعت الخبر مرا، لم أستسغ شيئا، لم أفهم شيئا…

في الثامنة من صباح الأربعاء،   تصلني  رسالة عبر الهاتف من الصديق محمد الغيوان: (الحاج عبد الرحيم الصفاح في ذمة الله)

ثقل اللسان وأنا أمام باب  الجريدة، لم أنتبه لأي زميل، ولم  أرد السلام على كل من قدم لي تحية الصباح، اكتفي فقط في «تفرس» الوجوه، عسى أن يعطيني أحدهم خبرا يكذب ما سمعته.. فقبل ساعات فقط، كنت أطلع على ما ينشره في الفضاء الأزرق، وهو يعقب، ويمنحنا معلومات حول الظاهرة الغيوانية، أو يحتفي مع أصدقاء من محبي الظاهرة بصورة إلتقطوها هنا وهناك في مختلف المهرجانات أو اللقاءآت الحميمية…

 ركبت رقم الهاتف واتصلت بصديقنا المشترك، ابن حومته بالدار البيضاء،سعيد فتحي،كان على أهبة مغادرة الفراش، صعقته بالخبر، لم يفهم  هو الآخر شيئا، اكتفى بالقول، «خوياالعربي قطع قطع..» فهمت أن الرجل، نزل عليه الخبر كصاعقة ثلج، خرج مباشرة إلى منزل عبد الرحيم الصفاح،ولم تمض  سوى عشر دقائق، حتى اتصل بي باكيا، «لقد مات عبد الرحيم حقيقة .. عزاؤنا  واحد» أخبرني فتحي أن الموت كان مفاجئا، إذ لم يكن المرحوم يعاني من أي مرض،  وافته المنية على إثر سكتة قلبية.

قلت لصديقي، حتى في موته كان فنانا رقيقا، لم يزعج أحدا، أغفل الجميع ثم مات، ليترك للأصدقاء والمقربين، صدمة كبيرة تتناسل معها الأسئلة والحيرة وتتحرك معها خطوط الهواتف لدى أبناء الظاهرة، وغيرهم من عاشقي مجموعة «لرفاك» التي يعد أحد أعمدتها ومؤسسيها.

نادراما تجالس الصفاح في مجمع، وتجد صوته صاخبا ،   لكنه حين يتكلم، يصمت الجميع، ليصغى لما يقوله الرجل برقة وفنية عالية،  فالفن سلوك أولا، هكذا كان فنانا في العزف والغناء، وفنانا في السلوك والحياة. يفهم في الموسيقى وروعة الزجل والشعر، بدون أي ادعاء أو فخفخة في الذات، وهو ما جعل الجميع يتفق على حبه والإلتفاف حوله في أي مناسبة من المناسبات، كانت آخر جلسة لي معه هنا في الدار البيضاء برفقة الأعزاء، عبد الحفيظ النبوي والأستاذ  العوفير أحمد والأستاذ أحمد بنتوا والصديق ابراهيم باكو والفنانين عبد الكريم القسبجي، فنان جيل جيلالة وفنان لمشاهب حمادي وميلود مسناوة. حيث خلقنا جلسة حميمية جميلة، على هامش تكريم الفنان عبد الكريم من طرف مجموعة أحفاد  الغيوان إلى جانب الإعلامي عبد الكبير حزيران، ،حينها فتحنا  نقاشا مستفيضا حول الظاهرة الغيوانية وسبل استمرارها ، ماز لت أتذكر مقتطفات من مداخلاته المسترسلة في الموضوع والمصحوبة ببشاشة شيقة، حيث كان يؤكد على ضرورة توجه الشباب الذي يريد أن يدخل مجال الظاهرة،إلى الأكاديمية الموسيقية ليعطي رونقا جديدا لأغاني المجموعات، كما تحدث بإسهاب عن صديقه حسن باطما  وموافق فاطمة الملقبة بـ (فوزية)ومحمد فنين ومصطفى الحمداني ومصطفى فادي وحداني عبد الكريم الذين أسس معهم المجموعة في  السبعينات، لتتعزز بعد ذلك بالفنان الصادق  وعبد الكريم الشيفا، عازف ناس الغيوان حاليا. وكيف كانت لرفاك أول مجموعة مشاركة مع مجموعة ناس الغيوان و لمشاهب و جيل جيلالة في جولة داخل المغرب الى جانب فنانين كوميديين كالمرحوم بنبراهيم والدسوكين والزعري والثنائي بزي وباز وعبد الرؤوف ومجموعة نواس الحمراء كما قامت بإحياء عدة سهرات بالجزائر وجمهورية تونس، ووصلوا إلى مناطق نائية بالمغرب.

وسرد الإكراهات  التي كان يواجهها الشباب التواق للفن في تلك الحقبة، ومع ذلك،كان يبدع بكل ما أوتي من أدوات موسيقية كيفما كانت عكس اليوم ..

 افترقنا تلك الليلة، على أمل اللقاء فيما بعد عنده بمدينة الجديدة، وبعد ذلك في مراكش في ضيافة البنوي، لحضور حفل تكريم عبد الكريم. ودعني رفقة الآخرين،وآخر ما رسمه لي ابتسامة عريضة  مع جملة وداع “تهلا آ باعروب”.

رحم الله الصفاح، صديقا وفنانا وألهم ذويه الصبر والسلوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى