في حوار مع جريدة (الصباح)، حذر الحسين نصر الله، رئيس فريق حزب الاستقلال بمجلس المدينة ورئيس لجنة التعمير وإعداد التراب، من تغول شركات التنمية المحلية بالبيضاء على حساب المنتخبين والديمقراطية المحلية.
في ما يلي نص الحوار الذي أجراه الزميل يوسف الساكت.
– في دورة ماي العادية لمجلس البيضاء، طرحتم عددا من الإشكاليات المتعلقة بشركات التنمية المحلية ودعوتم مكونات المجلس للتفكير في عقد ندوة أو يوم دراسي استعجالي حول الموضوع. هل تعتقدون أن الأمر وصل درجة الأزمة؟
لم تكن دورة ماي المناسبة الوحيدة التي نبهت فيها إلى معضلة شركات التنمية المحلية. فمنذ أن تشرفت بثقة سكان البيضاء بانتخابي عضوا بمجلس الجماعة وأنا أنبه، إما خلال دورات المجلس، أو خلال لجانه الدائمة، إلى الوضع الشاذ الذي توجد عليه أغلب تلك الشركات وإلى تأثير هذا الوضع على الفعل المحلي بكل أوجهه، سواء من الناحية القانونية، أو التدبيرية، أو السياسية.
وفي جل الأحيان، أركز على الجانب القانوني، باعتبار احترام القانون أحد أهم أسس الحكامة التي تشكو البيضاء من ضعفها وباعتبار احترام القانون هو الضامن الوحيد لصيانة الجانب التدبيري والسياسي للفعل المحلي.
فعدم احترام القانون (خصوصا مرسوم الصفقات العمومية) سمح، مثلا، بعقد اتفاقات مباشرة مكلفة جدا بين مجلس الجماعة وشركة “تهيئة الدار البيضاء” التي ليست شركة للتنمية المحلية. وهذا يؤثر سلبا على الجانب التدبيري. أما على مستوى السياسي، فأعتقد أن شركات التنمية المحلية بشكلها الحالي، تصيب مبدأ التدبير الحر في مقتل.
ولم أقف عند التنبيه، بل سبق أن طلبت بشكل رسمي، إدراج مجموعة نقط في جدول أعمال الدورة ما قبل الأخيرة للمجلس، منها تحيين شركة “تهيئة الدار البيضاء” وحل شركة “البيضاء للتنشيط” وتقييم مردودية ووضع الشركات الأخرى، لكن و لأسف وبتعليل غير مقنع وبشكل فاجأني، تم رفض إدراج هذه النقط، بل تم رفض كل النقط التي طلبت إدراجها وهي ثمان نقط.
أعتقد أن الوقت حان، بل من المستعجل جدا، أن نقف وقفة تأمل وتقييم لهذه الشركات، حتى نصحح مسارها وحتى نتمكن من الاستفادة من الإيجابيات المتعددة التي يتيحها هذا النمط التدبيري.
– هل تعتقدون فعلا أن شركات التنمية المحلية تحولت من آلية لتدبير اختصاصات الجماعة، مثلها مثل التدبير المفوض والاقتصاد المشترك، إلى أداة للتحكم والتغول في يد سلطة الوصاية. كيف تفسرون ذلك.
المجلس سيد نفسه ومبدأ التدبير الحر مكفول دستوريا، وعليه، فإن ما يقع اليوم ليس سحبا لاختصاصات المجلس، بل تنازلا اختياريا للمجلس عن اختصاصاته لصالح هذه الشركات التي إن ظل الحال على ما هو عليه اليوم، ستتوغل فعلا، وسيصعب، أو يستحيل تقويم الأمر لاحقا.
فالطبيعة لا تقبل الفراغ. وإن تنازلت أنت عن اختصاص لك يحقق المصلحة العامة، فأنت تحدث فراغا سيملؤه غيرك وهذا ليس فقط من حقه، بل من واجبه.
– لماذا يكون التنازل الاختياري وما أسبابه؟
أقر بأني لا أملك جوابا على ذلك، لكن أعتقد أنه علينا اليوم قبل الغد، أن نقف كما قلت وقفة تأمل وتقييم لإنقاذ ما يمكن و يجب إنقاذه.
– يلاحظ أن الجماعة الحضرية (مؤسسة الشركات نظريا) وضعت السلاح في هذا الموضوع وتركت الحبل على الغارب. كيف تتوقعون مستقبل مدينة تُسير خارج مؤسساتها التمثيلية ويوجد منتخبوها على هامش المشهد ككل؟
هذا وضع يستحيل استمراره ويجب تصحيحه.
أنا لست ضد شركات التنمية المحلية بل على العكس. أنا مقتنع جدا بأنها من أنجع أنماط التدبير العصري، لكن ليس بالشكل التي هي عليه اليوم.
على المجلس أن يستعيد اختصاصاته وهذا أمر بيده وحده وهو من يتنازل عنها، وعليه أن يباشر أمور المدينة بما يقتضيه ذلك من كفاءة وتحمل للمسؤولية، لا أن يلقي بكرة المسؤولية في ملعب شركات التنمية المحلية.
الوضع كما هو عليه اليوم قد يحقق احتمالا (في بعض الحالات جد محدودة) بعض الفعالية، لكنه لن يحقق أبدا النجاعة. هذا من الناحية التدبيرية، أما من الناحية القانونية فيجب تحيين القوانين الأساسية لهذه الشركات واحترام القانون سواء تعلق الأمر بالصفقات العمومية أو تدبير الملك الجماعي. وأما من الناحية السياسية فإذا استمر الوضع كما هو عليه واستمر المجلس في التنازل عن اختصاصاته، فهو بذلك يقدم استقالة جماعية ويدعو المواطن إلى العزوف عن الاستحقاقات المحلية.
وأنبه إلى أن المواطن قد يفرح لترفيه عابر من خلال مهرجانات، أو حفلات، وهذا أمر له درجة من الأهمية، لكن ما يهمه بالأساس هو أن ترتقي مدينته إلى منزلة تسمح لها بمنافسة المدن الأخرى إن على المستوى الوطني أو الدولي. فلننتبه إلى أن مساهمة البيضاء في الناتج الوطني الخام في تدن مستمر في ظل نمو مدن وبروز أخرى جديدة وهي منافسة شرسة في عالم يعرف خط تمدنه تصاعدا مستمرا.
السؤال الذي يجب أن نجيب عليه اليوم، هو كيف يقرر مستثمر أن يستثمر و ينتج و يخلق فرص شغل في البيضاء بدل برلين أو لندن وشانچاي؟ ولننس اسطنبول بعض الوقت.