أعمدة ضاد24الرئيسية

إعدام‮ «‬الذاكرة العمرانية‮»!‬

#‬حميد_بنواحمان

من بين المدن التي‮ ‬تعرضت‮ – ‬ومازالت تتعرض‮ – “‬ذاكرتها‮” ‬العمرانية لشتى محاولات المحو والتشويه‮ ‬،‮ ‬مدينة الدارالبيضاء،‮ ‬لدرجة أصبح من العسير على المرء أن‮ ‬يتجول ببعض‮ ‬أحيائها‮ “‬المرجعية‮ ” ‬،‮ ‬دون أن‮ ‬يحس‮ ‬بالألم‮ ‬جراء ما‮ ‬يقع من‮ “‬اعتداء‮ ” ‬لن تكون فواتيره‮ ” ‬المعنوية‮ ” ‬،‮ ‬بالتأكيد‮ ‬،‮ ‬إلا باهظة‮ . ‬وضع‮ ‬سبق‮ ‬لجمعية‮ “‬كازا ميموار‮ ” ‬أن دقت بشأنه ناقوس الخطر عقب إصدارها‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬بحر سنة‮ ‬2013‮ ‬،‮ ‬ل‮ ” ‬دليل معمار القرن العشرين بالدارالبيضاء‮ “‬،‮ ‬والذي‮ ‬جاء في‮ ‬تقديمه أن‮ “‬تصنيف المدينة في‮ ‬مرحلة أولى كتراث وطني‮ ‬،‮ ‬ثم في‮ ‬مرحلة لاحقة كتراث عالمي‮ ‬من قبل اليونسكو‮ … ‬خطوة أساسية ستكون الوحيدة القادرة على أن تُشكِّل صمّام أمان صلب قادرعلى مواجهة الحملات المسعورة التي‮ ‬يتعرض لها حاليا هذا التراث المعماري‮ ‬البالغ‮ ‬الثراء‮…”. ‬ ‮ ‬دليل أشار لعشرات‮ “‬النماذج المعمارية‮” ‬التي‮ ‬فقدت‮ «‬هويتها الأصلية‮» ‬ذات المرجعية التاريخية الغنية،‮ ‬تحت تأثير«العامل الطبيعي‮» ‬وتوالي‮ ‬السنوات،‮ ‬أو بفعل قرارات إدارية‮ «‬غيرمسؤولة‮» ‬كبّلتها‮ «‬الغاية المادية‮» ‬الجاهلة لحقيقة مفادها أن‮ «‬بيضاء اليوم‮» ‬لم تُؤسس من فراغ‮ ‬أو هي‮ «‬تجمّع بلاجذور‮»‬،‮ ‬إذ‮ “‬كانت تجربة للمعمار الحضري‮ ‬ومختبرا للحركات المعمارية العالمية المتفرّدة ما بين العقد الأول والعقد السادس من القرن العشرين‮”.‬

قرارات أعدمت‮ «‬المسرح البلدي‮» ‬بهندسته الفاتنة،‮ ‬لتُجبر ساكنة‮ «‬العاصمة الاقتصادية‮» ‬للبلاد،‮ ‬على تجرّع مرارة‮ « ‬يُتْمٍ‮ ‬ثقافي‮» ‬لم تفلح‮ «‬المسارح الجماعاتية‮» ‬المُقامة في‮ ‬النفوذ الترابي‮ ‬لهذه الجماعة‮ / ‬المقاطعة أو تلك‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬الحد من تداعياته المدمرة،‮ ‬فضاعت المدينة في‮ ‬عدد كبير من خيرة مُبدعيها‮ / ‬فنانيها،‮ ‬الذين تاهوا في‮ ‬دروبها‮ «‬المظلمة‮» ‬الحبلى بعناوين التشاؤم والانكسار‮. ‬

مصير المحو الممنهج ل«ذاكرة الجمال‮»‬،‮ ‬بمفهومه الشامل‮ ‬،‮ ‬لم تسلم من قساوته‮ ‬،‮ ‬أيضا‮ ‬،‮ ‬عشرات القاعات السينمائية التي‮ ‬شكلت‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬العقود الماضية،‮ ‬علامةً‮ ‬مائزةً‮ ‬لأحياء بعينها‮. ‬كما هو شأن‮ ‬،‮ ‬تمثيلا لا حصرا،‮ ‬قاعات‮ ” ‬مونتي‮ ‬كارلو،‮ ‬فاميليا‮ ‬،‮ ‬مونديال‮… ‬بالمعاريف،‮ ‬فيكتوريا‮ .. ‬ببوركون‮ ‬،‮ ‬ولارك‮ ..‬بالزيراوي‮.. ” ‬،‮ ‬التي‮ ‬يجهل شبان ويافعو الأحياء ذاتها،‮ ‬اليوم‮ ‬،‮ ‬كل شيء عن ماضيها،‮ ‬بعد أن فتحوا أعينهم على محلات تجارية وخدماتية‮… ‬رأى المُنافحون عن منطق‮ “‬الأسمنت الأعمى‮” ‬،‮ ‬أنها الأجدر بالتواجد بهذه البقع الأرضية،‮ ‬بدل بنايات تحمل بصمات جمالية لمهندسين من جنسيات مختلفة‮ ( ‬فرنسية‮ ‬،‮ ‬إيطالية‮ ‬،‮ ‬بريطانية‮ …)‬،‮ ‬يمثلون مدارس هندسية متعددة المشارب تعتبر نموذجا راقيا‮ ‬لتلاقح الحضارات،‮ ‬وينظرون إلى‮ “‬تصاميم البناء‮” ‬نظرة الفنان التشكيلي‮ ‬المهووس ب”هاجس‮” ‬إنجاز لوحة تُخاطب العمقَ‮ ‬لا السطحَ‮ ‬،‮ ‬الباطنَ‮ ‬لا الظاهرَ،‮ ‬حتى‮ ‬يضمن لها أسباب‮ “‬التوارث‮” ‬التلقائي‮ ‬بين الأجيال‮.‬

استمرار إعمال‮ “‬المقصلة‮” ‬في‮ ‬العديد من المباني‮ ‬ذات الحمولة‮ ‬التاريخية الثرية‮ ‬،‮ ‬بمنطقة المعاريف وغيرها‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬ظل‮ “‬صمت‮ ” ‬غير مفهوم‮ ‬من قبل‮ ‬الجهات‮ – ‬السلطات المعنية‮ ‬،‮ ‬يطرح أكثر من سؤال من قبيل‮ : ‬هل المِلكية الخاصة لبعض هذه البنايات تُعفي‮ ‬أصحاب القرار‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬مختلف مواقع المسؤولية،‮ ‬من‮ “‬الاجتهاد‮” ‬قصد إيجاد صيغة تحفظ للبناية طابعها‮ “‬الذاكراتي‮” ‬،‮ ‬وتتيح لأصحابها‮ ‬،‮ ‬في‮ ‬الآن ذاته‮ ‬،‮ ‬إمكانية‮ “‬الاستفادة المادية‮” ‬،‮ ‬من خلال تعويضهم بما‮ ‬يتلاءم من‮ “‬أرض ونقد‮”‬،‮ ‬على‮ ‬غرار تجارب مجالس منتخبة بحواضر بلدان في‮ ‬الضفة الأخرى من المتوسط تحتل‮ “‬صيانة تراث المدينة،‮ ‬المادي‮ ‬والمعنوي‮” ‬مكانة محترمة داخل أجندة أولوياتها ؟ ما المانع من تشكيل‮ “‬لجنة تتبع‮” ‬،‮ ‬يمثل أعضاؤُها السلطات المحلية والمنتخبة وجمعيات المجتمع المدني‮ ‬ذات الاختصاص‮ ‬،‮ ‬يُراعى رأيها‮ “‬الاستشاري‮” ‬قبل إعطاء الضوء الأخضر لهدم هذه‮ “‬البناية‮” ‬أو تلك‮ ‬،‮ ‬بالنظر لما للعملية من‮ “‬استثناء‮” ‬يستوجب عدم التعاطي‮ ‬معها كما لو أن الأمر‮ ‬يتعلق بإرسال جرافات ل”محو‮” ‬أثر أبنية عشوائية‮ “‬نبتت‮” ‬في‮ ‬جنح الظلام؟

إن رفع‮ “‬الراية البيضاء‮” ‬أمام‮ “‬الاعتداءات‮” ‬التي‮ ‬تطال الموروث المعماري‮ ‬للمدينة‮ ‬،‮ ‬والتي‮ ‬لا‮ ‬يحلم”أبطالها‮ ” ‬سوى بتحويل كل شبر من ترابها إلى مُتواليات من‮ «‬الأسمنت المرصوص‮» ‬،‮ ‬المفتقدة لأي‮ ‬مُسحة جمالية تُريح عينَ‮ ‬ناظرها من الخارج وتُنعش فؤادَ‮ “‬مُستوطِنها‮”‬،‮ ‬سكنًا أو وظيفةً،‮ ‬دون اكتراث لا بما‮ ‬يرمز ل”الماضي‮” ‬من أحجار،‮ ‬لا تحتاج سوى إلى ترميم‮ ‬،‮ ‬ولا بما‮ ‬يضمن سلامة الصحة العامة في‮ ‬الحاضر والمستقبل من أشجار‮ “‬تُغتال‮” ‬في‮ ‬واضحة النهار،‮ ‬يُشكل مسلكا خطيرا‮ ‬يهدد الأجيال القادمة بأوخم العواقب في‮ ‬ما‮ ‬يخص طبيعة ارتباطها ب‮ “‬ذاكرة‮” ‬المدينة‮ ‬،‮ ‬عُمرانا وإنسانا،‮ ‬والتي‮ ‬كُتبت محطاتها المختلفة ب”عقود‮” ‬من جُهد و عرق ودم‮ … ‬الآباء والأجداد‮.‬

‬وضعية بالقتامة المشار إلى بعض عناوينها أعلاه‮ ‬،‮ ‬ألا تستحق تعاطيا جديا وعاجلا من قبل الجهات المعنية‮ – ‬كل طرف من منطلق اختصاصاته‮ – ‬،‮ ‬وذلك تفاديا لصنع‮ ” ‬جيل بلا ذاكرة‮ ” ‬،‮ ‬يحدق به‮ “‬المجهول‮ ” ‬من كل جانب‮ ‬،‮ ‬والذي‮ ‬لن‮ ‬يكون‮ ‬،‮ ‬بطبيعة الحال‮ ‬،‮ ‬سوى‮ “‬جيل بلا مستقبل‮” ‬؟‮! ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى