إلى جانب زميلىي جلال كندالي كان لي شرف دباجة سلسلة حوارية من 30 حلقة مع صديقي الفنان الكبير المرحوم مصطفى سلمات في صيف 2003 ، ارتايت أن أشاطركم جوانب منها كما كتبت قبل 17 سنة وفاء لعطائه الفني وأيضا للاطلاع على جزء من مسار المسرح المغربي والكاريزما التي كان يتمتع بها الفنان
نالت مسرحية “سيدي عبد الرحمان المجدوب” إعجاب الجمهور بشكل كبير• خاصة وأنها شكلت بداية حقيقية للمسرح المغربي، نتيجة الاجتهاد الذي قام به الطيب الصديقي• في هذه التجربة الرائدة، يفرض العرض أن يكون المتفرج جالسا على الأرض، ماعدا الراوي الذي يكون في مكان عال شيئا ما، تماما كما هو الحال بالنسبة للحلقة• لهذا فكر الصديقي في انتقاء الفضاءات التي تقدم فيها العروض المسرحية، من هنا جاء اختيار جامع الفنا كفضاء لترجمة هذا الاختيار، الى أرض الواقع، وفي جامع الفنا قدمنا ثلاثة عروض، حيث كنا نعرض عملنا في وسط الساحة نهارا• أما ليلا فيتم العرض بالمحاذاة من جامع الفنا، أما الدعاية، فكنا نقوم بها عبر “الكوتشي”، وكانت العروض تقدم لزوار جامع الفنا بدون مقابل مادي، الشيء الذي أثار حفيظة “لحلايقية” الذين أحسوا بمضايقة شديدة مثل “الشرقاوي وصاحبه الأعمى”، وكذلك “الملك جالوق”، ولأن الفكرة غريبة شيئا ما بالنسبة لهؤلاء الحلايقية اضطروا في الأخير إلى الحرص على متابعة مسرحيتنا •• في الواقع كنا نحس بحرج كبير، ونحن نؤدي أدوارنا أمام رواد الحلقة، إنهم أساتذتنا
فـ”الملك جالوق”، مثلا كان يعتبر رحالة بامتياز، بحيث كان يجوب المغرب بأكمله من أجل إضحاك غيره، ومن بين الأشياء التي كان يتميز بها هذا الفنان هو تقليده للفنان المصري اسماعيل ياسين •• في عام 1967، قمنا بجولة في المغرب بصحبة اسماعيل ياسين الذي كان يزور المغرب بين الفينة والأخرى من أجل القيام بجولات فنية، وكان هذا تقليد عند مجموعة من الفناني المصريين، من بينهم النابلسي، فريد الأطرش، رشدي أباظة وغيرهم، وكانوا يهدفون من هذه الجولات بالإضافة الى معانقة الجمهور المغربي، الى تحصيل مداخيل مالية تعوض لهم ما ضاع منهم في الأعمال التي ينتجونها في بلادهم بسبب ارتفاع رسوم الضرائب، وقد اضطر العديد من الفنانين المصريين بسبب الضرائب الى مغادرة البلاد والعمل والانتاج في بلدان عربية أخرى، خاصة لبنان وتونس ويأتي المغرب في الدرجة الثالثة •• كان اسماعيل ياسين يقدم المنولوجات على هامش كل عرض مسرحي نقدمه، وحين وصلنا إلى مراكش خلال هذه الجولة، أعجب اسماعيل ياسين بفضاءات مدينة النخيل، فبدأ يتجول لاكتشاف عالم جامع الفنا
وقد توقف عند “حلقة كبيرة”، هذه الحلقة كان ينشطها “الملك جالوق”، هذا الأخير من خلال ملامحه وهيئته يستطيع اضحاك الجمهور، الشيء الذي جعل “حلقته” تكون متميزة ومليئة عن آخرها، ومن بين ما كان يعتمد عليه “الملك جالوق” في اضحاك جمهوره، كما ذكرنا اسماعيل ياسين، حيث يقوم بتقليد حركاته وطريقة كلامه، اندس ياسين وسط الجمهور، من غير أن ينتبه إليه أحد، وحين رأى اسماعيل ياسين مارآه انخرط في الضحك، وبعد هنيهة تحول هذا الضحك الى بكاء، وحين سألنا اسماعيل ياسين عن سبب بكائه، أجابنا بأنه يبكي فرحا وقال: “الحمد لله، لقد وصل فني حتى إلى هذه الطبقة الشعبية”، لقد كان هذا الحدث صادما ومفرحا في آن واحد بالنسبة لإسماعيل ياسين، وتجدر الإشارة إلى أن “الملك جالوق” كان معروفا بضخامة جسمه، كما أنه دائما كان يمشي حافي القدمين بدون حذاء، لأن رجليه كانتا كبيرتين للغاية• وبشكل لافت للنظر، حينما انتهى “الملك جالوق” من تقليد الفنان اسماعيل ياسين، ذهب عنده هذا الأخير، وأعطاه نقودا بعدما سلم عليه، وقدم إليه نفسه
بالنسبة إليَّ تبقى مسرحية “عبد الرحمان المجدوب” للطيب الصديقي أول مسرحية عرضت لمدة طويلة، فقد عرضناها أكثر من 300 مرة سواء في المغرب أو تونس أو الجزائر أو الكويت أو غيرها من الأماكن، وكانت مناسبة عظيمة عرفتنا كفنانين على ما يختزنه تراثنا المغربي وما تزخر به مختلف الفضاءات المؤثتة لمدننا المغربية من فنانين عظماء يطلق عليهم “الحلايقية”، كما ساعدنا هذا العمل على معرفة أصول بعض الأغاني المغربية واستطعنا كذلك من خلاله حفظ الأزجال المغربية والاهتمام بها •• كما أحالنا على تقاليد وعادات قبائلنا وقرانا •• لقد كان عملا رائعا حقا