فن وثقافة

العودة أو العودات الى الرشدية بين العالم العربي والعالم الغربي

كمال اوبران

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن امسيك سيدي عثمان (شعبة الفلسفة) جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء، صبيحة يوم الخميس 21 نونبر ،2019 درسا افتتاحيا برسم الموسم الجامعي 2020/2019 تحت عنوان العودة أو العدوات الى الرشدية بين العالمين الغربي والعربي

هذا الدرس الافتتاحي الذي ألقاه الدكتور محمد المصباحي بفضاء عبد الله العروي بتقديم من الأستاذ فازيو ، افتتحه عميد الكلية بتقديم الاستاذ المصباحي والتعريف بمساره وعطاءاته وبإشعاعه الادبي والفكري داخل المغرب والوطن العربي. في مجال الفكر الإسلامي والدراسات الرشدية خصوصا

وقد استهل الأستاذ المصباحي درسه بعد تقديمه الشكر للحضور بطرحه لعدة أسئلة جوهرية تدور في فلك المغزى من العودة والرجوع الى ابن رشد وفكره، سواء من قبل العالم الغربي أو العربي بصفة خاصة. هذا العود والرجوع الذي يتسترعند المصباحي تحت عدة غطاءات، منها ماهو قومي إيديولوجي عند العرب من خلال النبش في مأثوره بغيةالفصل أو الجمع في قضايا شرعية عقلية، والبحث عن موضع قدم من أجل الانطلاق نحو الحداثة. كما يمكن له أن يكون نتيجة إحساس بذنب القطيعة مع الرجل وفكره الذي دام زهاء ثمانية قرون. أو حتى من باب القطع معه ومع فكره بصفة نهائية

وأشار المصباحي في معرض حديثه الى كون الغرب كان سباقا في العودة الى أبو الوليد، وأن هذا العود عند الغرب قد جاء في صيغ مختلفة:. تارة على شكل اعتراف بعقلانية الرجل وحداثته وبالدور الذي لعبته فلسفته في النهوض بالحداثة الاوروبية. وتارة على شكل محاولات لطمس هذه الحقيقة، وبالتالي نكران الدور الذي لعبته الثقافة العربية في النهوض بالثقافة الأوروبية

وقد تتبع المصباحي خيوط هذه العودات عند كل من العالمين الغربي والعربي، مشيرا الى الظروف التاريخية التي كانت تحيط بابن رشد. والتي وضعته في مفترق الطرق بين العقل العملي الحداثي والعقل الديني المكتفي. مميزا بين ثلاثة أزمنة وحقب في تاريخ ابن رشد

1-زمن الاحتفاء:حيث نجد خلالها مرحلة مغربية خلال القرن 12 استقبل فيها ابن رشد استقبالا يليق بمقامه. قام خلالها بالرد على كتاب الغزالي «تهافت الفلاسفة» بكتابة «تهافت التفاهت». وألف كتابه الشهير «فصل المقال» وشرح أعمال أرسطو.
وبالنبسة للضفة الأخرى كان حضوره قويا ومثار جدال في الحياة الاوربية التي تفاعلت معه بالترجمة والشرح والنقد.
2-المرحلة الثانية أو ما يعرف بمحنة ابن رشد: تمثلت هذه المحنة في صك الادانة الموحدي سنة 1194 م المرسوم الذي اقتلعت بموجبه الفلسفة وتدريسها من الأراضي المغربية الأندلسية، بالاضافة الى فتوى الغزالي القاضية بتحريم الفلسفة والخوض في موضوعاتها
وفي الضفة الأخرى كانت هناك الإدانة المسيحية سنة 1270 م، حيث عمد اللاهوتيون من المسيحيين الى استخراج ماهو مسكوت عنه وموجود في النصوص الرشدية بالقوة الى الفعل وقد بلغ مجموع القضايا التي منع تدريسها 219 قضية بحجة أنها خاطئة عقليا وعلميا. وليس دينيا مع استمرار تدريس الفلسفة وعلومها
من هنا يخلص المصباحي الى كون حكم المنصور والغزالي بمنع الفلسفة كان عاملا قاضيا وحاسما في كبت ولجم العقلانية في البلاد الاسلامية، على خلاف الكنيسة التي تراجعت بعد ذلك بقليل عن قرارها وسمحت باستمرار تداول الفلسفة الرشدية وقضاياها بشكل عام، بمعنى ركوب قطار العقلانية ومن ثمة الحداثة
3-زمن الإحياء في الأزمنة الحديثة: تأرجحت هذه الحقبة بين الاعتراف والتقدير وبين الهجوم عليه.وقد كانت فرنسا سباقة الى العودة الرشدية. ذلك كون أن ابن رشد لما طرد من المغرب والاندلس. التجأ الى باريز وهنا يقف المصباحي عند موقف إرنست رينو المؤرخ والباحث الفرنسي. المتناقض. فهو يشيد بأهمية ابن رشد وفلسفته وفي الوقت نفسه يرى بأن أهمية ابن رشد تكمن فقط في لحظته التاريخية. وبأنه لم يضف إلى الفلسفة شيئا. ويرى رينو كذلك أن اللسان العربي سامي وبأن اللغات السامية عاجزة عن إنتاج الفلسفة لأنه لا وجود لفعل الوجود فيها، وبالتالي يرى بأن الثقافة العربية الاسلامية لا فضل لها في النهوض بالثقافة الاوروبية
فيما يرى مواطنه الباحث الفرنسي ألان ديلي بيرا أن ابن رشد جزء لا يتجزأ من الذات الاوروبية ،ويصفه بالمعلم الأول لأوروبا. و هناك أيضا عودة أكاديمية ألمانية وأنجلوساكسونية وأمريكية من خلال ترجمة نصوص وأعمال أبو الوليد من العربية والعبرية الى اللغات الحية. وغيرها من العودات الأوروبية الغربية
وبخصوص العودة العربية الي الرشدية في العصور الحديثة، فيرى المصباحي أنها عودة مركبة ومتشابكة تحمل في طياتها عدة قضايا وتساؤلات وسمات بين الإكراه والإخلاص وحتى عودات مسيسة في إطار قضايا معينة من قبيل إضفاء المشروعية على الحداثة، وقد كانت بدايتها مع المستشرقين الألمان مع فرح انطوان ومراد وهبة وعاطف عراقي. وفي حلة المتكلم مع محمد عبده ومحمود قاسم. وفي المغرب في حلة المناضل مع عابد الجابري. والجدلي الإشكالي مع الأستاذ المصباحي نفسه. وغيرها من العودات، وعودة ماركسية . التي قدمت ابن رشد بكيفية منفرة حسب المصباحي، حيث يرى الماركسيون الاتينيون أن الفلسفة ليست محايدة. وبأن ابن رشد كان مثقفا عضويا يخدم إيديولوجية الدولة الموحدية التي كانت عقلانية. وقد ألصقوا به كذلك الاسمية في محاولة لإثبات أن لابن رشد برنامجا إيديولوجيا وحضاريا في مقاومته الفقهاء واللانغلاق الديني. كما حاولوا البرهنة في قضايا فلسفية على أن ابن رشد هو جد فلسفي لاسبينوزا وللماركسية
وتجدر الإشارة الى أن فلسفة ابن رشد تدور حول مواضيع النفس و القياس و قدم العالم. وعلم الله وعنايته والميعاد وحشر الاجساد وبأن العالم مخلوق وأن الخلق خلق متجدد وغيرها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى